آخر الأخبارأخبار دولية

الميثان…العالم في مواجهة عدو آخر للمناخ أكثر فتكا من ثاني أكسيد الكربون


نشرت في: 28/10/2022 – 17:11

في محاربة ظاهرة الاحتباس الحراري يعتبر غاز ثاني أكسيد الكربون عدوا يتصدر قائمة الترتيب، لكنه ليس لوحده. إذ يعد الميثان، الذي أُهمل لفترة طويلة، غازا ذا قدرة على الاحتفاظ بالحرارة أكثر بـ 80 مرة من ثاني أكسيد الكربون فيما تبقى مقاومته أسهل وأسرع، إلا أن نسبة انبعاثاته بلغت حاليا مستويات قياسية.

“سي آش 4” CH4 والمعروف باسم الميثان، هو ثاني غاز مسؤول عن ظاهرة الاحتباس الحراري. انبعاثاته أقل من ثاني أكسيد الكربون ولكنها أخطر بكثير. فقد وصل تركيزه في الغلاف الجوي حاليا إلى أعلى مستوياته. وقد حققت انبعاثات الميثان “قفزة غير مسبوقة” في العام 2021، لتصل إلى مستوى قياسي، وفق ما كشفت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) في تقرير نُشر يوم الأربعاء 26 أكتوبر/تشرين الأول.

ووفقا للأمين العام للمنظمة بيتيري تالاس، تؤكد الأرقام “مرة أخرى، التحدي الهائل والحاجة الملحة لاتخاذ إجراءات عاجلة من أجل خفض انبعاث غازات الاحتباس الحراري والحد من ارتفاع درجات الحرارة في المستقبل على المستوى العالمي”.

في الواقع ارتفاع انبعاثات الميثان لا تبشر بالخير، لأنه غاز فائق التلويث ومسؤول بمفرده عن 30٪ من الاحتباس الحراري الذي يعاني منه كوكب الأرض.

وعلى الرغم من أن غاز ثاني أكسيد الكربون يمثل حوالي ثلثي انبعاث الغازات المسببة للاحتباس الحراري في العالم، فإن مشكلة الميثان “تبقى على الأقل بنفس أهمية ثاني أكسيد الكربون” وفق إيوان نيسبت، الباحث في رويال هولواي بجامعة لندن وأحد أبرز المتخصصين في مجال تأثير غاز الميثان على المناخ.

ولهذا الغاز خواص تجعله مصدرا لقلق أعلى بكثير من ثاني أكسيد الكربون. ويؤكد الباحث إيوان نيسبت “عند مقارنة جزيئاته بنظيراتها في ثاني أكسيد الكربون نستنتج أن الميثان أكثر ضررا من ثاني أكسيد الكربون بكثير”، مضيفا “لأن جسيما واحدا من الميثان يحبس من الحرارة ما يفوق تلك التي يحبسها ثاني أكسيد الكربون بحوالي 80 مرة في غضون عشرين عاما”.

وبالنسبة للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، يبقى سبب هذا الارتفاع الاستثنائي في مستوى الميثان مقارنة بالعام 2020 “غير واضح، ولكن يبدو أنه ناتج عن عمليات بيولوجية وبشرية في نفس الوقت”.

ويحذر الباحث البريطاني إيوان نيسبت قائلا إن “الزيادة الشديدة وغير المتوقعة لغاز الميثان في الغلاف الجوي خلال العامين الماضيين مقلقة بشكل خاص”… والباحثون “لا يعرفون جيدا السبب”. ويضيف “القضية معقدة للغاية، نعتقد أن السبب الرئيسي يعود لأمور بيولوجية، مثل انبعاث غاز الميثان من المناطق الرطبة أو تلك التي تخلفها الماشية”.

البحث عن حلول ولو كانت خارجة عن المعتاد

تجد بعض البلدان صعوبات لإيجاد حلول تسمح لها بتقليل انبعاثات غاز الميثان ذي المصدر البيولوجي. ففي نيوزيلندا مثلا تعد بعض الغازات التي تخلفها الحيوانات مثل الأبقار والأغنام من أكبر المشاكل البيئية في البلاد.

الأمر الذي دفع برئيسة الوزراء جاسيندا أرديرن إلى اتخاذ قرار في الموضوع. وقدمت في 11 أكتوبر/تشرين الأول، مشروع قانون تعلن فيه عن ضريبة على انبعاثات غاز الميثان التي تخلفها الماشية، ما أثار غضب المزارعين النيوزيلنديين.

وبعدها بأسبوع، شهدت المدن النيوزيلندية الرئيسية تدفق قوافل من الآلات الزراعية لمطالبة الحكومة بالتخلي عن المشروع الذي لو تم تطبيقه آنذاك لأصبح سابقة عالمية.

غير أنه يمكن اتخاذ تدابير أقل جدلا من أجل خفض انبعاثات غاز الميثان وبشكل كبير في جميع أنحاء العالم، في نظر الباحث البريطاني إيوان نيسبت، موضحا: “ما يمكننا القيام به بسرعة وبتكلفة زهيدة يكمن مثلا في وقف حرق نفايات المحاصيل أو تقليل انبعاثات الميثان الذي تفرزه مكبات النفايات عن طريق تغطيتها بالتربة… فقد تصبح مصدرا رئيسيا في بعث غاز الميثان الناتج عندما تتحلل…

إذا كان ما يعادل 40٪ من غاز الميثان الموجود في الغلاف الجوي مصدره طبيعي (الماشية والمناطق الرطبة وغيرها…)، يجب ألا ننسى دور البشر في انبعاث هذا الغاز، إذ تم التقليل من شأنه إلى حد كبير ومنذ فترة طويلة. هذا إضافة إلى الدور المهم الذي تلعبه الطاقات الأحفورية أيضا.

50 موقعا من “أبرز مصادر الانبعاث”

استطاعت إحدى بعثات وكالة الفضاء الأمريكية “ناسا” من تحديد حوالي خمسين موقعا كـ “أبرز مصادر انبعاث” للميثان. واعتبرت الأمر اكتشافا بالغ الأهمية، كون هذه المواقع من أكبر المواقع الملوثة في العالم.

كما تمكنت وكالة ناسا من اكتشاف تسرب للميثان واعتبرته “من بين أكبر تسربات الميثان على الإطلاق”، وفق أندرو ثورب الباحث في وكالة ناسا، موضحا “ما وجدناه في وقت وجيز يتعدى ما كنا نتخيل”.

ففي تركمانستان مثلا، تم تحديد اثنتي عشر بقعة تسرب الميثان على شكل أعمدة دخان متصاعدة من مصانع لتكرير النفط والغاز شرق مدينة هزار الساحلية، يمتد بعضها على أكثر من 32 كيلومترا، والتي قد ينبثق عنها 50400 كلغ من الميثان في الساعة، بحسب وكالة ناسا.

وفي نيو مكسيكو بالولايات المتحدة، تم اكتشاف بقعة تسرب أخرى شكلت عمودا من دخان الميثان بلغ طوله حوالي ثلاثة كيلومترات، وهي موقع أحد أكبر حقول النفط في العالم إذ يبلغ إنتاجه حوالي 18300 كلغ من الميثان في الساعة. وسيسمح هذا الاكتشاف بتقليل انبعاثات هذا الغاز وبشكل كبير.

من جهته أكد الباحث البريطاني إيوان نيسبت أن “اكتشاف ناسا مفيد للغاية”، مضيفا ” القمر الصناعي يثبت أنه ضروري لكشف تسربات غاز الميثان من مناجم الفحم وحقول الغاز، علما أنها تكلف أموالا باهضة لأصحابها، وأنا على يقين من أنهم يفضلون إشعارهم قبل وقوعها. وذلك سيسمح أيضا بمعالجة مشكلة غاز ثاني أكسيد الكربون الذي تحتويه هذه التسربات”.

تحد حاسم لاتفاق باريس

يبقى غاز الميثان في الغلاف الجوي لمدة أقل من ثاني أكسيد الكربون. وهذا ما أكده الباحث إيوان نيسبت قائلا: “في الأماكن التي يظل فيها ثاني أكسيد الكربون لقرون، يبقى الميثان في الغلاف الجوي لمدة عقد تقريبا”، موضحا أن ” التخلص من الميثان قد يؤدي إلى إبطاء الاحتباس الحراري على المدى القصير…”

كما أن خفض انبعاثات غاز الميثان سيصبح أمرا بالغ الأهمية لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ الموقعة في عام 2015.

ولكن هناك دولتان لم تفيا بعد بأي التزام للتقليص من نسبة الميثان وهما الدولتان المتسببتان في أعلى انبعاث غاز الميثان في العالم.

ويشير إيوان نيسبت إلى أرقام تجعل من الصين وإلى حد بعيد أكبر مصدر انبعاث غاز الميثان في العالم بـ”حوالي 89 مليون طن سنويا، معظمها من صناعة الفحم”. إلى جانب الهند بـ32 مليون طن سنويا، ناجمة عن تربية المواشي وصناعات الفحم بالإضافة إلى سوء إدارة النفايات.

تليها الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا بانبعاثات تصل إلى 31 و 35 طنا على التوالي من غاز الميثان في الغلاف الجوي سنويا.

وإذا كانت الولايات المتحدة قد التزمت فعليا بخفض مختلف انبعاثاتها من غازات الاحتباس الحراري خلال مؤتمر المناخ 26  COP26، فإن “الصين والهند أكبر الدول المتسببة في الانبعاثات، يمكنهما بذل مزيد من الجهد” بحسب إيوان نيسبت.

هذا، ويحتاج العالم إلى المزيد من الجهود للحد من التغير المناخي، وتتجه أنظاره إلى القمة 27 COP27 في مصر لعلها تتمخض عن إجراءات جديدة، لاسيما أن الأمم المتحدة حذرت الأربعاء الماضي من أن العالم يبقى “بعيدا كل البعد” عن أهداف اتفاقية باريس التي تنص على الحد من الاحتباس الحراري في 1,5 درجة مئوية، فيما تشير المعطيات الحالية لبلوغها 2,6 درجة مئوية، وفق المنظمة الأممية.

 

النص الفرنسي: لويز بروزولو، أعده للعربية: فارس بوشية


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى