عون: لبنان وافق على الصيغة النهائية لاتفاقية ترسيم الحدود و لا تطبيع
أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون في كلمة وجهها إلى اللبنانيين، اليوم الخميس، موافقة لبنان على اعتماد الصيغة النهائية التي أعدها الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين بشأن ترسيم الحدود البحرية.
وأكد عون أن “هذه الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقنا كاملة”، شاكراً “كل من وقف إلى جانب لبنان في هذا الإنجاز الذي ما كان ليتحقق لولا وحدة الموقف اللبناني وصلابته في مقاومة كل الضغوط وفي عدم تقديمه أي تنازلات جوهرية، وعدم دخوله في أي نوع من أنواع التطبيع المرفوض”.
وشدّد رئيس الجمهورية على أن “لبنان حافظ على حدود المعلنة بالمرسوم 6433 وعلى كامل بلوكاته وحقل قانا كاملاً، إضافة إلى ضمانات أميركية وفرنسية بالاستئناف الفوري للأنشطة البترولية في المياه البحرية اللبنانية”.
وأضاف: “من حق لبنان أن يعتبر أن ما تحقق بالأمس هو إنجاز تاريخي لأننا تمكنا من استعادة مساحة 860 كيلومتراً مربعاً كانت موضع نزاع ولم يتنازل لبنان عن أي كيلومتر واحد لإسرائيل كما استحصلنا على كامل حقل قانا من دون أي تعويض يدفع من قبلنا على الرغم من عدم وجود كامل الحقل في مياهنا”.
كذلك، أكد عون على أنه “في هذا الاتفاق، لم تُمس حدودنا البرية ولم يعترف لبنان بخط الطفافات الذي استحدثته إسرائيل عام 2000، ولم يقم أي تطبيع مع إسرائيل ولم تعقد أي محادثات أو اتفاقيات مباشرة معها”.
وتابع قائلاً: “التعويضات التي طالبت بها اسرائيل عن قسم من حقل قانا الواقع في المياه المحتلة فستنالها من شركة توتال من دون أن يؤثر ذلك على العقد الموقع بين لبنان و”توتال”.
وأكمل: “لقد نصّ الاتفاق على ترسيم الحدود على كيفية حل أي خلافات في المستقبل، أو في حال ظهور أي مكمن نفطي آخر مشترك على جانبي الحدود ما يضفي طمأنينة وشعوراً أقوى بالاستقرار على طرفي الحدود”.
وفي ما يلي نص الكلمة كاملة:
“أيتها اللبنانيات، أيها اللبنانيون،رسالتي إليكم اليوم سوف تتناول موضوعا واحدا يتعلق بالمفاوضات الشاقة والصعبة التي خاضها لبنان في السنوات العشر الماضية، لترسيم حدوده البحرية الجنوبية واستخراج نفطه، والتي وصلت إلى نهاية إيجابية أتمنى أن تكون بداية واعدة تضع الحجر الأساس لنهوض اقتصادي يحتاجه لبنان من خلال استكمال التنقيب
عن النفط والغاز، ما يحقـق استقرارا وأمانا وإنماء يحتاج إليها وطننا لبنان، وعليه، وبعد التشاور مع رئيس مجلس النواب السيد نبيه بري ورئيس الحكومة السيد نجيب ميقاتي، وبصفتي رئيس الدولة، وبعد إبلاغي من الرئيس الأميركي جو بايدن موافقة إسرائيل، وبعد إعلان الحكومة الإسرائيلية موافقتها، أعلن موقف لبنان بالموافقة على اعتماد الصيغة النهائية التي أعدها الوسيط الأميركي لترسيم الحدود البحرية الجنوبية، بانتظار توقيع النصوص اللازمة من الجانب الأميركي والجانب الإسرائيلي وفقا للآلية المعتمدة في الاتفاق.
إن هذه الاتفاقية غير المباشرة تتجاوب مع المطالب اللبنانية وتحفظ حقوقنا كاملة. وأشكر كل من وقف إلى جانب لبنان في هذا الإنجاز الذي ما كان ليتحقق لولا وحدة الموقف اللبناني وصلابته في مقاومة كل الضغوط، وفي عدم تقديمه أي تنازلات جوهرية، وعدم دخوله في أي نوع من أنواع التطبيع المرفوض.
أيها الأحباء، تعلمون من دون شك، أن ما وصلنا إليه بالأمس في ملف الترسيم البحري، ولاحقا التنقيب ثم الاستخراج، لم يكن وليد الساعة، بل هو ثمرة مسيرة طويلة بدأت فعليا في العام 2010 عندما أعدت وزارة الطاقة والمياه التي كان يتولاها الوزير جبران باسيل، مشروع قانون الموارد البترولية في المياه البحرية اللبنانية والذي تم إقراره في مجلس النواب في 17 آب 2010، ثم إصدار 25 مرسوما تعنى بالقواعد والأنظمة التي ترعى الأنشطة البترولية، وتعيين هيئة إدارة قطاع البترول في العام 2012 . كما كان إنجاز المسوحات الجيوفيزيائية الثنائية والثلاثية الأبعاد وتحليلها، وتأسيس غرفة المعلومات.
وفي شهر أيار من العام 2013، أعلن عن إطلاق دورة التراخيص الأولى في المياه البحرية اللبنانية على أمل إقرار مرسوم تقسيم المياه البحرية إلى بلوكات، ومرسوم نموذج عقد الاستكشاف والإنتاج الذي يفترض أن يوقع مع الشركات الفائزة.
وجذب إطلاق دورة التراخيص الأولى 54 شركة من كبريات الشركات العالمية التي أبدت رغبتها بالحصول على التراخيص،غير أن المماحكات السياسية والحجج التي تذرع بها البعض، وسعي البعض الآخر إلى عرقلة المشاريع الحيوية التي كان يعمل عليها الفريق الوزاري الذي يمثلنا في الحكومات المتعاقبة لأسباب سياسية بحتة، أدت إلى تجميد تلك الاندفاعة ووقف المرسومين، واستمر هذا الوضع على هذه الحال أكثر من أربع سنوات.
وعندما وصلت إلى الموقع الرئاسي الأول، كان همي فك القيود التي أعاقت المسيرة لأني كنت أدرك ما يعني أن يكون لبنان بلدا نفطيا. لذلك كان إصراري في أول جلسة لمجلس الوزراء التي عقدت في كانون الثاني 2017 بعد نيل الحكومة الثقة، على إدراج المرسومين المتبقيين لإقفال دورة التراخيص، في البند الأول لجدول الاعمال، وبعد إقرارهما أطلقت دورة التأهيل تمهيدا لدورة التراخيص.
في غضون ذلك، وافق مجلس الوزراء على انضمام لبنان إلى مبادرة الشفافية في الصناعات الاستخراجية، وبذلك أصبح لبنان الدولة الثانية والخمسين المنضمة إلى هذه المبادرة. وفي آذار 2017، تأهلت 54 شركة للمشاركة في دورة التراخيص الأولى التي أقفلت في 12 تشرين الأول 2017، وفاز بعقود الاستكشاف والإنتاج في البلوكين 4 و9 ائتلاف واحد مؤلف من شركة ” توتال” الفرنسية و” ايني” الإيطالية و” نوفاتك” الروسية .
وفي 27 شباط 2020، تابعت ميدانيا مباشرة السفينة العائدة لشركة “توتال” حفر البئر الأول في البلوك رقم 4، لكن العمل توقف لأسباب لم أقتنع بها، وبالتزامن مع الحصار والانهيار الذي راح لبنان يرزح تحته.
أيها الأحباء، في موازاة العمل على التنقيب عن النفط والغاز، كان على لبنان أن يفعّل عملية ترسيم حدوده البحرية لا سيما الجنوبية منها، وتصحيح أخطاء وقعت في الترسيم مع قبرص، استغلته إسرائيل لترسل الى الأمم المتحدة الخط رقم واحد، فما كان من لبنان إلا أن أرسل الى الامم المتحدة الخط 23 الذي كان تحدد بموجب المرسوم 6433 في العام 2011.
إلا أنه مضت سنوات طويلة من التفاوض والمباحثات حول الحدود البحرية ولم يتحقق سوى تقديم الوسيط الأميركي آنذاك “هوف” الخط الذي عرف باسمه، والذي رفضناه. وتوالى عدد من الوسطاء الأميركيين من دون الوصول إلى صيغة يقبل بها لبنان، إلى أن تولى الوسيط آموس هوكشتاين المهمة، واستؤنفت المفاوضات بين 11 آب 2021 و10 تشرين الأول 2022، حين تم التوصل إلى اتفاق غير مباشر حافظ خلاله لبنان على حدوده المعلنة بالمرسوم 6433 من العام 2011، وعلى كامل بلوكاته، إضافة إلى حقل قانا كاملا من دون المس بحصة لبنان فيه بحسب العقد الموقع مع المشغل الدولي، إضافة الى ضمانات أميركية وفرنسية بالاستئناف الفوري للأنشطة البترولية في المياه البحرية اللبنانية.
أيها الأحباء، من حق لبنان أن يعتبر أن ما تحقق بالأمس هو إنجاز تاريخي، لأننا تمكنا من استعادة مساحة 860 كيلومترا مربعا كانت موضع نزاع ولم يتنازل لبنان عن أي كيلومتر واحد لإسرائيل، كما استحصلنا على كامل حقل قانا من دون أي تعويض يدفع من قبلنا على الرغم من عدم وجود كامل الحقل في مياهنا. كذلك لم تمس حدودنا البرية ولم يعترف لبنان بخط الطفافات الذي استحدثته إسرائيل بعد انسحابها من أراضينا في العام 2000، ولم يقم أي تطبيع مع إسرائيل، ولم تعقد أي محادثات أو اتفاقيات مباشرة معها.
أما التعويضات التي طالبت بها عن قسم من حقل قانا الواقع في المياه المحتلة، فستنالها من شركة ” توتال” من دون أن يؤثر ذلك على العقد الموقع بين لبنان و”توتال”. ولقد نص الاتفاق على كيفية حل أي خلافات في المستقبل، أو في حال ظهور أي مكمن نفطي آخر مشترك على جانبي الحدود، ما يضفي طمأنينة وشعورا أقوى بالاستقرار على طرفي الحدود.
أيها اللبنانيون، على الرغم من العراقيل الداخلية التي برزت في ملف النفط والغاز، وعلى الرغم من الضغوط الخارجية التي مورست علينا لمنعـنا من الاستفادة من ثروتنا الغازية والنفطية، فقد أصبح لبنان بلدا نفطيا، وما كان رواية أو حلما، بات اليوم حقيقة بفعل ثباتـنا بمواقـفنا وتضامننا وتمسكنا بحقوقنا. وتكرس ذلك بالقوانين والمراسيم والمسوحات والتلزيم والعقود والتنقيب الذي بدأ. وفي الاتي من الأيام، سيكون على شركة “توتال” أن تبدأ اعمال التنقيب في حقل قانا كما وعدت، لنعوض السنوات التي مضت من دون أن نتمكن من استخراج النفط والغاز، في وقت كانت فيه اسرائيل تواصل عمليات التنقيب والاستخراج، ما أحدث خللا في الموازين النفطية.
إلا أننا بتنا قادرين اليوم، بعدما استعـدنا زمام المبادرة، بفضل المثابرة والجهد والدفاع عن ما هو حق لنا وللأجيال المقبلة التي نأمل أن تعيش في زمن أفضل من الزمن الذي عشنا فيه. وأن ينشأ الصندوق السيادي الذي يحفظ لها العائدات بحسب اقتراح القانون المقدم بهذا الشأن.
لقد كانت حقول النفط 8 و9 و10 في المنطقة الاقتصادية الخالصة، مهددة، إلا أننا استطعنا بفضل الاتفاق، أن نحافظ عليها ونحميها وسوف نستثمرها بالكامل، لا بل إن مسار التنقيب سيفتح أبوابا في مكامن نفطية جديدة، ويوفر الفرص لشركات أخرى للمساهمة في عمليات التنقيب والاستخراج، ما يعيد الثقة بوطننا ويعزز الأمل بنهوض اقتصادنا من جديد من الهاوية التي أسقـط فيها.
والخطوة التالية يجب أن تكون التوجه الى عقد محادثات مع سوريا لحل المنطقة المتنازع عليها معها وهي تزيد عن 900 كيلومتر مربع، وذلك عن طريق التباحث الأخوي. كذلك تنبغي مراجعة الحدود المرسومة مع قبرص وتقرير ما يتوجب القيام به مستقبلا.
وإني إذ أهدي هذا الإنجاز لكم أيها اللبنانيون، أود باسمكم أن أشكر رئيس الولايات المتحدة الأميركية جو بايدن وخصوصا الوسيط الأميركي آموس هوكشتاين وفريق عمله، والسفيرة الأميركية في بيروت ومساعديها. كما أشكر الدولة الفرنسية ورئيسها الصديق ايمانويل ماكرون ومعاونيه، والسفيرة الفرنسية في بيروت ومساعديها على متابعة مسار المفاوضات، لا سيما مع شركة ” توتال”.
كما أشكر الأمم المتحدة التي استضافت جزءا من المفاوضات في الناقورة، والتي ستستضيف عملية الإنهاء اللازم للمفاوضات، والدول الشقيقة والصديقة التي وقفت الى جانب الحق اللبناني ودعمته، مقدرا خصوصا دولة قطر وأميرها الشيخ تميم بن حمد آل ثاني للاهتمام الذي أبدته بالاستثمار في لبنان لتعزيز الاستقرار فيه.
والشكر موصول أيضا لرئيس مجلس النواب السيد نبيه بري، ورئيس الحكومة السيد نجيب ميقاتي، ونائب رئيس مجلس النواب السيد الياس بو صعب الذي قاد في الأشهر الأخيرة مع أعضاء الفريق من عسكريين وخبراء وفنيين، مفاوضات صعبة وقاسية. كما أشكر سائر المسؤولين الذين تعاقبوا على هذا الملف في وزارتي الطاقة والمياه والخارجية، وهيئة إدارة قطاع النفط رئيسا وأعضاء، وقيادة الجيش وخصوصا رئيس وأعضاء الفريق المفاوض، والقيمين على مصلحة الهيدروغرافيا، وسائر الخبراء والفنيين الذين ساعدوا من خلال خبرتهم وعلمهم في إنجاح مسار المفاوضات.
أما أنتم، أيتها اللبنانيات وأيها اللبنانيون، فالشكر مضاعف لكم لأنكم، من خلال صمودكم وثباتكم ونضال مقاومتكم التي أثبتت أنها عنصر قوة للبنان، ساهمتم في تحصين الموقف اللبناني في التفاوض، كما في المواجهة،وحقـقـتـم هذا الإنجاز، لكم وللأجيال الآتية، كل ذلك من أجل رفعة وطنكم وتقدمه وازدهاره وراحة أبنائه.عشتم وعاش لبنان”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook