مرضى غسيل الكلى في مهب الخطر.. والبقاء للأغنى!
كتبت “الأخبار”: لا تشبه مراكز غسيل الكلى غيرها من الطبقات في المستشفى، فهنا لا أحاديث جانبية بين المرضى الموصولين إلى ماكينات الغسيل. لا تسمع سوى «طرطقة» الماكينات ووقع أقدام الممرضين والممرضات بينها يرقبون الوقت. أما المرضى، فعيونهم متعبة، ليس من المرض وحده وإنما من النظر إلى الشاشات، وهم يحسبون ما تبقى من الوقت للانتهاء من الجلسات. وهو وقت لا يقلّ في الغالب عن 3 أو 4 ساعات تتكرّر «يوم إيه، يوم لأ»، تقول إحدى الممرضات.
خرجت أزمة مرضى الكلى من إطار فقدان الأدوية. لم يعد هذا السبب الوحيد لتدهور أحوال المرضى، مع انضمام أزمة المستلزمات والمعدات الطبية إلى قائمة الأسباب التي تحول دون استكمال معظم المرضى لعلاجاتهم المطلوبة في المستشفى.
اليوم، ثمة سببان أساسيان يقودان المرضى نحو انهيار حتمي، أوّلهما آلية الدعم التي يفرضها مصرف لبنان، وثانيهما التحديث الذي لحق بماكينات غسيل الكلى في معظم المستشفيات، التي أصبحت معداتها محدودة بأنواعٍ معينة. والمشكلة أن هذه المعدات توفرها شركة واحدة لمعظم المراكز، أي أن أيّ تأخير في شحنة تلك الشركة يعني إرباكاً في الجلسات وفي بعض الأحيان توقفها، وهو ما حدث أخيراً في مستشفيَي الزهراء والمقاصد اللذين واجها أزمة بسبب تأخر وصول الأنابيب الخاصة بالماكينات الموجودة بالمستشفى (bloodline)، ما خلّف حالة من الذعر حُلّت مؤقتاً باستعارة الأنابيب من مستشفيات أخرى، وفي تحويل بعض المرضى إلى مراكز أخرى.
تعود الجذور الأساسية للأزمة إلى آلية دعم المستلزمات التي يفرضها مصرف لبنان، بحيث يتأخر البت بالمعاملات. وبسبب هذا الأمر وتراكم ديون الشركات والوكلاء في ذمة المصرف، يمتنع هؤلاء في الفترة الأخيرة عن تأمين المعدات بالوتيرة التي كانت سائدة والتوزيع على المستشفيات بـ«الحبّة». وهو ما تطبّقه أخيراً شركة «فريسينيوس»، الوكيل الحصري للمعدات في 60% من مراكز غسيل الكلى.
تتجلّى ثانية أزمات مرضى الكلى في العلاقة المثلّثة ما بين الصناديق الضامنة والمستشفيات والأطباء. فحتى اللحظة الراهنة، لا تزال جلسات غسيل الكلى مدعومة، وتحدّد الصناديق الضامنة كلفة تغطيتها لها وبدلات أتعاب الأطباء عن كلّ جلسة. في ما يتعلق بالكلفة التي تدفعها الصناديق الضامنة، فهي ليست موحّدة، فكل صندوق يرصد «كلفتها الخاصة»، ونذكر مثلاً أن وزارة الصحة العامة رفعت في الآونة الأخيرة كلفة الجلسة إلى مليون ونصف مليون ليرة، بعدما كانت الوزارة قد حدّدتها بـ500 ألف ليرة العام الماضي، و200 ألف ليرة قبل اندلاع الأزمة. أما بدلات أتعاب الأطباء، فقد رفعتها الوزارة من 37 ألفاً وخمسمئة ليرة إلى 75 ألفاً ثم إلى 225 ألف ليرة. غير أن مشكلة هذه الأكلاف أنها لا تترافق مع ما تشهده الأزمة، ودائماً «الدولار يسبق الكلّ»، يتابع حمادة.
أما الأطباء، فشكواهم لا تتأتّى فقط من تأخير تسديد بدلاتهم سنة كاملة أو كلّ ستة أشهر، وإنما من وضعهم تحت رحمة المصارف، إذ توضع الأموال في حسابات مصرفية تخضع لأهواء أصحاب المصارف. ويذكر الدكتور سعد أبو همين، طبيب الكلى في مستشفى بيروت العام وعضو مجلس نقابة الأطباء أن «ما نتقاضاه عن عامٍ كامل قد يستغرق سحبه من المصرف عاماً ونصف عام»! وفي ظروف اقتصادية مماثلة، يخوض الأطباء معركة حياة يومية، بحسب أبو همين، «لأن عملهم محصور فقط في المراكز، فهم لا يملكون عيادات قد تسندهم في معيشتهم، ويتّكلون فقط على ما تعطيهم إياه وزارة الصحة العامة والصناديق الضامنة عن المرضى». ومع ذلك، لا يمكنهم اتخاذ إجراءات متطرّفة كإعلان الإضراب «لأن أحداً لا يستطيع تحميل ضميره وزر موت مريض»، يقول حمادة. وفي هذا السياق، طالب الأطباء بدفع المستحقات شهرياً، أو تسديدها على أساس سعر صرف منصة صيرفة أو فريش، إلا أن أياً من هذه الاقتراحات لم يأخذ طريقه نحو التنفيذ. وفي الآونة الأخيرة، طالب هؤلاء برفع بدل الأتعاب من 5 إلى 10، إلا أن الاقتراح رُفض، بحسب أبو همين.
تهدّد الأزمة بفقدان كثيرين من مرضى غسيل الكلى وبهجرة المزيد من الأطباء
كانت كلفة جلسة غسيل الكلى تبلغ قبل الأزمة 200 ألف ليرة لبنانية، أي ما يعادل 110 دولارات أميركية، مدعومة بالكامل، بمعدّل يُقدّر بـ250 مليون دولار أميركي سنوياً. أما اليوم، فتخضع الكلفة لزيادات غير محسوبة وغير ثابتة، كما حصل قبل أشهر مع قرار رفع الدعم عن بعض الأدوية التي تستخدمها المستشفيات. مع ذلك، لا تزال أكلاف الجلسات تفوتر على أساس أنها مدعومة بالكامل. لكن، المفارقة هي في الطرق الملتوية التي يسلكها الدعم الموجّه إلى الشركات، والتي من المؤكد أنها راكمت الكثير من الأرباح على حساب مرضى الكلى وغيرهم، بدل دعم المستهدفين مباشرة. ولذلك، تأتي الدعوة اليوم لإعادة مسار الدعم إلى طبيعته.
وفي هذا السياق، يقترح أبو همين «دعم مرضى الكلى مباشرة، إما من خلال تسديد أكلاف علاجهم مباشرة إلى المستشفيات أو أن يدفع المريض الكلفة ويحصّلها في ما بعد بطريقة واضحة من الصندوق الضامن الذي يخضع له». ما دون هذه الآلية، ستبقى الأزمة مفتوحة، خصوصاً أن قنوات الدعم الحالية لا ثابتة ولا مستمرة. أما الخيار الأكثر تطرّفاً فهو «أن يأتي الدعم من الخارج»، وإلا فمن المستحيل «علاج السرطان بحبّة بانادول»، يختم حمادة.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook