إرجاء زيارة الوفد اللبناني إلى دمشق : لا موعد للترسيم البحري!
وفي هذا السياق كتبت “الاخبار”: في المحصلة، قد يكون الإشكال البروتوكولي أعاق ترتيب زيارة الوفد اللبناني إلى سوريا غداً، وقد يكون هناك استعجال أو «مَوْنة» مارسها بعض اللبنانيين لترتيب تواصل بالطريقة التي أظهرت استخفافاً أدّى إلى احتجاج سوري تمثّل في الإعلان عن عدم وجود توافق مسبق على الموعد، وأن الأمر اقتصر على اتصال أولي بين الرئيسين ميشال عون وبشار الأسد للمباشرة في إجراءات ترسيم الحدود البحرية بين البلدين.
فيما ظلّت الاستفاقة المُتأخرة على ملف ترسيم الحدود البحرية مع سورية عشية مغادرة الرئيس ميشال عون قصر بعبدا «لُغزاً»، دهمَ الردّ السوري المشهد السياسي ليلاً بعدَ الكشف عن إلغاء الحكومة السورية «الزيارة التي كانت مقررة (غداً) الأربعاء وأنها بعثت برسالة إلى وزارة الخارجية اللبنانية تقول فيها إن الوقت غير مناسب لمثل هذه الزيارة». هذا ما لم يدخُل في حسبان المعنيين الذين توهموا أن سوريا ستفتح الباب أمام انفتاح لبناني ظلّ محصوراً بقنوات غير رسمية وغير معلنة رغمَ القطيعة التي مارستها الحكومات انصياعاً للغرب وتحديداً للولايات المتحدة، فضلاً عن عدم قيام رئيس الجمهورية بأي خطوات لكسر هذه القطيعة. وربما غابَ عن حسابات الذين سارعوا أو «تسرّعوا» في «قطف» هذا الملف وتسجيله كإنجاز أن هناك الكثير من الظروف والاعتبارات التي لا يمكن لدمشق أن تقفِز عنها، فضلاً عن رفضها التعامل على «القطعة». كل هذه أمور وأسباب لم تذكرها الرسالة التي وصلت إلى بيروت، لكن لمن يعرف تفاصيل وأجواء العلاقة لم يكُن هذا الجواب مفاجئاً.
الرواية الرسمية أو شبه الرسمية التي يتناقلها المعنيون بالملف تقول إن «نقصاً في التنسيق أدى إلى ما أدى إليه»، خصوصاً أن «نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب لم يتواصل مع مسؤولين سوريين لتحديد موعد»، وأن «يوم الأربعاء حدّده الجانب اللبناني بشكل منفرد، وليسَ استناداً إلى الاتصال الذي أجراه الرئيس ميشال عون بالرئيس السوري بشار الأسد الذي كانَ عاماً ولم يتطرق إلى التفاصيل اللوجستية».الخلفيات «الحقيقية» التي تقاطعت حولها مصادر سورية وأخرى لبنانية قريبة من دمشق تؤكد التالي:أولاً، لم يكُن هناك اتفاق على موعد أو على اجتماعات، حتى أن الوفد اللبناني (يضمّ نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ووزيرَي الخارجية عبدالله بوحبيب والأشغال علي حمية والمدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم) لم يكن لديه أجندة أو جدول أعمال، بل كان ينتظر تحديد المواعيد بدقة، وليس صحيحاً أنه جرى تحديد يوم الأربعاء، فهذا الموعد كشف عنه الجانب اللبناني من دون اتفاق مسبق مع الجانب السوري وهو أمر غير مفهوم. إذ من المفترض أن يطلب لبنان الموعد وأن تقوم سورية بتحديد التاريخ.
ثانياً، أن «الاتصال الذي جرى بين عون والأسد كان إيجابياً لكن الاتفاق على استكمال البحث كانَ عاماً».ثالثاً، استغربت دمشق كيف أن القرار بالحوار معها لم تتم مشاركته مع بقية المسؤولين، خصوصاً رئيس مجلس النواب نبيه بري ورئيس الحكومة نجيب ميقاتي.
إلى ذلك، كشفت المصادر أن السوريين سبق أن أبلغوا لبنان أن الأعمال جارية من الجانب السوري وأن العقود مع الشركات الروسية قائمة وأن البحث لا يُمكن أن يتم على طريقة «الإحراج». فضلاً عن أن دمشق تتطلع إلى موقف لبناني مختلف حيال العلاقات الرسمية الملتبسة مع سوريا حيث لا تزال الحكومات اللبنانية تقوم بخطوات لإرضاء الغرب وتستمر بمقاطعة سوريا وتختصر العلاقات بالتنسيق الأمني غير المعلن وبالعلاقات العامة، حتى أن لبنان يهمل تسمية سفير جديد في دمشق بينما تعد سوريا لإرسال ديبلوماسي سوري مخضرم إلى بيروت مقابل إشاعات عن أن لبنان يتحضر لاختيار ديبلوماسي من الفئة الثالثة!
وبينما يستهدف الحوار معالجة إشكالية التداخل بين البلوك رقم 1 من الجانب السوري (مقابل ساحل محافظة طرطوس) مع البلوكين اللبنانيين 1 و2 على مساحة بحرية تمتد ما بين 750 و1000 كيلومتر مربع، يجب أن يؤخذ في الاعتبار أن دمشق وقّعت في آذار 2011 عقداً مع شركة «كابيتال» الروسية للتنقيب عن النفط والغاز وإنتاجهما في البلوك رقم (1)، لذلك على لبنان أن يدرك أن التفاوض على الحدود، وكذلك على الحقول والأشغال يجب أن يتم بمشاركة الجانب الروسي الذي يوفر الحماية لكل الأعمال في تلك المنطقة.ورغمَ أن روسيا مستاءة من كل السلوك اللبناني إزاء موسكو منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، لكنها لا تظهر معارضة للتعاون بل على العكس عرضت المساعدة في الحل، فيما على لبنان معرفة أن الروس سيعملون في تلك المنطقة وليس أي شركات عالمية أخرى، وأنه من غير المقبول أن يكون هناك فيتو لبناني على العمل مع الشركات الروسية بناء على رغبة أميركية.
وجاء ذلك بعدما كان رئيس الجمهورية ميشال عون كلّف نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب ترؤس الوفد اللبناني إلى دمشق غدا الأربعاء لإجراء لقاءات مع كبار المسؤولين في سوريا بهدف مناقشة مسألة الترسيم البحري. وتبين ان الأسد لم يتناول تفصيليا مع عون برمجة إجراءات للتفاوض وان سوء التنسيق لبنانيا بين الجهات المختصة أدى الى احباط خطوة العهد خصوصا بعدما تفرد بتعيين رئيس للوفد .
وكتبت “نداء الوطن”:رئيس الجمهورية وفي آخر سكرات ولايته، أقدم على “دعسة ناقصة” تجاوز فيها خطوط “محور الممانعة” الحمراء، ما استدعى من حليفه الرئيس السوري بشار الأسد توديعه بـ”صفعة ودّية” على الجبين، جعلته يستفيق من نشوته ليتذكّر بأنّ “العين لا تعلو على الحاجب”.إذ وبينما كان عون يستنفر الجهود والوفود باتجاه دمشق، معلناً انتداب نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب إلى العاصمة السورية غداً لمناقشة ملف الترسيم البحري بين البلدين، سارع الأسد إلى “ترسيم حدود” عون نفسه في التعاطي مع رعاة عهده الإقليميين، فأوعز إلى المسؤولين في السفارة السورية في بيروت لإبلاغ وزارة الخارجية اللبنانية بقرار الاعتذار عن عدم استقبال الوفد الرئاسي العوني “لارتباطات وانشغالات مسبقة”، علماً أنّ مصادر لبنانية نقلت عن مسؤولين سوريين اكتفاءهم لدى استيضاح مراجعيهم عن أسباب قرار إرجاء الزيارة بالقول إنّ هذا الموضوع “مو وقتُه الآن”.وأوضحت المصادر أنّ مسألة الترسيم الحدودي مع سوريا “متشعبة ومعقدة ومتداخلة بين البر والبحر”، مشيرةً إلى أنّ هذه المسألة مرتبطة مباشرةً بوضعية “مزارع شبعا” التي لا يزال لبنان ينتظر من سوريا توثيق لبنانيّتها في الأمم المتحدة، ولفتت في هذا السياق إلى أنّ الجانب السوري لا يبدي حماسة للخوض في هذا الملف خصوصاً مع “عهد منتهي الصلاحية” كما أنّ “حزب الله” ليس في وارد الدفع باتجاه حلّ الإشكالية الحدودية بين لبنان وسوريا “لما لها من منافع تفوق مضارها بالنسبة للحزب”، مبديةً أسفها لكون تعذّر ترسيم الحدود البحرية مع سوريا “سيعيق عمليات تلزيم الشركات عمليات التنقيب والحفر في البلوكات الشمالية للبنان”.
وكتبت “اللواء”: بصرف النظر عن الاعتبارات التي حدت بالجانب السوري الى هذه الخطوة، والتبريرات «الذرائعية» التي سبقت في معرض الاعلان عن عدم الجاهزية، فإنها في نظر مصادر دبلوماسية تشكل مفاجأة وصدمة في وقت واحد، تعيد الى الأذهان مسألة تحديد هوية مزارع شبعا، وانتخاب التوقيت المناسب لهذه الخطوة، وتطرح مسألة «الخطأ اللبناني» في تقرير ما يتعين فعله، ومتى وكيف؟
مصدر الخبر
للمزيد Facebook