ثقافة

مكتبة “الساقي”… ملاذ المثقفين العرب في لندن تغلق أبوابها بعد 45 عاما من خدمة الفكر


نشرت في: 22/12/2022 – 17:08

بعد 45 عاما من خدمة الفكر ونشر الثقافة العربية، تغلق مكتب الساقي في لندن أبوابها متأثرة بتداعيات جائحة كوفيد-19، واتفاق بريكسيت، مرورا بالفوضى السياسية والاقتصادية في لبنان. قاد نجاح المكتبة مؤسسيها الزوجين أندريه وسلوى كسبار إلى استقطاب المثقفين والعرب المقيمين في لندن وزائريها، فشكلت موطنا لهم في غربتهم وواحة ينهل منها المتعطشون للعلم والمعرفة.

تنظر سلوى كسبار بتأثر إلى رفوف خشبية تضم مئات الكتب العربية، ترتب بعضها وعلامات الحسرة بادية على محياها، فلم يعد يفصلها عن إسدال الستار على مكتبة “الساقي” حيث أفنت سنوات من عمرها سوى أيام قليلة.

شاركت كسبار رفقة زوجها وصديقة لهما في تأسيس المكتبة الواقعة في لندن قبل نحو نصف قرن، اشتهرت لدى هواة المطالعة في مختلف أنحاء الشرق الأوسط وشكلت ملاذا لكثيرين ممن وجدوا ضالتهم العلمية في الكتب المعروضة على رفوفها.

لم تقوَ المكتبة على تحمل الضربات المتتالية، من جائحة كوفيد-19، إلى البريكسيت، مرورا بالفوضى السياسية والاقتصادية في لبنان.

ولم تتمكن المكتبة الواقعة في مبنى أبيض تتخلله أعمدة على مقربة من محطة بادينغتون للقطارات، من الصمود أمام هذه العوامل المتضافرة، على الرغم من كونها تحولت منذ أن افتتحها الزوجان كاسبار مع صديقة لهما عام 1978، إلى مركز استقطاب للمثقفين وللعرب المقيمين في لندن أو الزائرين لها.

لم يكن في عاصمة الضباب يومها، بحسب سلوى، “أي شيء ثقافي” للآتين من العالم العربي، فجاءت مكتبة الساقي لتملأ هذا الفراغ وتحقق النجاح سريعا. وتتذكر كاسبار أن هؤلاء “كانوا يذهبون إلى شارع التسوق الرئيسي أكسفورد ستريت، وإلى حي نايتسبريدج الذي يقع فيه متجر هارودز الشهير ويقصدون مكتبة الساقي”.

وكانت المكتبة اسما على مسمى، إذ باتت أشبه بالساقي الذي يحمل الماء في الصحراء، ينهل المتعطشون إلى الثقافة العربية من مخزونها ما يروي ظمأهم، كما قالت كسبار البالغة من العمر 74 عاما.

ودرجت المكتبة على أن تضم بين رفوفها أيضا مؤلفات باللغة الإنكليزية عن العالم العربي، توفر “عن الشرق فكرة مختلفة عن الصور العنيفة التي تتناقلها محطات التلفزيون أو الصحف”، بحسب كسبار.

“لم نؤمن يوما بالرقابة”

قاد نجاح المكتبة الزوجين إلى تأسيس دار نشر، تولت أولا ترجمة مؤلفات لكتاب عرب إلى اللغة الإنكليزية، ومنها مثلا “الحروب الصليبية كما رآها العرب” للكاتب الفرنسي اللبناني الأصل أمين معلوف، وأتبعاها بعد سنوات قليلة بدار نشر أخرى في لبنان مخصصة للكتب بالعربية.

وكم من كاتب عربي وجد في مكتبة الساقي اللندنية طوال 40 عاما مكانا لإطلاق مؤلفاته، على غرار الشاعر السوري الشهير أدونيس. وكانت المكتبة التي شكلت فسحة لقاء، لا بل “ملجأ” أحيانا لمن اقتلعتهم حروب المنطقة العربية من بلدانهم أو اضطرتهم أزماتها الاقتصادية إلى الهجرة، تتمسك بشراسة باستقلالها وروح الانفتاح التي تميزها.

وتلاحظ سلوى أن “الناس كانوا يشعرون أن لديهم هنا أصدقاء يمكن أن يفهموهم”، لأن الأحداث التي طالتهم “شهدت مثلها بلدان كثيرة في الشرق الأوسط”.

وعلى الرغم من حرص “الساقي” الدائم على النأي بنفسها عن السياسة، لم توفر المشاكل الجيوسياسية المكتبة التي كانت أحيانا تدفع ثمنا باهظا، كما عند صدور كتاب “آيات شيطانية” لسلمان رشدي عام 1988، عندما تعرضت واجهتها للتحطيم.

وتقول سلوى كسبار “لم نؤمن يوما بالرقابة (…) لم نكن نرغب في حظر أي شيء”.

وتعرض الزوجان للتهجم والانتقادات أيضا عندما نشرا ترجمة الإسرائيلي أبا إيبان لرواية “يوميات نائب في الأرياف” للكاتب المصري توفيق الحكيم. وتتذكر سلوى كسبار قائلة “غضب الناس يومها (…). كان ذلك قبل عملية السلام، لكنه كان مجرد اتحاد فكري بين مصري وإسرائيلي”.

ملاذ في لندن

قوبل الإعلان عن إغلاق المكتبة في نهاية الشهر الجاري بسيل من المنشورات التي يبدي أصحابها أسفهم وحزنهم.

فوصال حريز مثلا التي يتصدر علم الجزائر صورة حسابها على تويتر، أعربت عن “الشكر” للمكتبة “لكونها بيتا بعيدا عن الوطن”. أما نصري عطا الله فوصفها كالآتي: “كانت ركنا في حياتي كلها في لندن، وفي حياة أبي قبلي”.

وكتبت الطالبة المصرية فرح أوتوزبير التي عرجت على “الساقي” للمرة الأخيرة لدى وجودها أخيرا في لندن لتسلم شهادتها من كلية “لندن سكول أوف إيكونوميكس” حيث تابعت تعليمها الجامعي، أن المكتبة “كانت بمثابة ملاذ في لندن، وبالتالي هذا الخبر سيئ جدا للحقيقة”.

ولاحظ الموظف الإنكليزي في المكتبة والطالب السابق في اللغة العربية جوزف ديفين أن المكتبة “كانت دائما مكانا يقصده الناطقون بالعربية من كل أنحاء الشرق الأوسط لشراء كتب لا يستطيعون شراءها في بلدانهم”، لكونها خصوصا محظورة من أجهزة الرقابة، ولكن كان لها أيضا دور كبير في “ترجمة الأدب والمؤلفات إلى اللغة الإنكليزية ونشرها للجمهور الناطق باللغة الإنكليزية”.

وكانت المكتبة تأمل في التعافي بعد كوفيد-19 لكن الأزمة الاقتصادية الحالية في بريطانيا، وما تسببت به من ارتفاع التكاليف، والوضع الفوضوي في لبنان، قضت على آمال سلوى.

تقول “عندما غادرنا لبنان، لم يكن لدينا أي من أفراد عائلتنا في لندن. كانت المكتبة عائلتنا. فالموظفون وحتى بعض الزبائن كانوا مثل عائلتنا، ونحن اليوم نفقد كل ذلك”.

 

فرانس24/ أ ف ب


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى