خطّة وزارة الزراعة يعطّلها افرام: لا قمح هذا العام
كتبت “الاخبار”: يمرّ الوقت خانقاً على مزارعي القمح الذين ينتظرون الحصول على بذار من وزارة الزراعة ليبدأوا بزراعة أراضيهم خلال أسبوعين كحدّ أقصى، فيما تغرق محاولات الوزارة لتأمين البذار في المكايدات بعدما رفض رئيس مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية ميشال أفرام عقد الاتفاق بالتراضي مع منظمة «أكساد»، علماً أن فريق المصلحة هو الذي اقترح استخدام نوع القمح الذي لا يتوفر إلا لدى هذه المنظمة، مطالباً بإجراء مناقصة!
شارفت المهلة الزمنية المحبّذة لزراعة القمح، وأقصاها 15 كانون الأول المقبل، على الانتهاء، وبذار وزارة الزراعة لم يصل بعد. مئات المزارعين حضّروا أراضيهم بالفلاحة والتسميد، وتكبّدوا التكلفة الباهظة، جداً، للوقود والأسمدة واليد العاملة، وعناء جمع المستندات المطلوبة وتقديمها إلى المراكز الزراعية، وينتظرون الآن ببالغ القلق بذور الدولة، التي تأخرت عن موعدها المحدّد للتوزيع بين 7 و15 تشرين الثاني.
تبنّت الحكومة خطة الوزارة في آذار الماضي، وشرع الوزير عبّاس الحاج حسن في حملة البحث عن تمويل لشراء حوالي 400 طن من بذار القمح الطري وكلفة زراعتها. وخلال أحد الاجتماعات الحكومية، اتصل الحاج حسن بأفرام، الذي كان قد سارع إلى الإعلان عن قدرة المصلحة على تخزين كميات كبيرة من القمح، وليستفسر منه عن القدرة الاستيعابية للتخزين، فما كان من أفرام إلا التأكيد على قدرة المصلحة على تخزين حوالي 400 ألف طن من القمح. لكن المفاجأة هي اكتشاف خبراء اللجنة، المشكّلة برئاسة المدير العام لمصلحة الحبوب والشمندر السكري جريس برباري ومن عدة وزارات وجهات حكومية حقيقة كلام أفرام الدعائي، بما أن منشآت المصلحة لا تستوعب سوى بضعة آلاف الأطنان. وحين عاتب الوزير أفرام على كذبته، والإحراج الذي سبّبه له أمام زملائه وأمام رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، قرّر أفرام التوقّف عن الردّ على اتصالات الوزير ورفض الحضور إلى الوزارة والتنسيق مع إداراتها والعمل على إيجاد مصدر للبذار. وبدل ذلك انتقل إلى تحويل صفحة المصلحة على وسائل التواصل الاجتماعي إلى منبر للهجوم على الوزير والوزارة.
في هذه الأثناء، وبعد جهد، توصّل الحاج حسن مع وزارة الزراعة الفرنسية إلى عرضها تقديم بذار القمح الطري من أصناف فرنسية مجاناً. وأرسل الوزير مندوباً إلى باريس، هو الدكتور سالم درويش، المحاضر في كلية الزراعة في الجامعة اللبنانية. اجتمع سالم مع الفرنسيين وعاد بصنفين لعرضهما على مصلحة الأبحاث وأخذ الرأي العلمي. وصلت بعدها إلى الوزير اعتراضات عديدة عن مساوئ استخدام بذور أجنبية، وضرورة البحث عن بذار مجرّب في المشرق يصلح للزراعة في لبنان، فسارع الوزير عندها إلى البحث مجدّداً عن بدائل.
وافق الوزير فوراً على اقتراح الخبراء، وبدأ بمراسلة الفاو (منظمة الأغذية والزراعة في الأمم المتحدة) للمساعدة على تأمين مبلغ مليون دولار كلفة الزراعة وتأمين البذار من أكساد، وهي منظمة عربية غير ربحية تابعة لجامعة الدول العربية ومقرّها دمشق. وسريعاً، أجاب رئيس المنظمة نصر الدين العبيد على طلب الوزير اللبناني مذكرة رسمية، مؤكّداً أنه يمكن تأمين 200 طن للبنان بسعر 1250 دولاراً للطنّ، وأن المنظمة ستتحمل كلفة النقل والتحميل والتفريغ دعماً للبنان. وافقت الفاو على تأمين مبلغ نصف مليون دولار فقط (250 ألفاً للبذار، والباقي للزراعة).
لم تعجب النتيجة أفرام، الذي رفض عقد الاتفاق بالتراضي مع أكساد متذرّعاً بقانون الشراء العام، الذي يحتّم إجراء مناقصة عموميّة مع وجود استثناءات، وخلق موجة من التحريض ضد الوزير، بينما عدّاد الوقت يمرّ على موعد زراعة القمح. ومع ذلك، التزم الوزير بالقانون وطلب وقف التحويل المالي إلى أكساد بانتظار الحصول على رأي هيئة الشراء العام التي راسلها بتاريخ 17 تشرين الثاني. ردّ رئيس الهيئة جان عليّة في 24 تشرين الثاني، بضرورة إجراء مناقصة، على اعتبار أن هناك بديلاً من هذا النوع من البذار.
في اتصال مع «الأخبار»، يؤكّد عليّة أن قراره جاء بناءً على الملفّ المقدّم، وعلى إمكانية وجود بديل من الصنف «أكساد 1133». لكنه حين علم بأن الصنف تملكه مؤسسة أكساد وحدها، وأن من اقترح الصنف هو مصلحة الأبحاث الزراعية، أكّد لـ«الأخبار» أن قراره لم يغلق الباب أصلاً على إمكانية عقد اتفاق بالتراضي كون الشرط الأخير بوجود بديل من هذا الصنف، غير متوفّر، وإن لم يرضه انتظار الوزارة حتى اللحظات الأخيرة لكي تتقدّم بالملف، ما قد يضيّع فرصة شراء البذار.
الوقت يضيق، والأسبوع الحالي هو الفرصة الأخيرة للحصول على البذار وتوزيعه، لأن نثر البذار بعد منتصف كانون، يعني تعرّض البذور للسبات الشتوي، ما يمنع عملية التفريخ قبل بداية الربيع المقبل، حيث تنحسر ويصبح الإنتاج بحدوده الدنيا، هذا إن حصل الإنبات أصلاً. وعليه، فإن الحل هو إما السير في الاتفاق بالتراضي مع أكساد، أو اللجوء إلى إجراء مناقصة من جديد من قبل المصلحة على أصناف غير مجرّبة تمتلك خصائص مشابهة للصنف الذي اختارته المصلحة، ويمكن الحصول عليه من شركات خاصة، وهذا يبدو مقامرةً علمية واقتصادية غير معروفة النتيجة.
ولم يسمع أحد شيئاً عن مكتب الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد، منذ مدة طويلة، ولا سيما في ما يتعلق بالمزارعين الذين يزرعون القمح البلدي في غالبية المناطق اللبنانية، ولا تزال محاصيلهم مكدّسة من دون بيعها، علماً أن مجلس الوزراء اتّخذ قراراً يلزم وزارة الاقتصاد بشراء هذه المحاصيل وإجبار المطاحن على تسلّمها.
المدير العام للمكتب جريس برباري غائب عن السمع، ويقال إنه لا يجيب منذ فترة على هاتفه، حتى على اتصالات رؤسائه. ويدور حديثٌ في الصالونات الحكومية حول أن وزير المال يوسف الخليل لم يوافق على طلب وزارة الاقتصاد تأمين اعتماد مالي لشراء المحاصيل، وبين هذا وذاك، يتسلّل السوس الأسود من الإدارات الرسمية إلى بيوت المزارعين، ليجد أطناناً من القمح يقتاتها، بينما يقف اللبنانيون بالطوابير أمام الأفران.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook