أخبار محلية

السفراء يحذّرون من الفراغَين

كشفت مصادر ديبلوماسية لـ«الجمهورية» ان لقاءات ومداولات جرت في الآونة الاخيرة بوتيرة مكثفة بين بعض السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية في بيروت، حول الوضع في لبنان، وما رشح منها، نقل الى بعض المستويات الرسمية في الدولة، ويؤشر الى تقييم سلبي ومخاوف من تدرّج الوضع الى حال من عدم الاستقرار.

وبحسب المصادر فإن المداولات الديبلوماسية، قرأت بإيجابية بالغة انجاز اتفاق ترسيم الحدود البحرية بين لبنان واسرائيل، والتقَت على اعتباره يتمتّع بجدوى كبيرة على الطرفين، وعاملاً اكيداً لتعزيز الاستقرار في المنطقة، الا ان مقاربتها للداخل اللبناني شابَها حَذر وقلق من المسار السلبي القائم، اكان بالنسبة الى تعطيل تشكيل الحكومة، او بالنسبة الى العقبات التي تعطل الاستحقاق الرئاسي وتمنع انتخاب رئيس جديد للجمهورية».

وفي التقييم الديبلوماسي كما تقول المصادر، انّ استقرار لبنان مهدد، وتشكيل حكومة وانتخاب رئيس، يشكلان عامل استقرار اكيدا، ومعزّزا له، وفرصة للانتقال بالشعب اللبناني من واقعه الصعب، الى واقع افضل.

ويضيف التقييم، والكلام للمصادر عينها: اللبنانيون يتوقون الى الانفراج، وبالتالي فإنّ مسؤولية القادة السياسيين تكمن بالدرجة الاولى في التوافق عاجلاً على تشكيل حكومة، تقود مهمة التعافي، وتسرّع بما يتطلبه اخراج لبنان من ازمته الاقتصادية والمالية الصعبة، من اصلاحات عاجلة وشاملة، وتفتح باب التعاون مع المجتمع الدولي، والمؤسسات المالية الدولية. وثمة فرصة مؤاتية لانتعاش الوضع في لبنان وَفّرها صندوق النقد الدولي باستعداده لعقد برنامج تعاون مع الحكومة اللبنانية، الا ان استثمار هذه الفرصة بيد اللبنانيين، فلبنان في حاجة ماسة الى برنامج التعاون مع صندوق النقد، وتأخير تشكيل الحكومة، قد لا يؤخّر فقط برنامج التعاون المنتظر، بل قد يعطّله ويرحّله الى مَديات بعيدة، خصوصا انّ لدى صندوق النقد الدولي كمّاً هائلاً من طلبات المساعدة والتعاون معه من دول متعثرة مثل لبنان.

اما في الشقّ الرئاسي، تضيف المصادر الديبلوماسية، فإن مقاربة السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسيّة لانتخابات رئاسة الجمهورية اتّسَمت بالسلبية، تبعاً للمواقف المتباعدة بين السياسيين. وخَلصت الى كلام مباشر تمّ ابلاغه الى المستويات المسؤولة في لبنان، مفاده انّ هذا البلد مرّ بمراحل سابقة من دون انتخاب رئيس للجمهورية، دخل فيها اللبنانيون في تجارب ومعاناة كبيرة، وتكرار هذه التجربة في الظرف الذي يعانيه لبنان حالياً يثير المخاوف من أن يؤدي ذلك الى اتساع المأزق اللبناني الى معاناة اكبر واصعب ومخاطر تفوق قدرة اللبنانيين على تحمل تداعياتها واثارها السلبية. ومن هنا، لا نرى سبيلا امام اللبنانيين سوى انتهاج حوار مسؤول يفضي الى توافق فيما بينهم على انتخاب رئيس جديد للبلاد، يجنّب لبنان فراغا في رئاسة الجمهورية، وفراغا على المستوى الحكومي. وبكلام اكثر صراحة يجنّب لبنان الانهيار والضياع. وهو ما حذرت منه بكل وضوح وزيرة الخارجية الفرنسية قبل ايام في بيروت.

وكشفت المصادر الديبلوماسية، ربطا بمداولات السفراء وممثلي البعثات الديبلوماسية، عن توجّه لتزخيم حركة الموفدين الغربيين، والاوروبيين منهم على وجه الخصوص، وبمستويات رفيعة، في اتجاه بيروت في الآتي من الايام ربطاً بالاستحقاق الرئاسي، والفرنسيون اكثر المهتمين بهذا الاستحقاق. والغاية الاساس هي مساعدة اللبنانيين على كسر التعقيدات القائمة، وصياغة تفاهم فيما بينهم يفضي في نهاية الامر الى انتخاب رئيس جديد للجمهورية، يشكل انتخابه فاتحة لمسار إخراج لبنان من أزمته، وهذا ما يتوخاه اللبنانيون.

وسألت «الجمهورية» مصدرا مسؤولا عن المداولات الديبلوماسية، فقالت: في الماضي حذّرونا من التايتانيك وتجاهلنا تحذيراتهم فغرقنا معها الى الدرك الاسفل. لم يخطىء من قال ان اصدقاء لبنان حريصون عليه اكثر من اللبنانيين انفسهم، كل الزوار، وآخرهم وزيرة الخارجية الفرنسية.

اضاف: لست متشائما على المدى البعيد، فسنصعد بالتأكيد من القعر، وفي امكاننا الآن ان نقرب موعد الصعود، اذا ما قررنا ان نتحلّى بشيء من المسؤولية الوطنية تجاه لبنان واللبنانيين. واذا ما اقتنع البعض بأن منطق التحدي لا يمكن ان ينجب رئيساً. ولكننا في حالتنا السياسية الراهنة، أشبَه بشراذم متفرقة، وغارقة في حال من انعدام التوازن، يتطلب الاستيقاظ منها بعض الوقت. وفي هذه الحالة يستحيل إنضاج الطبخة الرئاسية داخلياً مع مكونات تبتزّ بعضها البعض، وبعضها ألزمَت نفسها بسقوف عالية وحسمت خياراتها بتغليب الافتراق على الاتفاق. لكن التحدي الأكبر الذي سيواجه الجميع بعد انتهاء ولاية رئيس الجمهورية، هو كيفية مواجهة الفراغ، وكيف يمكن ان يُدار جسم بلا رأس.

وتابع المصدر المسؤول قائلاً: بلورة هوية الرئيس الجديد للجمهورية، فالاجماع او شبه الاجماع عليه، يمكن تحقيقه بالتأكيد، بالجلوس على الطاولة بإرادة مسبقة وصادقة ببلوغ التوافق، بمعنى ان نجتمع ولا نخرج قبل الاتفاق، وهو امر مُتاح الآن وقبل انتهاء الولاية الرئاسية، فيكون جميع الاطراف شركاء في انضاج الاستحقاق الرئاسي. ولكن أن يصرّ البعض على ان «يركب راسو»، فلن ينال سوى وجع الرأس، ولن تجري السفينة بما تشتهي أهواؤه، وفي النهاية لا مفر من التوافق. علماً ان هناك سبيلين لبلوغ التوافق لا ثالث لهما، الاول داخلي سهل واسرع، عبر حوار عاجل ونقاش مسؤول بين الجميع، يُفضي الى اختيار طوعي وبالتوافق، للرئيس العتيد. واما السبيل الثاني فخارجي، قد تفرض سلوكه إرادة عابرة للحدود، تكتب باللغات الفرنسية، والاميركية، والعربيّة الشقيقة، والاقليمية الصديقة، نهاية لهذه الدوّامة، وتبلور هويّة الرئيس الجديد، وتقود مكونات الصراع الداخلي، وأولهم «راكبو رؤوسهم»، الى انتخابه صاغرين، فهل هذا هو المطلوب؟


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى