هل من انفراجات اقتصادية متوقعة في الـ 2023؟ وماذا عن مصير الدولار؟
منذ خريف 2019 ولبنان يعاني من أزمات مالية واقتصادية متلاحقة أثقلت كاهل المواطن اللبناني وقلبت حياته رأسا على عقب، ومع انتهاء عام 2022 ينشغل اللبنانيون بتوقع ما يمكن ان ينتظرهم اقتصاديا في السنة الجديدة ولاسيما ان سنة 2022 أبت ان تودعهم الا بارتفاع صاروخي للدولار لامس عتبة الـ 48 ألف ليرة قبل تراجع من بين اسبابه تعديل سعر “صيرفة“.
ومع توقعات بأن يطول الفراغ السياسي يبقى السؤال ما مصير الاستحقاقات المالية والاقتصادية وأبرزها المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وقانون الكابيتال كونترول وأموال المودعين والأهم كيف سيكون مسار الدولار في الفترة المقبلة؟
في جردة على الاستحقاقات المالية والاقتصادية في عام 2022، اعتبر خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي في حديث عبر “لبنان 24” ان “هذه السنة تميزت بمحطات إيجابية عديدة”، مشيراً إلى “هذا الأمر أكده التقرير الأخير الذي أصدره البنك الدولي والذي كان يتوقع انكماشا اقتصاديا في لبنان ما بين الـ 10 والـ 7 بالمئة ولكن تبين أن الانكماش يُقارب الـ 5 بالمئة إضافة إلى تسجيل نمو بحدود الـ 2 بالمئة“.
ويلفت إلى انه “في عام 2022 تحولنا في لبنان من الحديث عن اضطرابات في سوق الصرف إلى تقلبات بسوق الصرف، وهذه التقلبات لم يواكبها تقلبات بأسعار السلع الاستهلاكية وصار هناك تحولات بالسوق حيث المواد الأساسية كالأدوية والمحروقات والطحين أصبحت متوفرة بشكل يختلف جدا عن عام 2021“.
وأشار إلى ان “القطاع الخاص على خلاف القطاع العام استطاع ان يتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية وان يؤمن مصادر إيرادات خارج لبنان جعلته يعتمد عليها لتمويل المصاريف التشغيلية، كما توصل إلى تفاهم معين مع القطاع المصرفي سمحت له بأن يستخدم اللولار او حساباته بـ “الدولار المُقيم” لتغطية جزء من مصاريفه التشغيلية وهذا الأمر كان تغييرا إيجابيا مكّنه من الصمود والاستمرار بخدمة الاقتصاد اللبناني“.
ماذا عن المصارف؟
يقول فحيلي: “لم نشهد أي متغيرات بالنسبة للمصارف اللبنانية في الـ2022، وجمعية مصارف لبنان لا زالت تسوّق لصناديق استثمار سيادية تُستخدم لدفع ودائع الناس أي لا زالت تسوّق لاسترداد الودائع رغم ان فكرة استرداد الودائع او عرض استردادها خالية من المنطق الاقتصادي، لأن مكان الودائع الأساسي والمهم هو الحسابات المصرفية، كما انها لا تزال تحافظ على التواصل السلبي مع المودعين ولم تُباشر أو تطلق عجلة إعادة ترميم الثقة“.
ولفت إلى ان “المصارف تعترض على قانون “الكابيتال كونترول” ولكن لا تطرح بديلا وكل ما تطرحه السلطة السياسية تُعارضه المصارف وكأنها تحاول قدر المستطاع الخروج من الأزمة من دون أي مسؤولية“.
وشدد على انه “من الضروري عام 2023 إحداث نوع من الصدمة بالجهاز المصرفي لفرز المصارف القادرة على الاستمرار بخدمة الاقتصاد من المصارف غير القادرة على ذلك”، مشيرا إلى أهمية الشفافية بالتعاطي مع هذا الموضوع لأن أي مرحلة سيكون فيها إعادة هيكلة أو إعادة الانتظام إلى العمل المصرفي يجب ان تترافق مع ضخ لرأسمال جديد ودمج واستحواذ“.
دولار الـ 15 ألف
وبرأي فحيلي فان تطبيق دولار الـ 15 ألف الذي أقر بموازنة الـ 2022 هو مستحيل والموازنة أقرت بشهر تشرين الثاني ومن غير الممكن بالتالي ان تطبق الضرائب والرسوم بمفعول رجعي لأن الأرضية لتطبيقها غير جاهزة ما دفع لجنة المال والموازنة في آخر اجتماع لها إلى تأجيل تطبيق هذا البند لسنة 2023.
واعتبر ان “هناك صدمة سلبية ستحصل عام 2023 تتمثل بالضرائب على الرواتب والأجور والتي ستطبق بالحد الأدنى على سعر صرف 15 ألف للدولار للأشخاص الذين يتقاضون رواتبهم بالفريش دولار وبالحد الأقصى على سعر منصة صيرفة وسيشعر موظفو القطاع الخاص حينها بانخفاض قدرتهم الشرائية بسبب تآكل الجزء الأكبر منها لتسديد ضريبة الدخل“.
ورأى ان “الانفراج الوحيد الذي سيحصل في القطاع العام هو قدرة مصرف لبنان على إدارة تمويل النفقات الجارية للدولة اللبنانية من دون اللجوء إلى طباعة العملة بشكل يسبب ضغوطات تضخمية مؤلمة على الاقتصاد اللبناني“.
وأضاف ان “مصرف لبنان أسس ما يسمى بـ currency board بطريقة غير مباشرة أي أمّن كتلة نقدية بالدولار يستخدمها لدفع رواتب وأجور موظفي القطاع العام ولتلبية جزء زهيد من حاجات القطاع الخاص يكون مقابل هذه الكتلة النقدية بالدولار كتلة نقدية بالليرة اللبنانية“.
ورأى انه “في الـ2023 يجب إيجاد طريقة تسمح للقطاع الخاص ان يكون لديه القدرة والرغبة لدعم القطاع العام بدفع الرسوم والضرائب على القيمة الاقتصادية الحقيقية للنشاط الاقتصادي بشكل تتمكن فيه الدولة بالمقابل ان تؤمن القضاء والرقابة والأمن بالحد الأدنى، لأن هذه الخدمات ضرورية فغياب الرقابة بالسوق يؤسس لمضاربة تؤذي العملة الوطنية والقدرة الشرائية للرواتب والأجور“.
ماذا عن أموال المودعين؟
يقول فحيلي: “انا ضد فكرة إعطاء وعود فارغة بإعادة أموال المودعين لأن هذا الأمر لا يمكن ان يحصل بأي اقتصاد حتى الخزينة الأميركية عاجزة عن دفع أموال المودعين بالمصارف التجارية الأميركية لذا يجب التوجه نحو تطمين المودع حول مصير أمواله والسماح له باستخدام جزء منها لتمويل فواتير الاستهلاك العادية والفواتير الاستثنائية مثل الطبابة والتعليم“.
المفاوضات مع صندوق النقد
في هذا الإطار، يقول فحيلي: ” أؤيد الوصول لاتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، ليس من أجل الحصول على الـ 3 مليار دولار التي وعدنا بها ، بل من أجل تحسين التصنيف الائتماني للبنان مقابل الأسرة الدولية وفي هذه الحالة يمكن للمصارف التجارية ان تتنفس بسهولة أكثر وتتحسن العلاقة بينها وبين الخارج خصوصا مع المصارف المُراسلة ،وأعتقد ان هذا الأمر يؤسس لانفراجات جدية لجهة قدرة المودعين للوصول إلى جزء من أموالهم“.
الدولار.. إلى أين؟
وأخيرا لا بد من السؤال عن مسار الدولار في الـ2023، يجيب فحيلي:” مررنا بحقبة كان سعر الصرف مستقرا على سعر الـ35 أو 40 ألف ولكن بسبب إقرار الزيادة على رواتب وأجور موظفي القطاع العام أصبح مصرف لبنان بحاجة الى أن يؤمن كتلة نقدية بالدولار أكبر من الكتلة التي كانت موجودة سابقا على مستوى الرواتب والأجور قبل زيادة الإضافات عليها هذه الحاجة الإضافية للدولار أدت إلى ارتفاع في سعر الصرف” .
وتوّقع ان يتراوح سعر صرف الدولار في المرحلة المقبلة ما بين 45 ألف والـ 50 ألف، وقال: “التقلبات ستكون بين هذين السعرين وقد تكون أقرب لـ 50 ألف وهذا المستوى سيؤسس للكتلة النقدية الجديدة بالدولار سيستخدمها مصرف لبنان لدفع رواتب وأجور القطاع العام. وللتخفيف من عبء هذه الرواتب عليه سيذهب باتجاه رفع سعر صرف منصة صيرفة الذي قد يصل إلى 35 ألف أو أكثر وذلك حسب الظروف وحسب قدرته على تحمل عبء إدارة تمويل المصاريف التشغيلية للدولة“.
أيام قليلة تفصلنا عن عام جديد يتمنى اللبنانيون ان يشهدوا فيه حلحلة على كافة المستويات ولاسيما السياسية والاقتصادية وان يتنفسوا الصعداء بعد 3 سنوات من انهيار مالي واقتصادي دراماتيكي لم يشهده لبنان في تاريخه.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook