السكر العلني، زواج القاصرات، العلاقات الجنسية الرضائية.. الحكومة المغربية أمام اختبار تعديل القانون الجنائي
نشرت في: 24/11/2022 – 18:53
في مواجهة الإكراه المرتبط بالزمن التشريعي، يسارع وزير العدل المغربي عبد اللطيف وهبي الزمن لعرض مشروع القانون الجنائي على مجلس النواب، من أجل مناقشته والمصادقة عليه. في هذا السياق، تعتزم وزارة العدل المغربية إطلاق مشاورات واسعة النطاق من أجل إدخال تعديلات على مسودة مشروع القانون المرتقب، والذي أثار جدلا واسعا حول جل مضامينه، بين تيار محافظ يرى فيه ضربا لعقيدة المغاربة وتناقضا مع روح دستور البلاد الذي يستند إلى المرجعية المحلية في تشريعاته، وآخر رحب بها معتبرا أنها تشكل استجابة لمطالب الحركة الحقوقية في المغرب ونفس حرية طال انتظارها.
يعد القانون الجنائي المغربي أحد أقدم النصوص المؤطرة لمنظومة العدالة الجنائية في المملكة، وقد صدر في 26 نونبر 1962 ودخل حيز التنفيذ في 17 يونيو 1963، ليتم تعديله على مدار السنوات استجابة لتطور بنية المجتمع. وقررت الحكومة المغربية في نوفمبر/تشرين الثاني من العام الماضي سحب مشروع جديد للقانون الجنائي من البرلمان، بعد أن ظل جامدا لسنوات بسبب غياب التوافق بين الكتل البرلمانية حول عدد من نصوصه. وبرر وزير العدل عبد اللطيف وهبي هذه الخطوة بضرورة الحصول على توافق حول مواد المشروع، من خلال إطلاق حوار واسع تشارك فيه مختلف المؤسسات والهيئات الوطنية، بغية تجاوز الخلاف حول مجموعة من المواد والنصوص القانونية التي ماتزال تثير الجدل إلى اليوم.
من بين أهم المواضيع المثيرة للجدل في مشروع القانون العلاقات الجنسية خارج إطار الزواج، والأمهات العازبات ومصير الأطفال الذين ولدوا خارج إطار الزواج، ثم زواج القاصرات.
ويتوقع وهبي أن تنجز اللجنة التي تم تشكيلها لصياغة مسودة مشروع القانون عملها نهاية أبريل 2023.
مصطفى الإبراهيمي، النائب عن حزب العدالة والتنمية المعارض ورئيس فريقه النيابي سابقا، عبر عن رفضه التام لكثير من التعديلات التي أبدى وزير العدل الحالي رغبته في تضمينها المشروع الجديد، فذكر منتقدا: “كنا دائما وسنظل ضد حماية الفساد والمفسدين”، مشيرا في هذا السياق إلى أن سحب مشروع القانون بعد طرحه للمرة الأولى في البرلمان كان بسبب مادة تجريم الإثراء غير المشروع وليس بسبب مواد مرتبطة بالحريات الفردية، الأمر الذي كان وزير الدولة السابق المكلف بحقوق الإنسان مصطفى الرميد، المنتمي لحزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، كشفه حين تحدث عن أن السبب وراء عدم تمرير التعديلات التي أعدتها وزارته عندما كان وزيرا للعدل، هو رفض ما ورد فيها من تجريم للإثراء غير المشروع، على الرغم من نفي عدد من المسؤولين هذا الأمر.
من جهته، أقر الكاتب والناشط الحقوقي أحمد عصيد، بأن وزير العدل صرح في موضوع الحريات الفردية بمواقف كثيرة وصفها بـ “الإيجابية”، لكنه تساءل في المقابل “هل هي مواقفه الشخصية أم أنها تعبر عن نية الدولة وإرادتها في التغيير؟”، يجيب عصيد موضحا “إذا كانت مجرد مواقفه الشخصية فهي لا تهمنا كثيرا لأن المطلوب اليوم أن تقتنع الدولة بأن القانون الجنائي بات متقادما ولم تعد له علاقة بالمجتمع المغربي الحالي، وأن مراجعته أضحت ضرورة ملحة، نظرا لأشكال الظلم التي أصبحت سائدة بسبب تجريم سلوكات تدخل في إطار الاختيارات الشخصية التي لا تؤذي أحدا ولا تمس بحقوق وحريات الآخرين.
Table of Contents
الأطفال المولودون خارج إطار الزواج
في مجتمع محافظ مثل المجتمع المغربي، غالبا ما يجد الأطفال المولودون خارج إطار الزواج أنفسهم متخلى عنهم أو تحت رعاية الدولة. وسعيا منه لتغيير هذا الوضع القائم، يقترح وزير العدل إلزام الوالدين البيولوجيين بتحمل مسؤوليتهما المدنية تجاه طفلهما.
في هذا السياق، يوضح وهبي أنه “إذا أثبت الحمض النووي أن علاقة خارج نطاق الزواج بين رجل وامرأة أدت إلى الحمل ثم إلى ولادة طفل، فيجب على والدي هذا الأخير رعايته حتى بلوغه 21 عاما. ويذهب الوزير أبعد من ذلك فيما يرتبط بالمسؤولية المشتركة لرعاية هؤلاء الأطفال، فيذكر أن الأب إذا كان هو المكلف بحضانة الطفل، فستكون الأم مسؤولة على المستوى المدني وستكون ملزمة بدفع تعويض للأب. ويضيف: “في المقابل، إذا كانت الأم هي صاحبة حق الحضانة، سيكون الأب ملزما بدفع هذا التعويض”.
وفق وهبي، يهدف إدراج هذا الحكم في مشروع القانون الجنائي إلى وضع حد للظاهرة الاجتماعية من خلال دفع المواطنين للتفكير في عواقب الفعل قبل الإقدام عليه، وضمان عدم تهربهم من مسؤوليتهم وحفاظا على حق المولود، خاصة مع ارتفاع أعداد الأطفال المولودين خارج إطار الزواج، إذ وصلت إلى أكثر من 3 آلاف طفل سنويا، وفق منظمة “إنصاف” الحقوقية، التي سجلت أيضا تزايدا ملحوظا في عدد حالات تخلي الأمهات العازبات عن أبنائهن، فذكرت أن العدد وصل إلى 70 طفلا يوميا خلال السنوات الأخيرة الماضية، مقابل 24 بين سنتي 2003 و2009.
تجريم السكر العلني
في بلد مثل المغرب، ينص دستوره على أن الإسلام هو دين الدولة، يحظر بيع أو تقديم أي مشروب كحولي لمواطن مسلم بموجب قانون 1967 الذي يجعل الأمر حكرا على السياح وغير المسلمين من المقيمين. ويعاقب النص المخالفين بالسجن لمدة تصل إلى ستة أشهر وغرامة مالية قدرها 140 يورو. كل هذا قد يتغير قريبا، مع إبداء وزير العدل، عبد اللطيف وهبي، عزمه على إلغاء هذا القانون الذي ينص أيضا في فصله الأول على معاقبة كل شخص وجد في حالة سكر في الأزقة أو الطرق أو المقاهي أو الكباريهات أو في أماكن أخرى عمومية أو يرتادها العموم، بالحبس لمدة تتراوح بين شهر واحد وستة أشهر وبغرامة يتراوح قدرها بين 150 و500 درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين، ويمكن أن تضاعف هاتين العقوبتان إذا تسبب الشخص الموجود بحالة سكر في ضوضاء تقلق راحة العموم.
يدافع وزير العدل عن مقترحه باعتبار الإبقاء على نص القانون المذكور نوعا من “النفاق الاجتماعي”، وذلك نظرا إلى عدد من المعطيات الواقعية المرتبطة بحجم استهلاك الفرد للمشروبات الكحولية، والمداخيل والعائدات التي تجنيها الدولة بفضل ذلك، إذ يعبر عن ذلك بالقول: “هناك عقوبات شاذة في قانون العقوبات. يقال للناس: “لا تشتروا الكحول ولكنهم ما زالوا يدفعون الضرائب”. يضيف وهبي عبر سؤال استنكاري: “هل سيتم اعتبار المغاربة في يوم من الأيام فردا مسؤولا وحرا في أن يعيشوا حياتهم الخاصة على النحو الذي يرونه مناسبا؟”.
حسب تقرير قانون المالية المغربي للعام الماضي، سجلت إيرادات الرسوم المفروضة على استهلاك المشروبات الكحولية بالمغرب، خلال سنة 2021، ارتفاعا كبيرا بشكل فاق التوقعات الرسمية المتضمنة في قانون مالية 2021.
وحسب التقرير فإن إيرادات الرسم المفروض على الخمور والكحول قد بلغت حوالي 810 ملايين درهم مقابل الـ 651 مليون درهم المتوقعة.
عصيد يرى أن مثل هذه المواد القانونية أغرقت الدولة في التناقضات، ويضيف موضحا “فهي تعتبر أن الخمر يباع للأجانب فقط بينما يستهلكه المغاربة أمام أنظار الدولة التي تعطي هي نفسها رخص بيع الخمور التي تمنعها قانونيا، وهذه من المظاهر الكاريكاتورية المضحكة. فالمطلوب اليوم إلغاء جميع المواد المجرمة للحريات وجعل القانون الجنائي حاميا للحريات وليس متحاملا عليها، ولا ندري إن كان وزير العدل سيذهب إلى المدى المطلوب أم أنه سيخضع للتوازنات التي تفرضها السلطة والتي تحافظ بها على واقع متناقض بين التقليد المتجذر والحداثة السطحية، ولم يكن أي شيء من هذا القبيل!”.
في المقابل، يعتبر لحسن السكنفل عضو المجلس العلمي الأعلى في المغرب، أن السكر العلني اعتداء على حرمة الأمن العام، وعلى الحياء العام وعلى السلم الاجتماعي، متسائلا “كيف يمكن عدم تجريم السكر العلني وإباحته؟” في هذا السياق، يدافع السكنفل عن ضرورة الإبقاء على تجريم الفعل باعتبار السكر والمشروبات الكحولية “سببا مباشرا في جرائم القتل والاغتصاب والاعتداء على الأبدان والأموال والأعراض ومن أهم أسباب حوادث السير”.
زواج القاصرات.. جدل متجدد
لم يخف وزير العدل المغربي عزمه الحد من ظاهرة زواج القاصرات في المغرب، مشيرا إلى أن وزارته واعية بأهمية التفاعل الإيجابي مع بعض القضايا المجتمعية التي تستوجب إيجاد حلول متوافق حولها، لجعل النصوص القانونية المؤطرة لها منسجمة مع مقتضيات القوانين الدولية ومنظومة حقوق الإنسان، مقرا في نفس الوقت بالآثار والانعكاسات السلبية للظاهرة.
ووفق دراسة أنجزتها مؤسسة النيابة العامة في المغرب، فقد سجلت محاكم المملكة في سنة 2020، 19 ألفا و926 طلبا للسماح بزواج قاصرات.
وتدارست لجنة العدل والتشريع في مجلس النواب في وقت سابق من العام الجاري مقترح قانون يقضي بتغيير وتتميم المادة 20 من القانون الخاص بالأسرة، والذي يسمح بتزويج الفتيات القاصرات دون سن 18 عاما. وينص مقترح التعديل على أن لقاضي الأسرة المكلف بالزواج، السلطة التقديرية في أن يأذن بزواج الفتى من الفتاة دون سن الأهلية المحدد في 18 سنة، بمقرر معلل يبين فيه المصلحة والأسباب المبررة لذلك، بعد الاستماع لأبوي القاصر أو نائبه الشرعي، مع الاستعانة وجوبا.
العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج
من بين التعديلات المرتقب إدخالها على مشروع القانون الجديد، إلغاء تجريم العلاقات الجنسية الرضائية خارج إطار الزواج، هذا الموضوع الذي أثار الكثير من الجدل في أوساط المجتمع المغربي ويؤطره الفصل 491 من القانون الجنائي الحالي، والذي يصطلح على هذا النوع من العلاقات بـ “الخيانة الزوجية” و”الفساد” وينص على عقوبة الحبس من سنة إلى سنتين في حق أحد الزوجين الذي يرتكب جريمة الخيانة الزوجية، ولا تجوز المتابعة في هذه الحالة إلا بناء على شكوى من الزوجة أو الزوج المجني عليه. غير أنه في حالة غياب أحد الزوجين خارج تراب المملكة، فإنه يمكن للنيابة العامة أن تقوم تلقائيا بمتابعة الزوج الآخر الذي يتعاطى الخيانة الزوجية بصفة ظاهرة.
ومنذ سنوات، تناضل حركة “خارجون عن القانون” من أجل تعديل الفصل الـ 490 من القانون الجنائي، الذي ينص على أن “كل علاقة جنسية بين رجل وامرأة لا تربط بينهما علاقة زوجية تُكون جريمة الفساد، ويعاقب عليها بالحبس من شهر واحد إلى سنة”.
أطلقت الحركة حملة واسعة على مواقع التواصل الاجتماعي في المغرب وعريضة جمعت آلاف التوقيعات وعملت منذ تأسيسها على إسقاط الفصل المذكور.
حسن السكنفل عبر عن رفضه التام للتطبيع مع مثل هذه الأفعال، وعكس وجهة نظر تيار واسع من المجتمع المغربي يرى في العلاقات الجنسية الرضائية مخالفة لعقيدة المغاربة وتناقضا مع توجيهات دينهم، فيصف هذه العلاقات بـ “الزنا بعينه”، موضحا “الزنا هو العلاقة الجنسية بين الرجل والمرأة خارج مؤسسة الزواج، فإن تمت برضا دون مقابل فهي الزنا، وإن تمت برضا وبمقابل فهي البغاء”. يضيف السكنفل أن الدعوة إلى إباحة العلاقات الرضائية هي تطبيع مع الفاحشة وإشاعة لها، مضيفا “حتى نعلم خطورة هذا الفعل “العلاقات الرضائية – الزنا” يكفي أن نستحضر ما جاء في عقوبة الزاني والزانية في ديننا وقرآننا”، حسب تعبيره.
خلافا لما ذهب إليه السكنفل، يرى عصيد ألا علاقة للعقيدة بموضوع الحريات، لأنها شأن شخصي باطني تابع للقناعات الفردية، بينما الحريات تتعلق بنظام العلاقات وبالسلوكات والاختيارات ذات الصلة بحرية تبني نمط حياة، وما تقوم به السلطة من جعل موضوع العقيدة نظاما عاما سلطويا الغرض منه الحفاظ على منظومة القيم التقليدية التي تمكن الدولة من ممارسة الرقابة على المجتمع وإبقائه تحت الوصاية، وهذا ينبئ وفق المتحدث “عن تخلف الدولة والمجتمع معا، والذي يقول إن إتاحة الحريات يهدد عقيدة المغاربة لا يفصل بين موضوع العقيدة وبين المؤسسات والقوانين التي لا دين لها بل ينبغي أن تكون محايدة”.
حمزة حبحوب
مصدر الخبر
للمزيد Facebook