موسيقات بعبدات يعود ينسخته السادسة: باخ وشومان وبرامز لكلّ الناس

يعود مهرجان Les Musicales de Baabdath  هذه السنة بدورته السادسة بعد غياب قسري تام أو تعثّر نسبي في المواسم الثلاثة السابقة، بفعل الانتفاضة الشعبية في تشرين الأول 2019 وبسبب جائحة كورونا في عامي 2020 و2021. المهرجان الجديد نسبياً، وها هو يعود اليوم إلى النقطة التي توقّف عندها قبل أربع سنوات، في محاولة لإعادة إطلاق مسار تطوّري للسنوات المقبلة التي قد تحضن هذه الرغبة أو تعطّلها. لا شيء أكيداً سوى أننا سنبقى في حالة الـ”لا شيء أكيد”.

ارتأى المنظّمون أن الترجمة العربية لاسم المهرجان هي “موسيقيات بعبدات” بحسب البيان الرسمي للدورة الحالية، في حين يمكن اجتهاد وتبنّي اسم «موسيقات بعبدات»، علماً أن الدقّة غائبة في الحالتَين. وهذا المهرجان، في فئته، أي الموسيقى الكلاسيكية الغربية، هو الأجدد بعد “بيروت ترنّم” و”البستان”، مع الإشارة إلى أنّه متخصّص في فئة موسيقى الحُجرَة. كما يتشارك المهرجان مسألة مجّانية حضور الأمسيات مع “بيروت ترنّم”، صاحب الريادة في هذا المجال، كما أنه لناحية مدّة المهرجان وعدد أمسياته والأهمية الفنية أي التصنيف العالمي للفنانين المدعوّين ونسبتهم من مجمل المشاركين، يأتي المهرجان بعد “بيروت ترنّم” ويبتعد بشكل ملحوظ عن الأول، أي “مهرجان البستان” لناحية الأهمية. وباستثناء فتح أبوابه للجميع بدون تمييز ولا مقابل مادي، لا يعمل المهرجان كثيراً على مسألة نزع أو التخفيف من صفة النخوية عنه وعن الموسيقى التي يقدّمها، وهي صفة تبقى أقلّ حدّةً وسرياليةً  من الوصمة الأرستقراطية أو البرجوازية التي أُلصِقَت جزافاً بالكلاسيك وفي الحالة اللبنانية تضاف تلقائياً هنا صفة “فرنكوفونية” رغم انحسار الأخيرة في العقود الثلاثة الأخيرة والتي نشعر فعلاً أنها الأقل التصاقاً بـ”بيروت ترنّم” مقارنةً بزميلَيه.

لا شك في أن مستوى الدورة لائق وشيّق جداً، نسبةً إلى ما يمكن إنجازه حالياً في ظل القيود، المصرفية أولاً، وغيرها طبعاً. لا بل يمكن الجزم بأن البرنامج يحمل أمسيةً لا نعتقد أن لبنان شهد مثيلاً لها في تاريخه ونقصد المحطة الثانية (21/10) التي يحييها عازف البيانو النمسَوي الشاب الواعد جداً آرون بيلسان في “كنيسة القديس يوسف” في الأشرفية (كل المواعيد الأخرى تجري في “الكنيسة الجديدة” في بعبدات) وفيها يؤدي عملاً ضخماً لباخ هو الكتاب الأول من تحفته المسمّاة The Well-tempered Clavier الذي تبلغ مدّة أدائه حوالي ساعة وثلاثة أرباع الساعة ويحوي 48 مقطوعة مقسّمة إلى 24 وحدة، تتألف كل منها من مقدّمة و”فوغ” (fugue) على النغمة نفسها، وكل وحدة مبنية على نغمة من النغمات الـ24 في السلّم الموسيقى الغربي، 12 على السلّم الكبير (major) و12 على السلّم الصغير (minor). بيلسان الذي سجّل هذا العمل قبل سنتَين ونال عنه تقدير النقّاد (5 “ديابازون” ، يقدّم ريسيتالاً ثانياً مساء الأحد المقبل في “الكنيسة الجديدة”- بعبدات” ببرنامج مختلف (إينسكو، لِيسْت، شومان وعمل لليد اليسرى لبرامز مبني على الـ«شاكون» الشهير لباخ وهو للكمان المنفرِد بالأساس).  أما الافتتاح هذه الليلة، فهو من نصيب الأطفال والكبار أيضاً وفيه نسمع “بيار والذئب” لبروكوفييف بصوت إيتيان كوبيليان.

من جهة ثانية، يعود عازف البيانو الأردني من أصل فلسطيني كريم سعيد إلى بيروت بعدما زارها مؤدّياً “تنويعات غولدبرغ” لباخ، ويجمع حوله موسيقيين لبنانيين هاجروا إلى عمّان ليكونوا جزءاً من أوركسترا من تأسيسه (جنى سمعان، إيهاب جمّال، ريبال ملاعب، بالإضافة إلى موسيقيين آخرين) في أمسيتَين (25 و27 الجاري) نسمع خلالهما أعمالاً جرمانية بشكل أساسي، رومنطيقية بغالبيّتها، من فئة الحُجرَة لبيتهوفن ومندلسون وبرامز وشومان وبروخ وموزار، في حين ينفرد العازف المرموق بقطعة لشوبان. أما الجديد في سياسة المهرجان، فهي أمسية الجاز التي تفصل بين شطرَي الدورة، ويحييها عازف البيانو الأرمني اللبناني أرتور ساتيان (3/11) مع رفيقَيه ختشاتور سافزيان (كونترباص) وفؤاد عفرا (درامز). يلي الجاز مع ثلاثة من أفضل رموزه المحليين أمسية تمتد من باخ حتى كوميداس (6/11)، مع موهبتَي الكمان اليافعتَين كيفن كنعان وآني ميليكيان اللذين ترافقهما في بعض المحطات ليانا هاروتونيان (بيانو). قبل الختام، موعدٌ في الثامن من الشهر المقبل مع ثلاثي ألماني (كمان/ تشيلّو / بيانو) يؤدّي أعمالاً لشوبرت ومندلسون وبولنك، بالإضافة إلى عمل للمؤلف اللبناني الراحل توفيق سكّر، في حين تُختتم الدورة في 12 تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل مع مجموعة من الطلاب الموسيقيين الذين سيخضعون لصفوف خاصّة على أيدي الضيوف الموسيقيين المحترفين خلال المهرجان، في حين برنامجهم لهذه الأمسية لم يُحدّد بعد.