آخر الأخبارأخبار محلية

​ الحكومة أم الترسيم… أيهما قبل؟

 


أظهرت أولى الجلسات الإنتخابية الرئاسية أن البلاد ذاهبة غصبًا عنها إلى مرحلة من الفراغ، قد يكون طويلًا أو قصيرًا وفقًا لما يمكن أن تعكسه الأجواء الإقليمية على الداخل اللبناني. فإذا كانت المعطيات سلبية فإن “الفراغ” الرئاسي سيكون طويلًا. أما إذا كانت إيجابية فإن مرحلة “الفراغ” ستكون قصيرة.  

 
إذًا، الموضوع بكل صراحة ليس في يد اللبنانيين المحكومين بـ”الثلث المعطّل”، وهو سلاح يملكه كلا الطرفين، بإعتبار أن التوافق الذي طالب به الرئيس نبيه بري غير متوافر، أقّله في المرحلة الحاضرة، بعدما لجأ كل فريق إلى مواقف عالية السقوف من غير الممكن التراجع عنها إلاّ إذا إستجدّت أحداث معينة قد تفرض على الجميع الجلوس إلى طاولة واحدة والبحث في المخارج الممكنة. فمن دون نزول الجميع عن شجرة المواقف المتصلبة لا يمكن التوصّل إلى أي إتفاق رئاسي أو تسوية قد لا تكون بالضرورة شبيهة بتسويتي الدوحة، التي اتت بالعماد ميشال سليمان رئيسًا، أو تلك التي أوصلت العماد ميشال عون إلى بعبدا. فظروف اليوم، وبالتالي موازين القوى مختلفة عمّا كانت عليه في الماضي. فالبلاد الآيلة إلى إنهيار تام على كل المستويات لم تعد تحتمل المزيد من التسويات القائمة على “زغل”. 

ولأن لا خيار آخر أمام المسؤولين سوى خيار التوافق على حكومة بمواصفات كاملة لتملأ هذا “الفراغ”، الذي تكثر أوصافه، فإن هذا التوافق المفترض يحتمّ على معرقلي قيام حكومة بهذه المواصفات التوقّف عن وضع العصي في دواليب التأليف، التي باتت معالمه واضحة، أقّله بالنسبة إلى الرئيس المكّلف، الذي لم يضع أي شرط لإكتمال حلقات التأليف سوى شرط واحد، وهو ترك هذا الأمر محصورًا بيدي رئيس الجمهورية والرئيس المكلّف، المعنيين الوحيدين بهذا الملف، وفق منطوق الدستور، الذي تكثر الإجتهادات والتفسيرات الخاطئة في شأنه هذه الأيام. 
فالشروط التي لا يزال يضعها رئيس “التيار الوطني الحر” النائب جبران باسيل لن توصل إلى أي نتيجة حكومية، وستبقى البلاد تدور في حلقة من “الفراغ” إلى أن تتقطع كل أوصاله.  

من جهته، يحاول “حزب الله” إعتماد إستراتيجية التهدئة والإحتواء والإنتظار، وهو بات في جهوزية تامة تحضيرًا لإدارة “الفراغ الرئاسي”، من خلال الوساطة التي يقوم بها على خطّ تبريد “الجبهة الحكومية”، بالتزامن مع ما يرافق ملف ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل من بعض الإيجابيات.  
ويُضاف الى هذين الملفين الداخلي السياسي و”الحدودي الإقليمي”، الملف الإقتصادي الذي سجل إختراقًا في موضوع سعر الصرف الرسمي للدولار، مع ما يمكن أن ينتج عنه من إنفراجات مرتقبة من شأنها أن تعيد بعض التوازن إلى الحركة النقدية والمالية، وتعيد قليلًا من الثقة المفقودة بالقطاع المصرفي، بالتزامن مع إنكباب مجلس النواب في المرحلة الفاصلة على دراسة خطة التعافي الإقتصادية، التي أرسلتها الحكومة إلى البرلمان. 

واضح من كل هذه التطورات وهذا المنحى المستجد للأمور أن “حزب الله”، الذي إعتمد إستراتيجية “الورقة البيضاء” في الجلسة الرئاسية الأولى،  في صدد التحضير لمرحلة سياسية متناسبة مع طبيعة ومقتضيات المرحلة، تقضي بـ”تهدئة اللعبة السياسية” و”احتواء الغضب الشعبي”، وانتظار إنقشاع الرؤية الإقليمية والدولية. وهذه الإستراتيجية تنطلق من قراءة موضوعية للواقع الجديد الذي أفرزته الإنتخابات النيابية الأخيرة، بعدما تيقّن أنه لم يعد قادرًا على التحكم بمجريات الإستحقاق الرئاسي وفرض شروطه، وغير جاهز لأخذ خيارات حاسمة في شأنه. كما يدرك أن الوضع لا يمكن أن يستمر على هذا النحو في ظل أزمة شاملة مدمرة ونقمة شعبية محبطة، وانسداد الآفاق وعدم توافر حلول ومعالجات سحرية.  


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى