آخر الأخبارأخبار محلية

الصندوق السيادي…. وفيديرالية النفط والغاز

بعد ترسيم الحدود البحرية الجنوبية تبرز أهمية إنشاء صندوق سيادي لإدارة عائدات النفط والغاز، نظراً إلى أهمية الصناديق السيادية للاستثمار في الاقتصاد. عدد كبير من الدول لجأ إلى صناديق الاستثمار بهدف تحصين الاقتصاد من التقلبات في أسواق الطاقة.

يوم الاربعاء، وفي محاولة لـ”تطمين اللبنانيين” بالنسبة للعائدات النفطية، شكّلت لجنة المال والموازنة لجنة فرعية للصندوق السيادي، وستضم ممثلين عن الكتل التيابية، وستجتمع الاربعاء المقبل، وستتم دعوة خبراء مختصين اليها ووزراء المالية والطاقة والاقتصاد، لإعداد دراسة مقارنة مع عدد من الدول التي اعتمدت صيغة الصندوق السيادي للتعّلم من خبرتهم وخلاصة تجربتهم، علما أن اللجنة بحثت ثلاثة اقتراحات قوانين لتنظيم هذا الصندوق مقدمة من النواب سيزار أبي خليل وتيمور جنبلاط وعلي حسن خليل، وهذا يعني أن الصراع سيكون على أشده حيال إدارة الصندوق وخضوعه لأي سلطة وسط حسابات سياسية وطائفية لا تغيب عن من سيدير الواردات النفطية.

الصندوق السيادي هو صندوق تقوم السلطات الرسمية في الدولة بتأسيسه، وهو شبيه بالمحفظة المالية ولكنه يقوم على عائدات حكومية من أصول معينة تملكها الدولة أو من موارد طبيعية أو فوائض مالية مثل فوائض الميزان التجاري، حيث تُستخدم هذه العائدات قي استثمارات خارجية معينة من أجل الحفاظ على هذه العائدات وتنميتها والحصول على مكاسب مالية من خلالها. فهو إذاً مثل أي شركة أو مؤسسة خاصة هدفه الاستثمار والربح، يعمل ضمن شروط معينة وبنظم إدارية شبيهة بتلك في القطاع الخاص بعيداً عن بيروقراطيات القطاع العام.

ونظراً لأهمية هذه الصناديق لأنها تدير ثروات ورساميل وأصول ملك للدولة وتالياً للشعب، فإن ممثلي الشعب في المجلس النيابي، بحسب مدير مركز إشراق للدراسات د.أيمن عمر لـ”لبنان24″، هم المسؤولون عن تأسيس الصندوق ووضع أنظمته الداخلية والإدارية. لكن، من ضمن الإشكاليات التي سيخضع لها تأسيس الصندوق في لبنان هي: هل سيتشكل الصندوق قانوناً ضمن مؤسسة عامة ذات طابع خاص أم يُعتبر حساباً بنكياً فقط يخضع لسلطة مصرف لبنان؟ فإذا كان حسابياً بنكياً قد نقع هنا أيضاً في إشكالية سلطة حاكم مصرف لبنان وتحكمه فيه، والتجربة خلال الأزمة غير مشجعة في تحكم الحاكم- أيّاً كان هذا الحاكم- في أي موضوع كان يخضع لسيطرته بما يمتلك من صلاحيات وفق قانون النقد والتسليف. والِإشكالية الثانية: في حال كان مؤسسة عامة تحت سلطة ووصاية من سيخضع هذا الصندوق؟ سيخضع لسلطة وزارة المال أو وزارة الطاقة أو غيرهما؟ فتصبح الوزارة المسؤولة هي أهم واحدة في أي حكومة وبالتالي ستزداد تعقيدات تشكيل أي حكومة عند الاتفاق حول توزيع الوزارة وتطول أكثر وأكثر عملية تأليف الحكومة، وبدل أن يكون صندوقًا سياديًا وطنيًا جامعًا يدير ثروة وطنية نصبح أمام صندوق مذهبي محط للتنازع والتحاصص. ومن أهم العقبات هي من سيكون المدير العام للصندوق؟ من الموارنة أو الشيعة أو السنّة أو الروم أو أو…. على الطريقة اللبنانية.

ومهما كان شكل وهيكلية الصندوق السيادي إلا أنه في النهاية، كما يقول عمر ، كيان مملوك وتابع للدولة وإن اتخذ صفة الاستقلالية قانونًا مثل العديد من الهيئات والمؤسسات العامة المستقلة. فأهداف الصندوق هي الحفاظ على إيرادات الدولة من مصادر محددة من الهدر والإنفاق غير الإنتاجي وبالتالي غياب الاستفادة من هذه الموارد المالية، وذلك عبر تنيمة هذه الإيرادات والتي تشكل رأسمال الصندوق، من أجل تحقيق أرباح مالية لتمويل مالية الدولة والتوسع في مشاريعها العامة والاستثمارية لزيادة الناتج المحلي للدولة وتوفير فرص عمل وتخفيض معدلات البطالة وتوفير عملات أجنبية في القطاع المصرفي مما تسهم في زيادة العرض منها وتحقيق الاستقرار النقدي ولجم التضخم المالي. وبالتالي يقول عمر : يجب أن يدير الصندوق مجموعة من الخبراء والاختصاصيين في المجالات كافة وخاصة الاقتصادية والمالية، وذلك للبحث عن الفرص الاستثمارية القليلة المخاطر والمرتفعة العائد. فالصناديق في مثل هذه الحالات تستثمر أموالها في شراء الأسهم، وفي السندات الصادرة عن الحكومات والشركات، وفي الاستثمارات العقارية والتكنولوجية وغيرها من الاستثمارات.

نظريًا، إن فكرة إنشاء صندوق سيادي للثروة النفطية والغازية المأمولة في لبنان فكرة جيدة اقتداء بالصناديق السيادية ودورها الفاعل في الاقتصاد والمالية العامة في دول عديدة مثل النروج وقطر والكويت، يؤكد مدير مركز إشراق للدراسات. فقد بلغ إجمالي حجم أصول صناديق الثروة السيادية في العالم نحو 10.21 تريليون دولار مقارنة بـ9.99 تريليون دولار في نيسان 2022.

النروج بسبب الدور المهم لصندوقها السيادي تأتي في المرتبة 27 في الاقتصاديات العالمية، والصندوق السيادي النرويجي يأتي في المرتبة الأولى لأهم 10 صناديق سيادية في العالم إذ يدير أصولاً بنحو 1.34 تريليون دولار، ويمتلك حصصا في أكثر من 9300 شركة حول العالم بنسبة 1.4% من الشركات المدرجة في انحاء العالم، وقد حقق عائدات على الاستثمار 177 مليار دولار خلال 2021 من خلال دعم استثمارات أسهم التكنولوجيا، وهو يستثمر موارده المالية في العقارات والبنى التحتية للطاقة المتجددة والتكنولوجيا.

الصندوق السيادي في الكويت يعتبر أول صندوق ثروة سيادي في العالم، تم وضعه لاحقاً تحت رعاية هيئة الاستثمار الكويتية التي تدير اليوم ما يقدر بأكثر من 700 مليار دولار. أما الصندوق السيادي القطري فقد ارتقى إلى المرتبة التاسعة عالمياً، بارتفع إجمالي أصول الصندوق بنهاية أيلول الماضي إلى 461 مليار دولار بزيادة قدرها 11 مليار دولار حزيران 2022، بحيث تتوزع استثمارات الصندوق في أكثر من 60 بلداً حول العالم، وتتنوع في قطاعات مختلفة، أبرزها متاجر هارودز الشهيرة في بريطانيا، وشركة فولكسفاغن للسيارات الألمانية، وشركة النفط الروسية “روسنفط”، والبنك الزراعي الصيني، ونادي باريس سان جيرمان الفرنسي.

ومع ذلك، فإن أهم الثغرات في هذه الصناديق وخاصة في الدول النامية هي اولا في غياب الشفافية. يقول عمر. إذ قد تفشل في وضع المعايير المناسبة التي من شأنها إتاحة المعلومات الكافية للسلطات وخاصة الرقابية وحتى للشعب في فهم مصادر ثروة البلاد، وسبل وطرق إنفاقها، وهذا الأمر نادر حصوله في لبنان نهائيًا. اما الثغرة الثانية في حال تسليم إدارة الصندوق إلى شركة أجنبية، وهنا تصبح قضية السيادة على الثروة الوطنية على المحك، والقدرة على التأثير في السياسات الداخلية. وثالثا الهدف من هذه الصناديق، والإشكالية هنا هي: هل سيتم توظيف عائدات هذا الصندوق في استثمارات خارجية على طريقة الصندوق النرويجي وحفظ حقوق الأجيال القادمة في هذه الثروة الوطنية؟ أم سيخصص فقط لتسديد الخسائر المالية الناجمة عن الأزمة الحالية وتخصيص عوائده لأهداف محددة؟ وأخيرًا عدم الالتزام بمبادئ سانتياغو التي وُضعت في العام 2008 لصناديق الثروة السيادية، وهي معايير تحدد الإطار القانوني، الأهداف، التنسيق مع السياسات الاقتصادية الكلية، الإطار المؤسسي والهيكل الإداري، وإطار إدارة الاستثمار والمخاطر الخاص بصناديق الثروة السيادية.

وبالتالي، إن إنشاء الصناديق والمؤسسات العامة ذات الاهداف المحددة فكرة غير مشجعة وغير ناجحة نهائيًا في لبنان، يؤكد مدير مركز إشراق للدراسات، لأنها مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالفساد وسرقة المال العام والتحاصص الطائفي والمذهبي ومثالها الفاقع صندوق المهجرين وغيره من المؤسسات العامة، لذلك إن تأسيس صندوق الثروة السيادي الخاص بالغاز والنفط قد يندرج ضمن هذا الإطار. ففي ظل إعادة إنتاج الطبقة الحاكمة لنفسها وتجديد روحها وخاصة مع انتصار اتفاقية الترسيم، وطالما أن عقلية معامل الكهرباء: معمل سلعاتا المسيحي مقابل معمل دير عمار السنّي ومعمل الزهراني الشيعي، سنصبح أيضًا أمام صندوق سيادي سنّي يدير الثروة في بلوكات المناطق السنّية، صندوق آخر مسيحي يدير بلوكات المناطق المسيحية، وصندوق شيعي للمناطق الشيعية، فنصبح أمام فيديراليةالنفط والغاز ويضيع المعنى الاقتصادي والمالي لهذه الثروة الوطنية.

يبقى الاكيد، بحسب الدكتور عمر، أن نجاح صندوق الثروة يرتبط ارتباطا وثيقا في بنية النظام اللبناني السياسي ونموذجه الاقتصادي، والقدرة على تطويره وتغيير مرتكزاته القائمة على قاعدة 6 و6 مكرر، وهذا مسار طويل غير متوفرة إمكانيات تطبيقه حاليًا. بالإضافة إلى أنه يتطلب تغييرا حقيقيا في الوعي السياسي والاقتصادي عند المواطنين والخروج من عباءة الولاءات الطائفية والانتماءات المذهبية، وعندها ستنعكس هذه العقلية في صناديق الاقتراع وبالتالي تتشكل سلطات جديدة قائمة على الوعي الشعبي وتخضع للمحاسبة والمساءلة وضًمنا يخضع هذا الصندوق للمساءلة وتتحقق فيه الشفافية والحوكمة الرشيدة، وبذلك يستطيع القيام بأهدافه التي أُنشئ لأجلها. وعندما يصبح لبنان مثل النروج في تطبيق دولة القانون والحوكمة وتغليب المصلحة الوطنية على المصالح الخاصة والمذهبية والفئوية، عندها حدثونا عن صندوق سيادي للثروة مثل النروج.

وتجدر الاشارة إلى أكبر 5 صناديق للثروة السيادية على مستوى العالم من حيث حجم الأصول حتى أغسطس آب عام 2020 وهي

.1 صندوق التقاعد الحكومي النرويجي.. حجم أصوله: 1.3 تريليون دولار.

.2 مؤسسة الاستثمار الصينية .. حجم أصولها: 1.22 تريليون دولار.

.3 جهاز أبوظبي للاستثمار .. حجم أصوله: 708.75 مليار دولار.

.4 هيئة الاستثمار الكويتية (KIA) .. حجم أصولها: 708.42 مليار دولار.

.5 “جي آي سي” (صندوق سيادي سنغافوري) .. حجم أصوله: 690 مليار دولار.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى