آخر الأخبارأخبار دولية

ما الذي تمثله معركة خيرسون الوشيكة بالنسبة لروسيا في حربها على أوكرانيا؟


نشرت في: 01/11/2022 – 11:31

رفعت معركة خيرسون الوشيكة والتي يتوقع أن تكون الأشرس في الحرب الأوكرانية من حدة التوتر بين موسكو والغرب على أكثر من صعيد. وبعد أن أخلت المدينة وحولتها إلى “حصن” دفاعي ينذر بمواجهة حامية الوطيس، اتُهمت روسيا بالتهجير القسري لسكان خيرسون تمهيدا لتغيير ديمغرافية المنطقة مستقبلا. وفيما هددت موسكو بضرب الأقمار الاصطناعية الغربية لدورها المزعوم في تزويد الأوكرانيين بالمعلومات الاستخباراتية، اتهمت واشنطن إيران بنشر عسكريين لدعم الروس في تنفيذ الهجمات بالطائرات المسيّرة.

تسعى القوات الأوكرانية إلى الحفاظ على الزخم الذي حققه نجاح الهجوم المضاد على القوات الروسية، فيما تبقي عيونها على خيرسون الرئيسية الهامة التي تربط شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا في 2014 وشواطئ بحر آزوف.

وهذه المدينة التي كان عدد سكانها يبلغ حوالي 288 ألف نسمة قبل بداية الغزو، هي الأولى الرئيسية التي احتلها الجيش الروسي مع بدء الهجوم في 24 فبراير/شباط.

ومع تقدم الأوكرانيين وسعيهم لاستعادة كافة الأراضي التي بسطت روسيا سيطرتها عليها في شرق البلاد بما في ذلك المناطق التي ضمتها في استفتاء مثير للجدل لم يعترف به المجتمع الدولي، تعهدت الإدارة الموالية لروسيا جعل خيرسون “حصنا” منيعا لصد الهجوم الأوكراني المضاد، الذي لا يفصله سوى ستة أسابيع قبل أن يعوق الصقيع أي تقدم إضافي.

وحسب مستشار الرئيس الأوكراني فقد أرسلت موسكو تعزيزات جديدة وهي تنشر حاليا 30 كتيبة تكتيكية حول خيرسون، تضم كل واحدة من هذه الوحدات المجهزة جيدا 800 جندي وتسيطر على جزء معين من الجبهة. وحذر المستشار أوليكسي أريستوفيتش قائلا: “إنها قوة عسكرية ضخمة سيكون من الصعب اختراقها”.

  • تهجير للسكان وإجلاء رفات الأمير بوتيمكين

ولا يطال القصف المدفعي الأوكراني على المناطق الواقعة شمال خيرسون وتنفذه دبابات ومدفعية ثقيلة، سوى أرضا مكشوفة لم يبق فيها سوى الأطلال، بعد إجلاء روسيا للمدنيين. وكان فلاديمير سالدو رئيس خيرسون المعين من روسيا أكد أن 70 ألفا من السكان على الأقل غادروا منازلهم في المنطقة خلال أقل من أسبوع.

وأثارت عمليات الإجلاء تلك انتقادات لروسيا واتهامات لها بممارسة الترحيل القسري لسكان خيرسون في مسعى لتغيير النسيج الديمغرافي للمدينة. ورأى الباحث في النزاعات والأمن الدوليين جوليان ثيرون في تصريح لموقع إذاعة فرانس إنفو: “هذه ليست عمليات إجلاء بل تهجير قسري للسكان”.

من جهة أخرى، نقلت روسيا رفات الأمير غريغوري ألكساندروفيتش بوتيمكين الذي كان يرقد في كاتدرائية حجرية تعود إلى القرن الثامن عشر في منطقة خيرسون، حسبما أفادت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية الخميس، بعد اشتداد قصف القوات الأوكرانية للمدينة الساحلية الاستراتيجية التي ضمتها روسيا في 30 سبتمبر/أيلول الماضي مع مناطق أخرى هي لوغانسك ودونيتسك وزابوريجيا.

وكان سالدو أعلن بأن بقايا بوتيمكين نقلت من المدينة على الضفة الغربية لنهر دنيبرو إلى موقع لم يكشف عنه شرق النهر. وقال في مقابلة أذاعها التلفزيون الروسي: “نقلنا إلى الضفة اليسرى رفات الأمير المقدس التي كانت في كاتدرائية سانت كاترين.. نقلنا بوتيمكين نفسه”.

  • شبح “حرب النجوم” وقوات إيرانية في القرم؟

وفي سياق التوتر المتنامي بين روسيا والغرب في ظل معركة خيرسون التي يتوقع أن تكون حامية الوطيس، والمخاوف الروسية من دور المعلومات الغربية في دعم القوات الأوكرانية على الأرض، حذر البيت الأبيض الخميس من أي هجوم روسي على الأقمار الاصطناعية الأمريكية سيُقابل برد من واشنطن، وذلك بعد أن قال مسؤول كبير في وزارة الخارجية الروسية إن الأقمار التجارية التابعة للدول الغربية يمكن أن تصبح أهدافا مشروعة لروسيا إذا استغلت في دعم أوكرانيا. وأوضح جون كيربي بأن المعلومات المتاحة بشكل عام تظهر أن الروس يسعون للحصول على تقنيات مضادة للأقمار الصناعية.

من جهة أخرى، أعلنت الولايات المتحدة في وقت سابق شهر أكتوبر/تشرين الأول بأنها تعتقد أنه تم نشر عسكريين إيرانيين في شبه جزيرة القرم لمساعدة القوات الروسية على تشغيل الطائرات المُسيرة الإيرانية لشن هجمات في أوكرانيا. وقال المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية نيد برايس: “يوجه عسكريون روس متمركزون في القرم مركبات جوية بدون طيار إيرانية ويستخدمونها لشن ضربات في أنحاء أوكرانيا، بما في ذلك الغارات في كييف”، في إشارة للطائرات المسيّرة. مضيفا: “تقييمنا هو أن… هناك أفرادا عسكريين إيرانيين على الأرض في القرم ويساعدون روسيا في هذه العمليات”.

فإذن، ماذا تمثل معركة خيرسون بالنسبة لروسيا في الحرب الأوكرانية؟ هل تحاول روسيا تغيير النسيج الديمغرافي لمنطقة خيرسون عبر إجلاء سكانها منها؟ ما قصة سحب روسيا رفات الأمير غريغوري بوتيمكين من خيرسون؟ هل ستضرب روسيا الأقمار الاصطناعية الغربية لدورها المزعوم في تزويد الأوكرانيين بالمعلومات الاستخباراتية؟ وهل نشرت إيران عسكريين في القرم لمساعدة الجيش الروسي على تشغيل طائراتها المسيّرة؟ يجيبنا عن هذه التساؤلات كل من أندريه مورتازين باحث سياسي واستراتيجي ومدير القسم العربي السابق في وكالة أنباء نوفوستي الروسية، و عامر السبايلة خبير استراتيجي ومحلل سياسي.

  • ماذا تمثل معركة خيرسون بالنسبة لروسيا في الحرب الأوكرانية؟

قال أندريه مورتازين باحث سياسي واستراتيجي والمدير السابق للقسم العربي في وكالة أنباء نوفوستي الروسية إن “معركة خيرسون ليست “أم المعارك”، لكن هذه المدينة كبيرة جدا وذات أهمية قصوى لروسيا الاتحادية، حيث يبلغ عدد سكانها 180 ألف شخص كما أنها تتوفر على مركز اقتصادي صناعي وزراعي هام وشبكة مواصلات تضم خطوط السكك الحديدية وميناء بحريا ونهريا. لهذه المدينة أهمية قصوى. روسيا ستدافع عن خيرسون وستحولها إلى رأس الجسر للتقدم المقبل للجيش الروسي. المعركة دائرة ولا يمكن الانسحاب منها. بصراحة أرى أن هذه حرب أهلية على الأراضي الأوكرانية لكن مناصرين لروسيا يحاربون معها ضد من يوالون الغرب ونظام زيلينسكي وحلف الناتو. الولايات المتحدة وإدارة بايدن لا تسمح لزيلينسكي بعقد أي هدنة أو تهدئة أو أي اتفاقية سلام. كانت هناك محاولات لكن جونسون زار كييف وقال إن الحرب يجب أن تستمر حتى النهاية وتحقيق النصر. لكن لن يكون هناك نصر بل اغتيال لعدد كبير من الأوكرانيين، ثم إن الخسائر في الجيش الأوكراني أكبر بعشرة أضعاف من تلك لدى الجيش الروسي”.

بدوره، أوضح الخبير الاستراتيجي والمحلل السياسي عامر السبايلة: “بلا شك المعركة مهمة من كل الجوانب. فعلى الصعيد الرمزي هي أول نقطة في الحرب الروسية-الأوكرانية وبالتالي فإن خسارتها تعني العودة إلى نقطة الصفر. أما استراتيجيا فهي مهمة جدا بالنسبة لروسيا في إطار تأمين وجودها في شبه جزيرة القرم وبالتالي إنهاء أي فرصة لتحويلها إلى منطقة استهداف للوجود الروسي بالنظر إلى موقعها الجغرافي المطل على البحر الأسود وعلى بحر آزوف. روسيا تحتاج لتأمين وضع استراتيجي لتلك المناطق. كما لا يمكن لروسيا أن تتخلى عن هذه المنطقة لأهميتها في الحفاظ على مداخل المناطق الاستراتيجية”.

  • هل تحاول روسيا تغيير النسيج الديمغرافي لمنطقة خيرسون عبر إجلاء سكانها منها؟

لفت الباحث أندريه مورتازين إلى أن “نصف سكان أوكرانيا بشكل عام يميلون للوقوف إلى جانب روسيا أما النصف الآخر فيقفون مع الغرب وزيلينسكي. فيما يخص مقاطعة خيرسون، فغالبية السكان إلى جانب روسيا وجزء منهم روس في أصلهم والجزء الآخر هم الأوكرانيون لكنهما شعبان شقيقان. كثير من الأوكرانيين يساندون روسيا. اضطر الجيش الروسي إلى إجلاء ثلث سكان المدينة من الضفة اليمنى إلى الضفة اليسرى من نهر دنيبر، كما أن الخطر كبير بتعرضهم للقصف وهناك احتمال لتفجير السد العالي على نهر دنيبر وهو ما يحاول الجيش الأوكراني فعله، ما قد يغرق جزءا من المدينة تحت الماء لذلك كان من الضروري سحب هؤلاء الناس. ليس هناك رغبة روسية في تغيير النسيج الديمغرافي للمنطقة حيث إن كل من كان يريد البقاء ضمن روسيا فله ذلك، أما أولئك الذين كانوا يريدون العيش تحت ذل نظام زيلينسكي فقد هربوا إلى كييف أو إلى الدول الغربية أو إلى خارج أوكرانيا”.

في المقابل، قال الخبير الاستراتيجي عامر السبايلة: “حتما تسعى روسيا إلى تغيير النسيج الديمغرافي للمنطقة ومحيطها، حيث اعتبرت أن المناطق التي قامت بضمها تميل لها جغرافيا وتنتمي لها حضاريا وثقافيا وبالتالي فإن فكرة التفريغ الديمغرافي لكل ما هو معادي لروسيا يصب في النهاية في إطار هذه الاستراتيجية، أي تأمين كل المناطق التي ترغب بها عبر تغيير شكلها الديمغرافي باعتبار أن الولاءات التي يتم صناعتها في تلك المناطق ستتحول إلى حزام أمني في المستقبل، ما يمنع استخدامها لاستهداف روسيا بغض النظر عن مآلات هذه الحرب وكيف ستنتهي”.

  • ما قصة سحب روسيا رفات الأمير غريغوري بوتيمكين من خيرسون؟

أكد الباحث الاستراتيجي الروسي أندريه مورتازين أنه “بالفعل لقد تم سحب رفات الأمير غريغوري بوتيمكين من الضفة اليمنى لنهر دنيبر إلى الضفة اليسرى لسبب أخلاقي، وهو أن الأمير كان رجلا مقدسا وأحد المؤسسين لمدينة خيرسون والمنطقة. روسيا لا تريد أن تتعرض التماثيل التاريخية والآثار لأي تخريب أو قصف أو نهب من قبل القوميين المتطرفين الأوكرانيين، ومن يدمر التماثيل ويحفر القبور هم الجهلاء وطبعا لا يمكن التحدث معهم وكان أحسن شيء إجلاء رفات الأمير إلى مكان آمن وسحب تماثيل ألكسندروفيتش. هذه الخطوة هي مؤقتة في انتظار تحرير كافة الأراضي في مقاطعة خيرسون”.

من جانبه، يرى عامر السبايلة بأن “كل المعطيات تشير إلى أن المعركة في خيرسون هي ذات أهمية قصوى بالنسبة لروسيا خصوصا البعد التاريخي للرئيس فلاديمير بوتين شخصيا في هذه الحرب وقضية سحب رفات الأمير غريغوري، باعتبار أن هناك رمزية خاصة لفكرة بناء الدولة وسرديتها وبالتالي تأتي هذه الخطوات في هذا السياق”.

  • هل ستضرب روسيا الأقمار الاصطناعية الغربية لدورها المزعوم في تزويد الأوكرانيين بالمعلومات الاستخباراتية؟

قال الباحث أندريه مورتازين: إن “الولايات المتحدة وحلف الناتو لم يستخدما سابقا الأقمار الاصطناعية المدنية لأغراض عسكرية. لكن منذ بداية الحرب في أوكرانيا بدأت الولايات المتحدة هذه الممارسة للأسف الشديد. هذا خرق للاتفاقيات الموقعة بعدم استخدام السلاح في الفضاء واحترام قواعد الحرب التي تمنع هذا الاستخدام. أنا لا أستبعد أي شيء في ظل الظروف الراهنة مع تفاقم حدة التوتر على الصعيد الإعلامي والميداني ومحاولة الولايات المتحدة التغلب على الجيش الروسي وإلحاق الهزيمة به. لا أستبعد إسقاط الجيش الروسي لتلك الأقمار الاصطناعية. من دبّر عملية تفجير خطي نورد ستريم 1و2 هو الولايات المتحدة وإدارة بايدن لكن من نفّذ لا أعلم، ربما قوات خاصة أمريكية أو الجيش البريطاني أو حتى الجيش البولندي، فقد كانت هناك مروحيات أمريكية تحلق فوق خطوط أنابيب الغاز وقاعدتهم في مدينة غدانسك ببولندا. إذا تم تدمير البنية التحتية الروسية مثل خطوط نقل الغاز يمكن اللجوء إلى تنفيذ تلك الضربة”.

  • هل نشرت إيران عسكريين في القرم لمساعدة الجيش الروسي في تشغيل طائراتها المسيّرة؟

فيما نفت السلطات الروسية مرارا مسألة استخدام قواتها في أوكرانيا للطائرات المسيّرة الإيرانية، لم يستبعد أندريه مورتازين “استخدام الجيش الروسي للطائرات المسيّرة الإيرانية في الحرب الأوكرانية، لكني أستبعد تواجد العسكريين الإيرانيين مع الجيش الروسي أو الاعتماد على المرتزقة. روسيا لا تحتاج هؤلاء لأن الخبراء والمهندسون الروس لديهم خبرات كافية للسيطرة على المسيّرات حتى إن كانت إيرانية. لا أرى فائدة لوجود عناصر من الحرس الثوري الإيراني في أوكرانيا”.

في المقابل، أكد عامر السبايلة: “التورط الإيراني حتمي في الملف الأوكراني وكافة التقارير أشارت إلى دور الطائرات المسيّرة الإيرانية. بالنسبة إلى تواجد إيرانيين في أوكرانيا أعتقد أنه يمكن أن تكون هناك مبالغة في هذه القصة حيث إن روسيا لن تحتاج لمعرفة أكثر من كيفية عملها واستخدامها وهذا ما تم في الشهور الماضية، هناك مبالغة بالنسبة للوجود الإيراني الذي يقتصر فقط على آليات التشغيل لهذه الطائرات”.

أمين زرواطي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى