هل تعيد العدوى الشديدة التي تشهدها الصين بقية العالم إلى الكوابيس الأولى في مكافحة فيروس كورونا؟
تشهد الصين حاليا ارتفاعا حادا في عدد حالات الإصابة بفيروس كورونا مثيرة بذلك قلق ظهور متحورات أخرى فرعية جديدة. وفي الوقت الذي أعلنت فيه السلطات الصينية الإثنين انتهاء الحجر الصحي الإلزامي عند الوصول إلى البلاد، هل يمكن لهذه الموجة الجديدة أن تغير الوضع الحالي للوباء خارج الحدود الصينية؟
بشكل مفاجئ، أُزاحت الصين آخر عقبة لسياسة “صفر كوفيد” ومعظم التدابير الصحية الصارمة بالبلاد في السابع من كانون الأول/ديسمبر، وألغت السلطات الصحية معظم القيود السارية منذ 2020. كما أعلنت انتهاء الحجر الصحي الإجباري عند دخول أراضيها، اعتبارا من 8 كانون الثاني/يناير مع تقديم اختبار سلبي في غضون 48 ساعة.
فبعد ثلاث سنوات من العزلة، أدخل قرار بكين إلغاء الحجر الصحي للوافدين من الخارج البهجة إلى قلوب الصينيين الذين تهافتوا الثلاثاء على حجز تذاكر السفر.
لكن، وفي ظل التفشي الهائل للعدوى في البلاد، أثار هذا الإعلان قلقا كبيرا في العالم، ليُطرح السؤال: هل يمكن أن يكون لموجة كوفيد-19 التي تشهدها الصين حاليا تداعيات صحية خارج حدودها؟
أصابع الاتهام موجهة لمتحور BF.7
نقلت العديد من وسائل الإعلام الأمريكية، بما فيها صحيفة الفاينانشل تايمز، عن نائب مدير المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية قوله إن 250 مليون شخص أصيبوا في الصين منذ الأول من كانون الأول/ديسمبر، أي ما يعادل 18٪ من إجمالي السكان. وهو عدد غير مؤكد رسميا ويستحيل التحقق منه – فقد أوقفت السلطات الصحية المحلية اختبارات الفحص الإجباري ونشر أي إحصاءات بشأن الوباء – لكن هناك أيضا شهادات عديدة كشفت عن اكتظاظ المستشفيات ومحارق الجثث وأكدت مدى تأثير موجة هذه العدوى في السكان.
وبغية شرح هذا الوضع، يقدم المتخصصون عدة عوامل مؤثرة: التحصين الجماعي مثلا، إذ أن جزءا كبيرا من السكان لم يصيبوا بكوفيد-19 مطلقا وبالتالي ليسوا محصنين ضده بشكل طبيعي. بالإضافة إلى ذلك، يوضح أنطوان فلاهولت، الباحث في علم الأوبئة بجامعة جنيف في سويسرا، أن “نسبة تطعيم المسنين والضعفاء قليلة أو سيئة: 60٪ ممن تجاوزوا الثمانين حصلوا على جرعتين فقط أو أقل”. بينما تُظهر العديد من الدراسات أن اللقاحات الصينية، المستخدمة حصريا في جميع أنحاء البلاد، تصبح فعالة عند الجرعة الثالثة.
ويشير الباحث بجامعة جنيف أن “المتحور الفرعي BF.7 من سلالة أوميكرون، يعد المسؤول الرئيسي عن هذه الموجة”. وكان هذا المتحور قد تم اكتشافه لأول مرة في آذار/مارس الماضي في بلجيكا ثم رُصد أيضا في فرنسا وفي الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكذلك في ألمانيا، وقد يكون شديد العدوى.
ويتابع الباحث: “يفترض أن يكون لمتحور BF.7 معدل R0 (معدل تكاثر الفيروس) من 10 إلى 18.6. أي أنه يمكن للشخص المصاب أن ينقل الفيروس بمتوسط يتراوح ما بين 10 إلى 18.6 أفراد آخرين، مقارنة بمتوسط نقل أوميكرون الذي يبلغ 5.08″… “لذلك يعتبر سلالة شديدة العدوى في ظل الظروف الحالية المتمثلة في ضعف المناعة لدى الصينيين”.
ويمثل متحور BF.7، نسبة 0.99 بالمئة فقط من عمليات التسلسل المكتشفة في فرنسا بحسب أداة كوف سبيكتروم Cov-Spectrum و1.5 في المئة من الإصابات في الولايات المتحدة.
من جهته، أكد ميرسيا سوفونيا، وهو محاضر في علم الأوبئة بجامعة مونبيلييه الفرنسية أنه “يمكن لهذه النسبة أن ترتفع فعلا… لكن هذا الأمر غير مقلق. لقد عانت أوروبا من عدة موجات كوفيد-19 لها علاقة بأوميكرون ونحن أفضل من حيث المناعة المكتسبة. لذلك قررنا الآن التعايش مع الفيروس”.
صحيح أن التباين بين الدول بشأن الوسائل المتوفرة لمواجهة فيروس كورونا، بالإضافة إلى قدراتها الاقتصادية وعدد سكانها وغيرها من العوامل الأخرى، باتت مهمة للغاية من أجل التصدي للفيروس. فكيف هو الحال بالنسبة للبلدان العربية عامة وهل هي جاهزة لجائحة كوفيد جديدة؟
تباين في الإمكانيات والوسائل
تعود إلى الأذهان كوارث ما خلفته جائحة كوفيد-19 في عامها الأول. فلا أنظمة الرعاية الصحية في أوروبا ولا الولايات المتحدة ولا غالبية الدول المتقدمة استطاعت التصدي للفيروس وشراسته، ناهيك عن الأنظمة الصحية في العالم العربي التي تعتبر أقل تطورا، نتيجة انخفاض مؤشرات التنمية الصحية في أغلب الدول التي تشكله، بالإضافة إلى معاناة معظمها من دوامة الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية المتردية.
وتعرف الدول العربية تباينا كبيرا فيما بينها وتعاني من مشاكل تمثل عوائق كبيرة بالنسبة لها، خصوصا في الإمكانيات الطبية والميزانيات المخصصة لقطاع الصحة عامة لتوفير أو ترميم المستشفيات بمختلف التخصصات ومرافق الطوارئ وغيرها.
وتوضح مؤشرات عالمية أن دول الخليج مثلا تحتل مراتب متقدمة عالميا من حيث جودة الرعاية الصحية. هناك أيضا دول أخرى تتمتع بإمكانيات طبية مقبولة كتونس والمغرب والجزائر ولبنان والأردن…
بالمقابل، تعاني دول أخرى كاليمن والصومال وجزر القمر وجيبوتي وموريتانيا والسودان وسوريا التي صنفت ضمن أسوأ بلدان العالم في نظام الرعاية الصحية، نظرا للحروب وانعدام البنى التحتية الطبية والانهيار الاقتصادي وسوء التسيير والتي تحتل الفئة الأدنى عالميا ضمن مؤشرات التنمية الصحية في العالم.
وفيما يخص التعامل مع الفيروس، هناك بعض الدول العربية التي قررت أن تتعامل معه بمرونة مثل الدول الخليجية. ففي تصنيف بلومبرغ مثلا تحتل الإمارات العربية المتحدة المرتبة الأولى لمرونة تعاملها مع الوباء، وهو التصنيف الذي يضم 53 دولة بناء على 12 مؤشرا، مثل جودة الرعاية الصحية ومعدل الوفيات من الفيروس وإعادة فتح السفر، وغيرها. ولكن في ظل الجائحة التي تمر بها الصين هل ستبقى هذه البلدان على نفس السياسية؟
الخوف من متحورات جديدة
إن التوجس الأكبر بالنسبة للأخصائييْن المذكورين، لا يأتي من متحور BF.7 وإنما من ظهور متحور جديد ناتج عن تفشي هذا الوباء في الصين. ويقول المحاضر في علم الأوبئة بجامعة مونبيلييه ميرسيا سوفونيا إن “كل إصابة تعتبر فرصة للفيروس للتحور وبالتالي احتمال ظهور متحور أو متحور فرعي جديد لكوفيد-19”.
وفي السياق نفسه يؤكد الباحث أنطوان فلاهولت: “يجب أن نستعد لذلك… فالخطر بديهي، كون الفيروس منتشر في بلد يبلغ عدد سكانه 1.4 مليار نسمة ووسط سكان ذوي مناعة ضئيلة”. وأضاف: “الفرضية الأكثر احتمالا على المدى القصير، هي أنه في حال ظهر متغير فرعي من سلالة أوميكرون مثل BF.7، فسيضاف فقط إلى قائمة المتحورات الموجودة وبالتأكيد لن يشكل خطرا حقيقيا على السكان الغربيين ذوي المناعة القوية”.
وحذر الباحث في الوقت ذاته من أن “الخوف الحقيقي هو ظهور متحور بعيد عن سلالة أوميكرون الذي قد يفلت من مناعتنا الطبيعية والمكتسبة عن طريق اللقاح”.
للتذكير، لكي يستطيع أي متحور جديد فرض نفسه يجب أن يكون أكثر عدوى من سابقه، مثلما كان الأمر بالنسبة لأوميكرون ودلتا ويجب أن يتمتع أيضا بقابلية الإفلات من المناعة.
وتابع أنطوان فلاهولت قائلا: “يجب أن تتوقع الصين المرور بعدة موجات متتالية مثلما حدث في الدول الغربية”، مؤكدا: “على أي حال، فإن ظهور متحورات جديدة أكثر قابلية للانتقال وربما أكثر خطورة يجب أن يظل شغلنا الشاغل حيثما كنا لنبقى حذرين وعلى أتم الاستعداد لأي طارئ”.
من جهة أخرى، وإلى جانب هذا التهديد، سيكون للوضع الصحي العالمي تداعيات اقتصادية بما في ذلك تباطؤ سلاسل الإنتاج في دولة تعدّ مصنعا للعالم، كما كان الحال في العام 2020. أما القلق الأكبر فقد يأتي من قرار السلطات الصينية التحكم في إنتاج بعض شركات الأدوية، الأمر الذي قد يؤدي أيضا إلى تفاقم معضلة النقص في الأدوية الذي تعاني منه العديد من الدول الغربية هذا الشتاء.
للتذكير في العام 2020، كانت الصين وحدها تضم 50 في المئة من الإنتاج العالمي لمادة الباراسيتامول.
إعادة المراقبة على الحدود وتعزيزها؟
ومن أجل صد القلق الناجم عن إعادة فتح الصين لحدودها، قررت كل من الهند واليابان المجاورتين فرض اختبارات على المسافرين القادمين من الصين إلى أراضيهما. وقال مسؤولون إن الولايات المتحدة “تدرس اتخاذ إجراء مماثل”.
ويؤيد أنطوان فلاهولت مثل هذا الإجراء في أوروبا ويقول: “على منطقة شنغن بأكملها إعادة المراقبة الصحية بسرعة على حدودها وإلزام الفحص من أجل معرفة سلالات الفيروسات وتحديدها عند جميع المسافرين القادمين من الصين. وهي الطريقة الأنجع التي ستسمح لنا بالتعرف مبكرا على مختلف المتحورات التي نخشاها. وبالتالي نستبق الأحداث ونقدم أفضل إجابة أو إجراء لذلك”.
من جانبه يحث ميرسيا سوفونيا، قبل كل شيء، الجميع على مواصلة التباعد الاجتماعي قائلا: “يجب ألا ننسى أن الصينيين هم أول ضحايا هذا الوضع… استراتيجية صفر كوفيد لم تكن بالأمر الهين واليوم يدفعون ثمن التخلص المفاجئ منها ومن دون أي جاهزية. سيتعين على حكومتهم إيجاد الحلول بسرعة لتجنب كارثة صحية”.
هذا، وقد نشرت مؤخرا صحف عالمية عديدة مقالات بهذا الشأن، على غرار الصحيفة البريطانية “ديلي ميل” التي حذرت العالم في تقرير تقول إنه يستند على آراء خبراء ومختصين في مكافحة فيروس كورونا، من أن العدوى الشديدة التي تشهدها الصين حاليا قد تعيد بقية العالم إلى الكوابيس الأولى في مكافحة الوباء.
النص الفرنسي: سيرييل كابو، أعده للعربية: فارس بوشية
مصدر الخبر
للمزيد Facebook