آخر الأخبارأخبار محلية

غياب القرار الماروني عن انتخاب الرئيس

كتبت هيام قصيفي في” االأخبار”: كان رئيس الجمهورية الماروني رمزاً للدور الماروني الفاعل في بنيان دولة لبنان الكبير والاستقلال، ويكاد يصير رمزاً لدولة تتنازعها الحروب والانقسامات، ولم يعد يشكل أولوية في سلّم الاهتمامات السياسية بعدما صارت سنوات الفراغ تعادل عهداً رئاسياً كاملاً. مع انتخاب الرئيس ميشال عون، بدا أن الموارنة هم الذين انتخبوا رئيسهم، لكن واقع التسويات يُعيد السؤال إلى المربع الأول: هل يصل إلى رئاسة الجمهورية من يريده الموارنة، أو هل لا يزال في إمكانهم إيصال رئيس للجمهورية يمثلهم، وأي دور للتكتلات الكبرى في اختيار الرئيس ولو مع تسويات سياسية مع قوى محلية وإقليمية؟ ما قبل الحرب وبعدها، مشهدية الأحزاب السياسية في إيصال رئيس للجمهورية، توازيها تجارب التكتلات الكبرى في الوقوف إلى جانب الرئيس أو مخاصمته حتى إسقاطه شعبياً ومنع التمديد له. وفي استحقاق عام 2022، يعود دور القوى الحزبية، فيما تغيب المرجعيات المارونية والشخصيات القيادية الفاعلة. لكن هذه القوى قد لا تجد مفراً من الخضوع لتأثيرات خارجية فتُعيد تجربة الدوحة وانتخاب رئيس تسوية غير ممثل للرأي العام المسيحي الماروني سواء كان عسكرياً أو مدنياً.

من الصعوبة الجزم بأن أي رئيس ماروني هو وليد اختيار الموارنة المطلق له. وإن كان زعماء الموارنة أتوا رؤساء جمهورية، كبشارة الخوري وكميل شمعون وسليمان فرنجية وبشير الجميل وميشال عون. لكن التسويات التي أتت بهم إلى كرسي الرئاسة، غطّت على زعامتهم. فقبل الحرب وبعدها تغير شركاء التسوية من السنة والدروز إلى الشيعة والسنة، عدا توافق القوى الإقليمية على شخص الرئيس الآتي أحياناً كثيرة على وقع علاقات ومحاور إقليمية ودولية.

اليوم تصبح لاختيار رئيس الجمهورية حيثيات مختلفة في بلد تطور فيه النظام السياسي وتبدلت معالمه بسبب الحرب وارتفاع أو تراجع تأثير الأحزاب المسيحية وهاجس الديموغرافيا والمتغيرات السياسية الإقليمية والدولية. وإذ أصبحت نزعة الرئيس القوي عنواناً جذاباً، يبقى للأحزاب المسيحية دور يتقدم أو يتقلص في صياغة حضورها في رئاسة الجمهورية، في اختيار الرئيس أو في الوقوف إلى جانبه أو معارضته. من الكتلة الدستورية والكتلة الوطنية إلى الكتائب والأحرار والقوات اللبنانية والتيار الوطني الحر والمردة، إلى تجربة الجبهة اللبنانية، وتجمعات نيابية مستقلة وأخيراً قرنة شهوان. لكل من هذه الأحزاب والتكتلات تأثيرها إن لم يكن في الانتخابات الرئاسية مباشرة إنما في الحضور السياسي الذي ساهم في معارضة أو دعم الرئاسة الأولى.
لم يأت كميل شمعون رئيساً بفعل حزب الوطنيين الأحرار الذي أسّسه بعد خروجه من الحكم، ولم ينتخب رئيس حزب الكتائب بيار الجميل رئيساً للجمهورية، ولم يأت أمين الجميل رئيساً بفعل حزب الكتائب بل بفعل اغتيال شقيقه قائد القوات اللبنانية بشير الجميل، ولم ينتخب عميد الكتلة الوطنية ريمون اده المرشح الدائم لرئاسة الجمهورية رئيساً. خرق بشير الجميل وميشال عون المسار الرئاسي، لكن عهد قائد القوات اللبنانية لم يبدأ، وعهد قائد التيار الوطني الحر ينتهي على وقع خضّات سياسية وأمنية واقتصادية غير مسبوقة. وبين الكتل الحزبية والتكتلات السياسية، ثمة مساحات سياسية مؤثرة أسهمت في وضع إطار حماية للرئاسة وتأمين الظروف الأفضل ومواجهة التحديات التي تواكب الانتخابات. من الحلف الثلاثي إلى الجبهة اللبنانية فقرنة شهوان، ثلاثة نماذج مختلفة ساهمت في ظروف سياسية متناقضة، في أن تحول الساحة المارونية عصباً حياً، وتجعل من الرئاسة خصماً أو حليفاً، وفي كلا الحالتين تحت سقف رؤية لدور الرئاسة خارج إطار المماحكات المحلية والتأثيرات الإقليمية.

وقف الحلف الثلاثي ضد الشهابية، لكنه أوصل الرئيس سليمان فرنجية، إنما بفعل القدرة على تأمين أصوات إسلامية له، ورضى إقليمي عليه. ووقفت الجبهة اللبنانية إلى جانب الرئاسة الأولى من سليمان فرنجية (وإن افترقا لاحقاً) إلى الرئيس الياس سركيس وبشير الجميل حكماً. ووقفت قرنة شهوان معارضة لرئاسة الجمهورية يوم كان الرئيس اميل لحود مساهماً في فرض الوصاية السوريّة، وفي توقيف المعارضين، وقمع الحريات، وذهبت أبعد ما ذهب إليه راعيها البطريرك مار نصرالله بطرس صفير في دعم إنهاء تمديد لحود في ظل تطورات عام 2005.
قد تكون تجربة قرنة شهوان أكثر تمايزاً من تجربة الجبهة والحلف الثلاثي، فالقرنة التي بنت نفسها على قاعدة غير حزبية وإن ضمت ممثلين لأحزاب مسيحية، إلا أنها ساهمت في أكثر المراحل دقة من تاريخ لبنان الحديث في تقديم صورة مختلفة عن الحسابات السياسية الضيقة، وعملت على تأطير جهد جماعي في مواجهة سوريا والنظام الأمني ورئاسة الجمهورية حين غطت الارتكابات التي مورست ضد المعارضة. لكن ما ميز القرنة أنها أخرجت الشارع المسيحي للمرة الأولى من الثنائيات الحزبية ومن سطوة الأحزاب في مجتمع عرف أكبر هزة اجتماعية وسياسية وأمنية في الثمانينيات نتيجة الاقتتال المسيحي الداخلي. ولعل تلك كانت أكبر «خطايا» القرنة في مواجهة أحزاب متجذّرة تضع أمامها عنوان قيادة المجتمع المسيحي تحت أي عنوان: الحصول على الأكثرية النيابية والحصة الوزارية الأكبر والتعيينات ورئاسة الجمهورية لمن هو أكثر تمثيلاً. وكان أول ما فعلته الثنائيات الحزبية حين عادت للتحكم في الساحة المسيحية أن أطاحت بالقرنة والمستقلين، على طريق برمجة العودة مجدداً إلى القيادة برأسين. وهذه القيادة ستكون اليوم أمام محكّ انتخاب رئيس للجمهورية. وهذا الاستحقاق، يحملها مسؤولية مزدوجة في اختيار الرئيس العتيد، على أعتاب تسويات جديدة.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى