“رغم سنوات من الوقاية، لا يزال هذا المرض محرجا”

نشرت في: 01/12/2022 – 19:59
شهد البحث العلمي والطبي في مجال مكافحة الإيدز تطورا ملحوظا خلال السنوات القليلة الماضية. فيما تحسنت أكثر حياة المصابين بهذا المرض. لكن رغم ذلك، لا تزال الإصابات بتزايد مستمر في ظل غياب لقاح جديد وفعال حسب الطبيب الأخصائي جيل بيالو، نائب رئيس الجمعية الفرنسية لمكافحة الإيدز.
يحتفل العالم بيوم مكافحة فيروس الإيدز الذي يصادف في الأول من كانون الأول/ديسمبر من كل عام، في وقت بلغ فيه عدد المصابين بهذا المرض حوالي 38 مليون شخص حول العالم.
من جهتها، حذرت الأمم المتحدة في تقرير سابق لها من مغبة ارتفاع عدد الإصابات، بعد أن تم تسجيل 1.5 مليون إصابة جديدة في 2021 ووفاة 650 ألف مريض.
ورغم تطور العلاجات واللقاحات، حيث أصبح من الممكن معالجة المصابين بواسطة استخدام الحقن، إلا أن ثمة مشكلة في انعدام تكافؤ الفرص في الحصول على الدواء، فضلا عن عدم توفر أي علاج فعال ضد الإيدز لغاية اليوم.
وفي حوار مع فرانس24، يشرح الطبيب الأخصائي جيل بيالو، نائب رئيس الجمعية الفرنسية لمكافحة الإيدز في مستشفى “تونون” الباريسي المراحل العديدة التي مرت بها العلاجات والوضع السائد اليوم عبر العالم.
فرانس24: هل يمكن أن تشرح لنا الأسباب التي حالت دون إيجاد دواء فعال ضد فيروس الإيدز رغم مرور ثلاثين عاما على اكتشاف هذا المرض ورغم التقدم التكنولوجي والطبي الذي يشهده العالم؟
تطورت العلاجات منذ اكتشاف فيروس الإيدز. فالعلاج الوقائي بات يسمح للمصابين أن يعيشوا حياتهم بشكل عادي ويمنع في الوقت نفسه انتقال العدوى إلى أشخاص آخرين حتى في حال حدوث علاقات جنسية بينهم دون استخدام الواقي الذكري. هذا العلاج يسمح أيضا للنساء الحوامل بعدم نقل المرض لأجنتهن.
أما بالنسبة للأشخاص ذوي النتيجة السلبية لفيروس الإيدز، فهناك علاج وقائي آخر يدعى “بريب” يجعلهم لا يصابون بالفيروس. لكن هذه العلاجات غير مستخدمة كثيرا. في فرنسا مثلا، هناك فقط حوالي 28 بالمئة من الرجال الذين يقيمون علاقات جنسية مع أشباههم يستخدمون هذه التقنية ويلجؤون إلى هذا النوع من العلاج رغم أنهم يمثلون 43 بالمئة من الإصابات الجديدة. أما بالنسبة للنساء اللاتي يمثلن 32 بالمئة من الإصابات بالعدوى فإن هذه النسبة انخفضت إلى 4 بالمئة. والمشكلة الكبيرة تبقى في تحقيق التوعية تجاه هذا المرض وكيفية مكافحته.
هناك أيضا مشكلة أخرى تتعلق بفحص الفيروس. من جهة، هناك عدم تكافؤ في الفرص فيما يخص الفحوصات، وإضافة لذلك فإن وباء كوفيد-19 أثر بشكل سلبي على مرض الإيدز. ففي أفريقيا مثلا، أحد أسباب تراجع الفحوصات لمعالجة الإيدز هو الإغلاق الصحي الذي فرض على السكان ونقص الإمكانيات اللوجستية وبعض الأدوية الخاصة بهذا المرض في المختبرات.
لقد قمنا بـ950 ألف فحص طبي في فرنسا في العام 2020 أي بانخفاض بلغت نسبته 13 بالمئة. أما في 2021، رفعنا وتيرة الفحوصات بـ8 بالمئة، لكننا لم نستطع العودة إلى وتيرة الفحوصات التي عرفناها في 2019. والخبر المفرح اليوم هو أن كل شخص يمكن أن يقوم بفحص طبي لمعرفة إن كان قد أصيب بالإيدز أم لا دون تقديم وصفة من الطبيب.
لقد تم إطلاق عدة تجارب سريرية مؤخرا مستخدمة تكنولوجيا “أي إير إين” التي أثبتت نجاعتها في محاربة كوفيد-19 بهدف إيجاد دواء مضاد لمرض الإيدز. فما هي حظوظ التوصل إلى هذا الدواء؟
رغم ما تسببت به جائحة كوفيد-19 من تأخير في مكافحة الإيدز، إلا أنه يجب الاعتراف بأن هذه الجائحة دفعت وشجعت المختبرات إلى الإسراع في القيام بتجارب وبحوث طبية وعلمية بهدف إيجاد الأدوية.
فمختبر موديرنا الأمريكي أطلق المرحلة الأولى من البحث لتقييم نسبة مناعة الدواء والأعراض الثانوية للعلاج والذي يعتمد على تكنلوجيا ” أي إير إين” مع الأخذ بعين الاعتبار خصوصيات الإيدز. هذا الأخير يسبب لنا مشاكل عديدة كونه يتغير كثيرا ويتحور في صفوف المصابين وأثناء انتقال العدوى ووفق المناطق.
لقد أجريت عدة تجارب سريرية للحصول على لقاح لكن صلاحيته لم تتعدى 31 بالمائة، وذلك أمر غير كاف. لو توصلنا إلى 50 أو 60 بالمئة من النجاعة، فهذا سيكون بمثابة تقدم كبير.
ومن بين ميزات تكنولوجيا “إي إير إين” هو أنها تسمح باقتصاد الوقت وتسهل الوصول إلى علاج فعال. الأخصائيون اتفقوا على وصفة دوائية تعتمد على حقنة أولى تساعد على تفعيل وتحقيق المناعة الطبية وحقنة ثانية تعمل على تقوية ودعم هذه المناعة. في فرنسا، أطلق معهد البحث في مجال التطعيم تجربة سريرة، لكن علينا ألا نصعد من حماسنا وتفاؤلنا لأن هذه التجربة لا تزال في بدايتها. أما المرحلة الثالثة التي سيتم على إثرها تأكيد فعالية التلقيح وبيعها في الأسواق، فستأخذ ما بين ثلاث إلى أربع سنوات.
عمل جبار تم القيام به أيضا لدعم وتحسين عملية العلاج. هل يمكن أن تشرح لنا المراحل العديدة التي تمر عبرها العلاجات ومدى أهمية الخطة المتبعة؟
هذا العمل هدفه الاستجابة لمطالب المصابين بالإيدز الذين يشكون من علاجات طويلة الأمد. لكن رغم التعب الناتج منها، إلا أنه يجب تناول الدواء بشكل منتظم وعدم نسيانه لمنع استعادة الفيروس لقوته من جديد.
لقد توصلنا إلى تخفيف العلاجات، إذ أصبح من الممكن اليوم تناول الدواء خلال أربعة أيام في الأسبوع فقط عوضا عن سبعة أيام. ضف إلى ذلك أنه منذ أكثر من سنة، يمكن أيضا معالجة الإيدز بفضل استخدام حقنة واحدة كل شهرين. هذا النوع من العلاج غير معروف كثيرا ولم يروج له بما فيه الكفاية. لكن يجب التأكيد هنا على أن المصاب سيحتاج دائما إلى مساعدة من قبل الممرضين..
هذا الدواء يحفظ ويصون سرية وكرامة المصاب إزاء عائلته أوفي مكان عمله، فضلا عن أنه يسمح بعدم تناول الأدوية بشكل يومي كما كان ذلك في السابق.
تطورات أخرى هي حاليا قيد الدراسة قد تسمح قريبا بتناول قرص دواء واحد كل شهر أو ثلاثة أشهر، أو إدخال زرع يقوم ببعث الدواء في جسد المريض طيلة سنة كاملة كما هو معمول به في ما يتعلق بمنع الحمل عند النساء.
هذه التطورات هدفها الوحيد تبسيط وتسهيل حياة المصابين وجعلها أقل صعوبة في ظل وضع مرضي تتخلله معاناة من العنصرية. ففي فرنسا مثلا، بعض الوظائف مثل وظيفة الشرطي أو الدركي لا تزال ممنوعة على المصابين بالإيدز.
كما يواجه المصابون عراقيل أخرى مثل صعوبة امتلاك شقة أو الحصول على موعد طبي. ورغم السنوات العديدة من التعبئة والتوعية، إلا أن موضوع الإيدز لا يزال ينظر إليه على أنه محرّم اجتماعي وموضوع خاص يصعب الحديث عنه. العديد من موظفي الصحة يفضلون عدم التطرق إليه ولا يشجعون حتى الناس على القيام بفحوصات طبية، ما قد يعقد من طبيعة هذا المرض ومن كيفية معالجته ومعرفة المصابين به.
ديفيد ريش
مصدر الخبر
للمزيد Facebook