كيف يتم استخدام “الأعيرة غير القاتلة” للفتك بالمتظاهرين؟

نشرت في: 09/11/2022 – 12:28آخر تحديث: 09/11/2022 – 12:29
“إذا ما أطلقنا هذه المقذوفات عن قرب، يمكن أن نقتلهم”… هذه رسالة واضحة جاءت من أحد عناصر القوات شبه العسكرية في إيران “الباسيج” الذي وافق على إجراء حوار مع فريق تحرير مراقبون – فرانس24. ولا تتردد الوحدة التي يعمل بها هذا العنصر في إطلاق خراطيش بنادق الرش على المتظاهرين الذين يحتجون ضد النظام منذ أيلول/ سبتمبر الماضي. ولا تعدّ هذه المقذوفات، في حال استخدامها من مسافة بعيدة، من الأسلحة القاتلة ولكنها تتسبب في مقتل 10 متظاهرين على الأقل.
لاقى ما لا يقل عن 227 إيرانيا مصرعهم خلال التحركات الاحتجاجية التي تهز البلاد منذ 16 أيلول/ سبتمبر الماضي إثر وفاة الشابة مسها أميني بعدما احتجزتها شرطة الأخلاق.
وخلال المجزرة الأكثر دموية – التي قتل فيها 66 شخصا في مدينة زاهدن، أطلقت الشرطة الرصاص الحي على المتظاهرين. ولكن في أماكن أخرى، قتل متظاهرون آخرون أو أصيبوا بأعيرة “أسلحة غير قاتلة” خصوصا خراطيش بنادق الرش.
وتوثق عشرات الصور والفيديوهات التي تم نشرها على وسائل التواصل الاجتماعي وتم تأكيدها تحديدا من منظمة العفو الدولية، استخدام بنادق المياه من قبل قوات الأمن الإيرانية ومن بينهم رجال شرطة وقوات “الباسيج” شبه العسكرية بالإضافة إلى قوات مكافحة الشغب.
وتمكن فريق تحرير مراقبون من جمع والتحقق من 100 فيديو أرسلها مراقبونا من كافة أرجاء إيران. وتظهر التسجيلات استخدام رجال الشرطة لذخائر “غير قاتلة”. ويؤكد مصدر لمراقبون وهو عنصر في قوات “الباسيج” أن الوحدة التي يعمل معها مجهزة ومدربة على استخدام هذه الذخائر وتملك أيضا أسلحة قتالية من طراز كلاشينكوف. وحسب نفس المصدر، فإن الأمر يمكن أن ينتهي بقوات الأمن إلى تلقي أوامر باستخدام هذه الأسلحة ضد المتظاهرين، على غرار ما حدث خلال احتجاجات سنة 2019 عندما قتل ما لا يقل عن 1500 متظاهر في مدة أسبوعين.
Table of Contents
“يستهدفون المتظاهرين في الصدر أو الرأس بهدف قتلهم”
مصطفى (اسم مستعار)، هو أحد عناصر قوات “الباسيج” ويشارك في عملية قمع المتظاهرين في مدينة تقع شمال إيران. ولقد تأكد فريق تحرير مراقبون من هويته، ولكن لحماية سلامته الشخصية، لن يتم نشر أي شيء يتعلق بهويته. وتم تدريب مصطفى وزملائه في قوات “الباسيج” على استخدام “الأسلحة غير القاتلة”. ولكن حسب مصطفى، لا يطبق كل عناصر هذه القوات شبه العسكرية التعليمات خلال المواجهات مع المتظاهرين حيث يقول:
في الوحدة التي أعمل بها، نملك بنادق وعبوات غاز مسيلة للدموع وراجمة قنابل يدوية ومسدسات كهربائية.
ولقد تعلمنا استخدام أي نوع من الأسلحة حسب كل وضعية. تدربنا أيضا على إطلاق الأعيرة باستخدام مسدسات الطلاء ربما لأنها أقل تكلفة.
كما تدربنا أيضا على التحكم في التجمعات ولكنني أعتقد أن ذلك لم يكن مجديا. إذ إن المتظاهرين الذين نواجههم على الميدان يختلفون كثيرا عما نتدرب عليه. على سبيل المثال، خلال حصص التمرين، نتلقى أوامر بإطلاق النار على الأرض في حال كان الهدف قريبا. ولكن لا أحد يطبق ذلك فعليا…
“نستخدم بنادق الكلاشينكوف عندما نتلقى أوامر بذلك”
أحاول قدر المستطاع عدم استهداف المتظاهرين. أطلق النار على الأرض أو في اتجاهات أخرى بهدف إخافة وتفريق الناس. ولكن لا يتصرف كل الأفراد مثلي: حيث يطلق عناصر في الوحدة التي أعمل بها النار على المتظاهرين. ويستهدفون الرأس والصدر بهدف قتلهم.
وإذا ما قتلنا شخصا ما، لن يكون هناك تداعيات لذلك. وهو ما يمنح الكثير من العناصر صكا على بياض لإطلاق النار على الرأس. ويمكن أن يكون ذلك قاتلا.
ونملك أيضا بنادق من طراز كلاشينكوف ضمن عتادنا، ولكننا لم نقم باستخدامها بعد. هذه الأسلحة مخصصة في الوقت الراهن لجهاز الحرس الثوري للجمهورية الإسلامية والشرطة. وحسب معلوماتي، فإن عتاد قوات الباسيج من الأسلحة هو نفسه في كامل أنحاء البلاد، لم نتلق أوامر باللجوء إلى بنادق كلاشينكوف ولكننا قمنا باستخدامها خلال سنة 2019 و سنستخدمها في حال وصلتنا أوامر بذلك.
13 قتيلا على الأقل بخراطيش بنادق الرش
حسب راها بحريني، العضو في منظمة الفعو الدولية، قتل ما لا يقل عن 13 متظاهرا بينهم ثلاثة مراهقين منذ يوم 16 أيلول/ سبتمبر الماضي بخراطيش بنادق الرش. وتوضح بحريني لفريق تحرير مراقبون فرانس24 أن عمليات القتل هذه حصلت في محافظات كردستان و قرمانشاه والبروز وفاس وأذربيجان الغربية.
ومن بين هؤلاء الضحايا، هدس نجفي 22 عاما، والتي قتلت متأثرة بجروح أصيبت بها من بندقية رش عندما كانت تشارك في مظاهرة بمدينة كرج في 21 أيلول/ سبتمبر الماضي. وتقول عائلتها إنها تلقت أكثر من 20 خرطوشة رش في وجهها وفي صدرها.
رضا شاه بارنيا، 23 عاما، قتل هو الآخر في 20 أيلول/ سبتمبر في محافظة قرمانشاه. وحسب عائلته، فقد توفي متأثرا بجراحه التي تعود لتلقي أكثر من 70 خرطوشة من بندقية رش في جسده.
وإلى حد اليوم، مازال عدد المتظاهرين الذي أصيبوا في العين أو بالشلل غير معلوم.
العثور على غلاف خراطيش بنادق الرش في أكثر من 49 مظاهرة مختلفة
تمكن فريق تحرير مراقبون من الحصول على صور لغلاف رصاص الرش تم التقاطها في 49 مظاهرة مختلفة وأرسلها لنا مراقبونا في إيران. ويقول مراقبونا إنهم كانوا شهودا على استخدام هذا النوع من المقذوفات من قبل قوات الأمن. وتمكن فريق تحرير مراقبون من التحقق من هذه الصور من خلال مطابقتها مع شهادات أشخاص في عين المكان إضافة إلى منشورات على وسائل التواصل الاجتماعي تؤكد حادثا ما أو آخر حصل خلال مظاهرة. ومن بين هذه الحوادث، حصل 26 منها في ثماني مدن مختلفة وهي العاصمة طهران ومشهد ويزد وكيش وسنندج وزاهدان وغوهار داشت وكرج.
تظهر هذه الصور أنواعا مختلفة من أغفلة خراطيش بنادق الرش، بينها خراطيش بنادق صيد أو رصاص بنادق أو عبوات الغاز المسيل للدموع. كما تلقينا عددا من الصور التي تظهر إصابات تسببت بها هذه الأسلحة “غير القاتلة”.
تظهر الغالبية العظمى من الصور التي تم إرسالها لفريق التحرير خراطيش بنادق الصيد. ومن مجمل 12 خرطوشة التقطها أشخاص خلال المظاهرات، كانت عشرة ذات غلاف شفاف كتب على قاعدتها الحديدية عبارة “Maham *12*” وهو ما يشير إلى خراطيش من عيار 12 مليمترا تمت صناعتها من قبل شركة Shahid Shiroudi Military Industries وهي من أكبر مصنعي الذخائر في إيران.
تحمل عدة خراطيش من طراز “ماهام” عبارات باللغة الإنكليزية على غرار ما عثر عليه في مدينة سنندج حيث كتب على الخراطيش عبارة “ANTI RIOTS RBC SOFT XXX” أو في صورة أخرى أرسلت من مدينة كرج ما يلي: “ANTI RIOTS RBC HARD 3/2015”. وتحمل صورة الخرطوشة التي وصلت من كرج، ولم يتم إطلاقها، عدة قطع رصاص ذات لون برتقالي.
وعلى صورتين أخريين لخراطيش بنادق رش مستخدمة تم التحقق منها من فريق تحرير مراقبون، يمكن لنا أن نرى غلافا يحمل شعار “Cheddite” وهو مصنع أسلحة فرنسي- إيطالي وأغلفة خراطيش صفراء وخضراء.
وكانت خرطوشة ذات غلاف أخضر، عُثر عليها في مدينة يزد، تحمل عبارة “Shahin 2017 4” وهي نوع من ذخائر الصيد من تصنيع شركة Shahid Shiroudi الإيرانية. وعادة ما يتم استخدام خراطيش تحمل غلافا بشعار “Cheddite” أو آخر بشعار Shahin من قبل الصيادين الإيرانيين بهدف قنص طائر الحجل.
“إذا ما تم إطلاق النار من مكان قريب، فيمكن أن يُقتل المصاب”
مصطفى، العنصر في قوات “الباسيج” الذي تحدثنا إليه، أرسل لنا صورة لعلبة خراطيش بنادق الرش “ماهام” مع أغلفة شفافة كتب عليها “ANTI RIOTS RBC SOFT”. ويؤكد أن خراطيش “ماهام” هي خراطيش “عادية” بالنسبة إلى قوات الأمن. ولن ننشر صورة مصطفى لأسباب تتعلق بسلامته.
لدينا الكثير من الخراطيش الشفافة من طراز “ماهام”. وهناك خراطيش ملآنة برصاصات “رخوة” والتي تحتوي في العموم على رصاصات مطاطية أكبر حجما. إنها تتسبب في ألم كبير ولكنها أقل أذى إذا ما تم تفادي إطلاقها على الوجه أو الأعين. توجد خراطيش أخرى مع حبات “صلبة” داخلها وهي أصغر حجما. وفي هذه الأعيرة، تحتوي الأغلفة على حبات أكثر صلابة.
نطلق النار مع كل ما يمكننونا منه. في معظم الأحيان، يتم استخدام خراطيش “ماهام” من عيار 12 مليمترا لكن لدينا أيضا خراطيش ملونة وهي ليست مخصصة بالضرورة للقيام بتدخلات في إطار مكافحة الشغب. ولا توجد عليها أية إشارات وتحتوي بالخصوص على حبات صغيرة جدا. ونملك المزيد منها في الفترة الأخيرة. ولا يتم تزويدنا بها في عبوات عادية لخراطيش “ماهام”. لا أعلم إن كانت من طراز “ماهام” أو من نوع آخر.
ما معنى العبارة الموجودة على قاعدة الخرطوشة؟ إن كانت من عيار 12 مليمترا وفي حالة وجود حبات حديدية صغيرة داخلها وهو ما يعني أن إطلاقها سيكسر ما يعترضها. هل لديكم صور لأشخاص قتلوا ببنادق صيد؟ ولديهم جروح صغيرة في كامل أنحاء أجسادهم بسبب حبات الحديد الصغيرة.
وإذا ما أصبتهم عصفورا بها، فإنها ستكون قاتلة. إذا ما أصبتم إنسانا بها، فإنها تسبب الألم. ويمكن أن تتسبب في العمى أو الشلل إلى الأبد. وإذا ما تم إطلاق الكثير منها، يمكن أن تتسبب في مقتل الناس. وبغض النظر عما كتب أعلاه، سواء تعلق الأمر بخرطوشة لمكافحة الصيد أو خرطوشة صيد، فإن الأمر سيان.
“الرصاصات هي ذخائر قاتلة ولا يجب استخدامها مطلقا في عمليات حفظ الأمن خلال التجمعات”
وصرح نيل كورني الخبير في الأسلحة في منظمة أوميغا ريسرس فوندايشون Omega Research Foundation لفرانس24 قائلا:
أي استخدام لذخائر تحمل رصاصا هو غير قانوني ضد المتظاهرين [فريق التحرير: حسب توجيهات منظمة الأمم المتحدة المتعلقة بحقوق الإنسان حول استخدام الأسلحة غير القاتلة لحفظ الأمن] ويتعلق الأمر بذخائر قاتلة لا يجب استخدامها مطلقا في عمليات حفظ الأمن خلال التجمعات أو المظاهرات، خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمظاهرات السلمية، وهو ما ينطبق عليه الأمر في معظم المظاهرات في إيران.
استخدام الذخائر ذات المقذوفات المتعددة على غرار الذخائر السينية التي تحتوي على أكثر من مقذوفة مناف للمعايير والمبادئ الدولية فيما يتعلق بحفظ الأمن. إذ يجب اعتبار أي مقذوفات تحتوى على مواد معدنية على أنها قاتلة سواء كانت خراطيش رش أو ذات حبات حديدية. مهما كان اسمها، هي يمكن أن تكون قاتلة ولا يجب استخدامها أبدا ضد التجمعات أو المتظاهرين.
إذا ما تم ملء خزان بنادق الصيد بذخائر “أقل تسببا في القتل” [فريق التحرير: على غرار الأعيرة المطاطية أو الحبات البلاستيكية] فيمكن أن تكون أقل تسببا في القتل. ولكن من مسافة قريبة، يمكن أن تكون قاتلة. وبما أن المقذوفات تتفرق في الهواء، من المحتمل جدا أن تصيب أعضاء حساسة في الجسد مثل الرأس والعيون وهو ما يؤدي إلى إصابات بليغة أو الموت حتى.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook