إحياء الذكرى الثمانين لحملة الاعتقالات النازية للتونسيين اليهود
نشرت في: 08/12/2022 – 08:40
في 9 ديسمبر/كانون الأول 1942 وبعد شهر من احتلال ألمانيا لتونس، طُلب من ثلاثة آلاف رجل يهودي فوق عمر 18 عاما العمل، لكن لم يستجب سوى 120. فنفذ المحتل حملة اعتقالات أرسل على إثرها نحو خمسة آلاف يهودي للعمل القسري في المعسكرات حيث عانوا من سوء المعاملة.
“بينما كان رئيس SS (وحدات الأمن النازية الخاصة) يصرخ، كنت أقوم ذهنيا بتقييم الوضع. نحن صغار أمام قوة جبّارة وعنيفة. على يميني، أنظر إلى مجموعة يرثى لها من السجناء البائسين والصامتين. ويمكنني أن أميز لحية المسؤول… وأرى طفلا يرتعش من الخوف”. في التاسع من ديسمبر/كانون الأول 1942، كان يبدو بول غيز ممثل التونسيين اليهود، مغلوبا على أمره. ففيما كان المحتل الألماني ينفذ اعتقالات بالعاصمة التونسية، لم يكن بمقدوره المقاومة. أرسل نحو خمسة آلاف يهودي للعمل القسري في عدة معسكرات.
لقد شكل ذلك التاريخ منعطفا. فحتى تلك الفترة لم يتعرض يهود تونس، والمقدر عددهم حينها بنحو 90 ألف شخص، لمثل تلك الاضطهادات. كانوا عرضة لإجراءات معادية للسامية منذ نظام فيشي، وفقا لقانون “وضع اليهود” الصادر بفرنسا في أكتوبر/تشرين الأول 1940. يشرح المؤرخ كلود ناتاف وهو رئيس جمعية تاريخ يهود تونس (SHJT): “في هذا القانون، تنص المادة 9 على أنها قابلة للتطبيق في البلدان تحت الوصاية”. مضيفا: “لكن حتى يكون النص قابلا للتطبيق في تونس، كان يجب أن يكون ممهورا بختم الباي”.
تطبيق قانون “وضع اليهود”
في تلك الحقبة، كان أحمد باي الثاني يحكم تونس. يقول كلود ناتاف: “كان عجوزا وتوفي بعد عامين. كان أكثر همه هي نهايته وما سيترك لأبنائه من إرث. لم يكن يريد الدخول في صراع مع المقيم العام الفرنسي، خصوصا بشأن مسألة تخص اليهود”. في ضوء ذلك، دخل القانون حيز التنفيذ في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 1940 وهو يقصي اليهود من الوظيفة العمومية والوظائف التي ترتبط بالصحافة والإذاعة والمسرح والسينما. لكنه يبقى حسب المؤرخ “أكثر اعتدالا” في تونس من فرنسا، حيث إن أصول وأحفاد من مات من أجل فرنسا وأرامل الحرب مثلا يستفيدون من استثناءات. ثم صدر قانون ثان عزّز هذا الإقصاء المهني في يونيو/حزيران 1941.
وبعد أن توفي باي في يونيو/حزيران 1942، خلفه ابن عمه منصف. عبّر هذا الأخير بشكل علني عن إدانته معاداة السامية، معلنا: “اليهود، كما المسلمين، هم أبنائي”. لكنه مثل سلفه وقّع على مراسيم قضت بتدابير عنصرية، خصوصا “للقضاء على النفوذ اليهودي في الاقتصاد التونسي”.
الاحتلال الألماني
لكن الأمور ساءت، خصوصا مع الاحتلال الألماني في نوفمبر/تشرين الثاني 1942، غداة الإنزال البريطاني-الأمريكي في الجزائر والمغرب. فقد أشرف العقيد في وحدات SS وولتر راوف، مبتكر غرف الغاز المتنقلة التي استخدمت في أوروبا الشرقية، على أعمال معادية لليهود. يقول كلود ناتاف: “في البداية، كان يفكر في مذبحة لتصفية اليهود بمساعدة المسلمين لأنه لم يكن يملك العدد الكافي من الرجال، إلا أن الممثلين عن المسلمين علموا بالأمر وأخمدوا النار”.
لكن الضابط النازي قرر رغم ذلك التحرك بمفرده. ففي الثامن من ديسمبر/كانون الأول 1942، استدعى ممثلي اليهود وفرض عليهم جلب ثلاثة آلاف عامل مجهزين بالمعاول والمجارف لليوم التالي. لم يستجب سوى نحو مئة شخص لتلك الأوامر. يروي المؤرخ: “حينها أطلق راوف حملة اعتقالات جرت أمام الكنيس الكبير الذي قامت قوات SS بتدنيس حرمته. أوقفوا كل المارة. كما وقعت حملة اعتقالات ثانية قرب مدرسة الاتحاد الإسرائيلي العالمي، واحتجزت نحو مئة شخصية يهودية في السجن العسكري بتونس لجعلهم رهائن يرمون بالرصاص في حال العصيان”.
خلال الأسابيع التالية، أرسل 5000 يهودي للعمل القسري في 32 معسكرا بمختلف ربوع البلاد. تعرضوا لسوء المعاملة كما روى شارل زيتون الذي أرسل إلى معسكر العوينة قرب العاصمة تونس: “كان الألمان الذين يشرفون علينا عنيفين ويضربوننا بالسياط والعصي لتسريع وتيرة العمل. كان العمل شاقا لأن أغلب اليهود لم يمارسوا الرياضة وخصوصا لم يكونوا متعودين على العمل اليدوي”. نحو أربعين منهم قضوا في تلك المعسكرات.
كما عانى يهود تونس أيضا من الترحيل. حيث رُحل نحو أربعين شخصا من البلاد في أبريل/نيسان 1943. يوضح كلود ناتاف: “لم يكن في وسعهم نقلهم إلى معسكر أوشفيتز على متن القطار. الحل الوحيد كان إما عبر البحر، وهذا كان مستحيلا، أو عن طريق الجو. وكما قال المؤرخ سيرج كلارسفيلد، فيهود تونس هم اليهود الوحيدون في العالم الذين تم ترحيلهم على متن الطائرة”.
صمت طويل
لاحقا وبعد ستة أشهر، انتهى الاحتلال الألماني مع وصول الحلفاء في مايو/أيار 1943. ووضع ذلك حدا لتطبيق “الحل النهائي” في تونس. فبدأ يهود تونس في سرد ما عانوه، لكن سرعان ما تم تخطي تلك الحقائق في صمت. فيقول رئيس جمعية تاريخ اليهود في تونس، وهو نفسه ابن لعامل قسري سابق: “حينما اكتشفوا في 1945 ما وقع في أوروبا، اعتبروا أنهم عانوا أقل فصمتوا”.
في أيامنا هذه، لم يعد اليهود في تونس يحصون سوى ألف شخص. في كل عام، يسلط فريق من جمعية تاريخ اليهود (SHJT)، الضوء على حملة الاعتقالات في تونس عبر تنظيم مؤتمرات واحتفالات. وبمناسبة الذكرى الثمانين، ينظم تجمع في 11 ديسمبر/كانون الأول أمام النصب التذكاري للمحرقة من أجل إحياء ذكرى الضحايا. يوضح كلود ناتاف: “تضطلع جمعية (SHJT) بمهمة التعريف بما حدث. آباؤنا خجلوا ولم يتكلموا، الأبناء والأحفاد هم من استلموا الشعلة”.
ستيفاني ترويار
مصدر الخبر
للمزيد Facebook