هل التوتر بين فرنسا وإيطاليا على خلفية سفينة “أوشن فايكينغ” مؤشر على فشل سياسة الهجرة الأوروبية؟
نشرت في: 12/11/2022 – 17:21
تشهد العلاقات بين فرنسا وإيطاليا توترا حادا وسط تبادل للاتهامات والانتقادات والتهديدات بين مسؤولين من البلدين بسبب أزمة المهاجرين الذين كانوا عالقين على متن سفينة الإنقاذ “أوشن فايكينغ” قبل استقبالهم على الأراضي الفرنسية. واعتبر مراقبون بأن هذا التصعيد بين باريس وروما هو مؤشر على فشل سياسة الهجرة الأوروبية، محذرين من تداعيات ذلك على موقف التكتل الموحّد والمشترك تجاه القضايا الكبرى.
أشعلت قضية سفينة إنقاذ المهاجرين “أوشن فايكينغ” توترا حادا بين فرنسا وإيطاليا هو ليس بالجديد على خلفية الهجرة غير الشرعية، بعد أن تبادل مسؤولون من البلدين الانتقادات حول سياسة كل طرف تجاه هذه القضية المستعصية.
فقد دانت رئيسة الحكومة الإيطالية جورجيا ميلوني الجمعة رد الفعل الفرنسي على موقفها من استقبال السفينة، معتبرة أنه “عدائي وغير مفهوم وغير مبرر”، بعد إعلان باريس عن إجراءات انتقامية ضد روما لرفضها السماح برسو “أوشن فايكينغ”. وقالت ميلوني: “تأثرت بشدة برد فعل الحكومة الفرنسية العدائي وغير المفهوم وغير المبرر”.
وقبلها استنكر وزير الداخلية الإيطالي ماتيو بيانتيدوسي الخميس القرار الفرنسي باتخاذ إجراءات انتقامية بحق روما واعتبره “غير مفهوم تماما”. وقال في بيان إن “رد فعل فرنسا على طلب استقبال 234 مهاجرا، بينما استقبلت إيطاليا 90 ألفا هذا العام، غير مفهوم على الإطلاق”.
- فرنسا: “ستكون هناك عواقب وخيمة”
واستقبلت فرنسا الجمعة بشكل “استثنائي” 230 مهاجرا كانوا على متن السفينة في ميناء تولون جنوب البلاد، بعد مواجهة دبلوماسية مع إيطاليا.
فقد دان وزير الداخلية الفرنسي جيرار دارمانان “الخيار غير المقبول” والمخالف لـ”القانون الدولي”، لإيطاليا التي رفضت بقيادة حكومة جديدة يمينية متطرفة استقبال السفينة. ورأى دارمانان أن القرار الفرنسي “واجب إنساني”، وعبّر عن غضب بلاده قائلا “يجب أن نتمكن من الآن فصاعدا من تنظيم الأمور بشكل مختلف كي لا تتمكن إيطاليا من الاستفادة من التضامن الأوروبي وتتصرف بأنانية عندما يصل لاجئون وخصوصا أطفال” إلى موانئها.
وفي ضوء هذه الأزمة، قررت فرنسا التعليق “الفوري” لمشروع استقبال 3500 لاجئ متواجدين في إيطاليا. وأكد دارمانان أنه “ستكون هناك عواقب وخيمة” جراء الموقف الإيطالي على “علاقاتنا الثنائية”.
وكانت المفوضية الأوروبية قد دعت الأربعاء إلى “الإنزال الفوري في الميناء الآمن” الأقرب للمهاجرين الذين كانوا على متن “أوشن فايكينغ”، آخر سفينة إنسانية من بين أربع كانت عالقة في البحر المتوسط.
- بروكسل دعت إلى “استجابة مشتركة”
وقالت المفوضية في بيان إن “الواجب القانوني بإنقاذ الأرواح في البحر واضح ولا لبس فيه، مهما كانت الظروف التي قادت الأشخاص إلى المحنة”، داعية “الدول الأعضاء” إلى العمل سويا لإيجاد “استجابة مشتركة”.
لكن التوتر بين فرنسا وإيطاليا على خلفية الهجرة غير الشرعية ليس وليد اللحظة، فقد أشعل هذا الملف فتيل الأزمة بينهما لأكثر من مرة. على سبيل المثال، استدعت الخارجية الفرنسية في 21 يناير/كانون الثاني 2019 السفيرة الإيطالية تيريزا كاستالدو احتجاجا على تصريحات لنائب رئيس الحكومة الإيطالي لويجي دي مايو، اتهم فيها فرنسا بـ”إفقار أفريقيا” وتصعيد أزمة المهاجرين.
وأعرب دي مايو وقتها عن الأمل في أن يفرض الاتحاد الأوروبي “عقوبات” ضد الدول بدءا بفرنسا التي تقف حسب قوله وراء مأساة المهاجرين في البحر المتوسط من خلال “تهجيرهم” من أفريقيا.
لكن يلحظ أن العلاقات بين روما وباريس متوترة جدا خصوصا بعد وصول اليمين المتطرف إلى الحكم في إيطاليا في يونيو/حزيران 2018. رغم ذلك فقد شكل البلدان قوة مختلطة على حدودهما لمكافحة مهربي المهاجرين، خصوصا عند المعبر الحدودي المشترك في منطقة فينتيميليا على الجانب الإيطالي إلى منطقة مونتون على الجانب الفرنسي. كما توجد دوريات مشتركة بين شرطة الحدود في الجانبين.
فلماذا تتجدد الأزمة بين فرنسا وإيطاليا دائما على خلفية الهجرة؟ ما عواقب التوتر الحالي بين البلدين؟ وهل فشلت سياسة الهجرة الأوروبية في مواجهة الهجرة غير الشرعية بشكل موحّد؟ سمير القريوتي مراسل فرانس24 في إيطاليا ونصيرة بن علي صحافية مختصة في الشأن الإيطالي يجيبان على هذه الأسئلة.
- لماذا تتجدد الأزمة بين فرنسا وإيطاليا دائما على خلفية الهجرة؟
يرى سمير القريوتي بأن “الأزمة بين فرنسا وإيطاليا تتجدد لأن الحكومة الإيطالية الحالية ضمّت في أطرها وزراء سابقين عُرفوا بهذا الموقف المعادي لفرنسا وللرئيس ماكرون بشكل خاص”. وأضاف: “أقصد بذلك وزراء رابطة الشمال الممثلين بماتيو سالفيني لأن وزير الداخلية الإيطالي الحالي كان مديرا لمكتب سالفيني في رئاسة الوزراء عندما كان متحالفا مع حركة خمس نجوم عام 2019. السبب الثاني هو أن اليمين في قضية الهجرة والمهاجرين استطاع أن يكسب العديد من الأصوات خلال الانتخابات، كما حققته السيدة جورجيا مليوني التي لم تتطرق كثيرا إلى موضوع الهجرة، إنما تمسكت بالهوية القومية وبالدفاع عن مصالح إيطاليا، فاستطاعت أن تسيطر على الموقف الآن فيما أصبح سالفيني صامتا ويترك لها المجال لكي تقرر هذا الموقف المتشدد تجاه فرنسا”.
من جانبها، قالت نصيرة بن علي “ليست المرة الأولى التي تتوتر العلاقات بين الجارين بسبب الهجرة وملفات أخرى. فيما يخص الهجرة، فإن للبلدين حدود ممتدة (يبلغ طولها 515 كم)، كما أن فرنسا تعتبر أن إيطاليا تستعمل الحيلة حيث إنها تتلقى أموالا كبيرة من الاتحاد الأوروبي لمكافحة الهجرة غير الشرعية ثم بعد ذلك تتخذ أعذارا للتملص من المهمة الرسمية التي أوكلت لها. في المقابل تعتبر الحكومة الإيطالية بأن فرنسا لا تقوم بدورها كاملا لأنها لا تأخذ جزءا من وفود المهاجرين القادمين إلى إيطاليا وتترك كل المشكلة على عاتق السلطات الإيطالية”.
- ما عواقب التوتر الحالي بين البلدين؟
قال سمير القريوتي إن “العلاقات بين فرنسا وإيطاليا سوف تشهد شيئا من التصعيد لكنها ستعود بعد ذلك لوضعها الطبيعي، خصوصا بعد القمة المقبلة المقترحة والاجتماع الخاص الذي دعا إليه الاتحاد الأوروبي الجمعة بهدف التوفيق بين الطرفين وإيجاد حل مشترك، رغم أن هذا الحل صعب الآن ولكن سيكون هناك قرار بخفض التصعيد والتراجع عن بعض المواقف المتشددة بما فيه مصلحة العلاقات بين البلدين والعلاقات البينية بين دول الاتحاد، لأنها غير قادرة على مواجهة أزمة اقتصادية مستعصية في ظل خلافات على موضوع المهاجرين الذي يستخدمه الجميع كوسيلة ضمن سياق السياسة الداخلية لإقناع الرأي العام”.
بدورها، أوضحت نصيرة بن علي: “لا أعتقد في وجود عواقب وخيمة أو سيئة جراء هذا التوتر في العلاقات بين البلدين، التي يشوبها أحيانا بعض الأزمات التي يتم تفاديها وتجاوزها بسبب الشراكة والعلاقات الوطيدة التي لا يمكن للجانبين الاستغناء عنها. في الواقع، سيتم تجاوز هذه الأزمة، وأما بالنسبة للتصريحات المتبادلة فهي مجرد خطابات سياسية. فمثلا، ميلوني لا تريد أن تظهر الآن كأنها خدعت من صوّت لها وهي التي وعدت بأنها ستوقف الهجرة غير الشرعية. كذلك بالنسبة للموقف الفرنسي الذي يشدد الخطاب تجاه جاره الإيطالي كي لا يصبح مثال أوشن فايكينغ عذرا تتخذه إيطاليا كل مرة لإرسال المهاجرين من أراضيها إلى فرنسا”.
- هل فشلت سياسة الهجرة الأوروبية في مواجهة الهجرة غير الشرعية بشكل موحّد؟
بالنسبة إلى سمير القريوتي مراسل فرانس24 في روما، فقد “فشلت سياسة الهجرة الأوروبية لأن الموضوع لا يزال يعالج أمنيا وليس سياسيا”. وتابع قائلا: “هناك حاجة إلى سياسات واضحة لتأطير هذه القضية سعيا وراء حلها، ولكن بالتزام جميع الأطراف وكل الجهات المرتبطة بملفات المهاجرين وقضايا الهجرة الاقتصادية وطلب اللجوء والقضايا المعقدة الأخرى مثل قضية الاقتصاد، بمواجهتها في إطار سياسي وليس في إطار أو تحليل أو مقاربات أمنية”.
وقالت نصيرة بن علي الصحافية المختصة في الشأن الإيطالي، “بالتأكيد السياسة الأوروبية لمكافحة ومعالجة الهجرة غير الشرعية هي فاشلة إلى حد كبير، وهذا لعدة أسباب. أولا، عدم تمكنها من تحديد عدد الوافدين سواء على الشواطئ الإسبانية أو الإيطالية أو الأراضي الفرنسية والألمانية وغيرهما. ثانيا، فإن هذه الدول لم تنجح في اتباع سياسة واضحة ومستدامة فيما يخص معالجة هذه المشكلة لأن كل دولة تقف موقفا أحاديا تجاه هذا الملف ولا يبدو أن هناك موقف موحد حوله. كما أن إيطاليا تغيّر من موقفها وسياستها بتغير كل حكومة، مثل حكومة اليمين المتطرف حاليا التي بدأت تعالج هذه المشكلة بصفة حزبية وخطابية موجهة لمنتخبي جورجيا ميلوني وماتيو سالفيني. هذا الحل ليس واقعي وليس مستدام لأن المشكلة ستتكرر مستقبلا ويجب على الحكومة الإيطالية معالجتها بشكل أكثر جدية وأكثر إقناعا أولا لشركائها الأوروبيين وثانيا للمجتمع الإيطالي الذي بدأ يشمئز من موقف جورجيا ميلوني، التي يحملها مسؤولية موت مهاجرين اثنين على الأقل، لأنها عطّلت وصولهم إلى الأراضي الإيطالية ومنعتهم من الدخول، حيث توفيت سيدة كانت على متن السفينة وأيضا رضيع بسبب التأخر عن مد يد المساعدة لهم أو إسعافهم. ثم إن المجتمع الإيطالي ليس كله وراء ميلوني والمعارضة تتهمها بأنها تتخذ حلولا سياسية ديماغوجية محضة حيال مشاكل جدية كمشكلة الهجرة غير الشرعية”.
أمين زرواطي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook