آخر الأخبارأخبار محلية

كأنه إدمان.. ترند التاتو بين الهَوَس والنَدَم والرفض والتأييد

كتبت “نداء الوطن”: قصّتنا مع الأوشام، نحن وأسلافنا الآدميون، تعود إلى ما قبل العصر الحجري الحديث. أي إلى ما لا يقل عن 5000 سنة خلت. موروث شعبي وثقافي، إن شئت، بأبعاد مختلفة آثاره تمتدّ من جبال الأنديز مروراً بمصر القديمة والصين وصولاً إلى ألاسكا وما قبلها وبعدها. أما الاستخدامات عبر العصور، فشملت الشعوذة والتزيّن كما التفاخر والتشافي. أغلب الظن أن «الموضة» راحت تنتشر باضطراد في ديارنا خلال العقود الثلاثة الأخيرة كإحدى الصيحات المستوردة من هناك… من بلاد الغرب”.

ولفتت الاختصاصية في علم النفس، الدكتورة كارول سعادة، في حديث لـ “نداء الوطن” الى أن الوشم يرتبط ببعض المعتقدات عند الإنسان ويتحوّل إلى وسيلة لتخليد الذكريات أو مراحل معيّنة من الحياة ليخلق صاحبه في جسده ذاكرة لها. وفي حين لا يمكن ربطه بشكل مباشر بأي أمراض أو مشاكل نفسية، إلّا أن الوشم يمكن أن يرتبط بواحدة منها أو أكثر بصورة غير مباشرة. كيف؟ «في حال تَرافق الوشم مع أنماط سلوكية معيّنة في التفكير أو مع مشاكل محدّدة في الشخصية، يخلق ذلك تداعيات سلبية على حياة الشخص الاجتماعية والعائلية والعاطفية والمادية وغيرها. وهنا يصبح جزءاً من شخصية الفرد التي غالباً ما تتّصف بالحدّية»، كما تشرح سعادة. وهكذا تبدأ المشكلة بالظهور من خلال التهوّر والتقلّبات المزاجية والاكتئاب والسوداوية فتتحوّل أشكال الوشم إلى رمز لتلك السوداوية.


في بعض الأحيان، يصبح الوشم إدماناً أشبه بـ»فشة خلق» لصاحبه كلّما انتابه غضب أو شعور ما بعدم الارتياح. كما يمكن أن يمسي مصدر لذة بوصفه وسيلة لـ»تجريح» الجسد أو تعذيبه. «هنا نتكلم عن مشاكل على مستوى الشخصية يمكن أن تشكّل دلالة على حالة مرضية»، تضيف سعادة، «من دون أن ننسى أن الوشم قد يصبح من منظار صاحبه غطاء يخفي من خلاله تراجع ثقته بنفسه ليوحي للمجتمع بعكس ذلك».

نسأل عن الانتشار السريع لظاهرة التاتو، فتعزو سعادة الأسباب إلى ازدياد منسوب الحرية الشخصية والتعبير عن الذات، إضافة إلى تقبّل المجتمع لها أكثر فأكثر ما سمح للفرد بإظهارها بوضوح. التحرّر على عدة مستويات، مرده الى تأثير الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي والرغبة في تقليد المشاهير من نجوم الرياضة وممثّلين وفنانين، عوامل ساهمت مجتمعة في ترسيخ ذلك «الترِند» في صفوف المراهقين وطلاب الجامعات.

نور ابنة الـ23 عاماً، تخبرنا عن الأوشام المنتشرة بسخاء فوق أنحاء جسدها: «أذكر جيّداً كيف تعرّضت للضرب من أختي حين قمت برسم أول وشم على عنقي بعمر الثالثة عشرة. كانت فكرة جديدة و»صار وشم يجرّ وشماً» كأنه إدمان، وها أنا اليوم أتمتّع بأكثر من مئة وشم على جسدي». نسألها من أين جاءت بالفكرة أصلاً فتجيب أنها اعتادت منذ سن التاسعة على شطب يدها كلما شعرت بالضيق، فراحت لاحقاً تستعيض عن شطب نفسها بدقّ الأوشام كونها تمنحها شعوراً مماثلاً… التلذّذ بألم الإبرة.

 

 

أما إياد، الشاب الملقّب بـEDD، سبق وزرع 44 وشماً على جسده كان أوّلها كلمة «ثورة» مع قلب، لكنه سرعان ما قام بتغطيته لما سبّبه من مشاكل مع الجهات الأمنية. بدأت الفكرة تراوده منذ عمر الحادية عشرة ليواجَه برفض حادّ من أهله: «واحد متلي مفروض يكون شَكلو أرتب بِنَظَرن. أنا ابن مهندس ومن عيلة مثقّفة سياسياً»، على حد قوله. لكن رغم ذلك، EDD أدمن اللعبة حيث يعترف اليوم أن لا شيء يريحه أكثر من الشعور بوخز تلك الإبرة.

الجسد هيكل الله

نذهب إلى مرجع ديني مسيحي لنستفسر عن موقف الكنيسة حيال الموضوع فنسمع منه ما يلي: «ليس في الكتاب المقدّس ما يشير فعلياً إلى الأوشام إلّا أننا نجد في سفر اللاويين في العهد القديم الآية التالية: ولا تجرحوا أجسادكم لميت، وكتابة وسم لا تجعلوا فيكم: أنا الرب (لا 28:19)». أما خلفية «النهي» في الآية المذكورة فتعود إلى أن الناس كانوا يجرحون قديماً أجسادهم حزناً على فقدان شخص قريب، في حين كان ثمة أشخاص يقومون برسم الأوشام على الأجساد تصويراً لآلهة الأصنام التي يعبدون. صحيح أن العهد الجديد لم يتطرق إلى الأمر، لكن يجب ألا ننسى أن أجسادنا هي هيكل الله وليست ملكنا، كما يضيف المرجع.

وفي الدين الاسلامي الوشم محرّم، وهو كبيرة من الكبائر لأن الرسول لعن الواشم والمستوشم، يقول لنا أحد مشايخ أهل السنّة. فالوشم محرّم على الرجال والنساء في أي مكان من الجسد ولا يجوز لمؤمن أو مؤمنة تعاطي ذلك. وأضاف: «الله أبدع فينا هذا الجسد من أجل أن يبقى جماله فيه… ويجب المحافظة عليه لأن الإنسان لا يعلم ما هي حاجة هذا الجسد بالتحديد». لكنه أردف أن الوشم حلال في حالتين: إذا أتى علاجاً لأحد الأمراض أو أمكنت إزالته بسهولة، مثل الحنّة، بعيداً عن وخز الإبر وظهور الدم.

رأي ديني ثالث زوّدنا به باحث متخصّص بالتنظيم الديني لدى طائفة الموحّدين الدروز. بحسب الباحث، يمكن فهم موقف الدروز الديني من الوشم في كتابات مرجعيّاتهم الروحيّة من خلال مرتكزين رئيسيّين: الأول، اعتبار أن الله وهب الإنسان الجسد آلة شريفة لخدمة روحه العاقلة، وحرّم عليه كل ما يضرّ بصحته ويشوّه جماله، ومنها الوشم. أما الثاني، اعتبار ترك الزينة بأنواعها كافة إحدى الفرائض الدينية التي يجب التقيّد بها صيانة لطبيعة الإنسان العاقلة وذلك بالاستناد إلى «وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ (الرعد: 13). فالزينة، برأيهم، تحيله عن رعاية جوهره الباقي، أي روحه العاقلة، وتوجّه اهتمامه وسعيه لتجميل مظهره، أي جسده الفاني. لذلك، يُعتبر الوشم عندهم محرّماً دينياً. مع ذلك، «لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ» (البقرة: 256)، غير أنه يُحسن بالإنسان العاقل رعاية روحه وجسده وصيانتهما من كل ما يفسدهما.

إحذروا الأمراض

الحبر والمواد المستخدمة في صناعة الأوشام كما إبر الوخز، كما تشير مصادر طبّية متعدّدة، قد تؤدّي إلى إصابة صاحب الوشم بالتهاب الكبد الفيروسي أو فيروس نقص المناعة المكتسبة في حال عدم تنظيف المعدات المستخدمة جيّداً. وهو ما يفسّر منع صاحب الوشم من التبرّع بالدم خشية نقله الفيروسات أو البكتيريا في حالات مماثلة. هذا ناهيك عن مخاوف من تسبّب الألوان المستعملة في صناعة الحبر بالأمراض السرطانية، وخاصة الجلدية منها. ويعود ذلك إلى احتواء الألوان على مركّبات «آزو» التي تتحلل تحت أشعّة الشمس إلى مواد كيميائية مسرطنة.

قبل أشهر، أصدر الاتحاد الأوروبي قانوناً يمنع اعتماد الكثير من المواد الداخلة في تركيبة الألوان المستخدمة في الأوشام – وعددها 4000 مكوّن كيميائي – ما أثار زوبعة من الاعتراضات. أما في اليابان، مثلاً، فالتاتو ما زال ممنوعاً قانوناً ويعرّض أصحابه لمضايقات بالجملة. بالطبع، الحرية الفردية ليست – ولا يجب أن تكون – موضع نقاش طالما هي لا تتجاوز حدود حرية الآخرين. والجدل مستمرّ على قدم وساق في أوروبا واليابان، ليس إلّا. فهل من يتوقّع أن يُحسم عندنا في أي وقت قريب


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى