أخبار محلية

الرئاسة اللبنانية مجدداً الى قائد الجيش!


المراقب الأجنبي الذي شاهد وقائع جلسة انتخاب الرئيس اللبناني يضيع في محاولة فهم دهاليز مناورات أحزاب الممانعة، في جلسة أرادها رئيس مجلس النواب نبيه بري اختباراً للنوايا مع حفظ إدارة اللعبة الرئاسية وإبقائها في حوزته. فكيف يُفسر أن الثنائي الشيعي المتمثل بـ”حزب الله” و”أمل” وحلفائه المسيحيين، “التيار الوطني الحر” حزب صهر الرئيس جبران باسيل، وتيار “المردة” الذي يرأسه سليمان فرنجية وضعوا 63 ورقة بيضاء لأنهم غير متفقين على مرشح “حزب الله” سليمان فرنجية؟ وماذا يعني أن يصوّت طوني سليمان فرنجية نجل المرشح بورقة بيضاء؟

مشهد 63 نائباً يصوتون بورقة بيضاء مهزلة لمبدأ الديموقراطية وسخرية من رغبة رئيس مجلس النواب في اختبار النوايا وحفظ لعبة انتخاب الرئيس في حوزته. هل هو فشل لـ”حزب الله” في توحيد صف جماعته وراء مرشحه سليمان فرنجية أو لأنه لا يريده فعلاً لأن لفرنجية نائباً واحداً فقط ويفضّل إرضاء جبران باسيل وتياره كونه يخدمه بعدد أكبر من النواب المسيحيين، خصوصاً أن باسيل ليس مرشحاً وقد سبق له أن أبلغ بعض الجهات الخارجية انه غير مرشح “هذه المرة” كونه يعرف تماماً أنه لن يُنتخب لأسباب داخلية وخارجية بسبب العقوبات الأميركية.

واقع الحال أن مهزلة 63 ورقة بيضاء تُظهر أن المسار الديموقراطي بعيد كل البعد من “حزب الله”، إذ إنه يناور بعيداً من الحقيقة التي وعد فرنجية، بناءً عليها، بالرئاسة بعد فرض الرئيس ميشال عون في المنصب عام 2016. ولكن الواقع يناقض ذلك، فهو يسقط وعده بألاعيب الأوراق البيضاء التي لا تغش أحداً. واضح أن “حزب الله” يفضل باسيل على فرنجية حتى أنه طلب من الاثنين أن يتفقا قبل ذلك مدركاً أن جبران باسيل يريد كل النفوذ له مع إبقاء فرنجية رئيساً صورياً وتجريده من النفوذ. ولا شك في أن “حزب الله” أراد إرضاء حليفيه رئيس المجلس النيابي نبيه بري والمرشح سليمان فرنجية بمثل هذه المهزلة للقول إنه عاجز عن البت بين الخصمين، حليفيه فرنجية وباسيل ولكنه بحاجة أكثر الى باسيل لأنه يمثل عدداً أكبر مسيحياً من فرنجية، وهو خصم لسمير جعجع رئيس حزب “القوات اللبنانية”.

أما تصويت النواب الجدد المعروفين باسم التغييريين، فأظهر أنهم بعيدون كل البعد من التغيير. فعجزهم عن التوحّد وراء مرشح واحد واستخدام اسم رجل أعمال ناجح هو سليم ميشال إده من دون استشارته وإعلامه عبارة عن سذاجة سياسية أظهرت تفكك صف المعارضة السيادية والفوضى في صفوف النواب الجدد. فكان من الأفضل أن يعطوا للمرشح ميشال معوض الأصوات الـ11 التي أعطيت لسليم إده الذي لم يكن على علم بذلك والذي لا يصبو الى أي منصب رئاسي ومعروف عنه أنه رجل أعمال لامع يعطي الكثير للبنان، وهو بعيد من مثل هذه الطريقة في التعامل مع مسار انتخابي بدا أنه مهزلة. فلو حصل معوض على الأصوات الـ11 الإضافية لكانت رسالة المعارضة السيادية أقوى بوجه أحزاب الممانعة التي امتنعت فعلياً عن التصويت للمرشح سليمان فرنجية لأنه بالعمق ليس مرشحهم، ولكن “حزب الله” حريص على مسايرته.

في النهاية سيبقى الفراغ الرئاسي لمدة تساهم في زيادة منسوب التدهور في لبنان حتى يتم الاتفاق كالعادة على قائد الجيش جوزف عون الذي يحظى بتوافق من جميع الأطراف الداخلية والخارجية، رغم أنه اتفاق من دون حماسة. فجوزف عون أبلغ الأميركيين أنه جاهز للترشح الى منصب رئاسة الجمهورية وهو مقبول دولياً وداخلياً. وهناك بعض الأسماء التي يتم تداولها للمنصب من بينها جهاد أزعور وهو مسوؤل كبير في صندوق النقد الدولي لديه خبرة في كيفية إدارة إخراج لبنان من محنته الاقتصادية، أو سمير عساف المصرفي الدولي، وكلاهما شخصيتان لبنان بحاجة الى كفاءتهما ونزاهتهما، لكن يبدو لسوء الحظ أن أصحاب الأوراق البيضاء ليسوا جاهزين لانتخاب ديموقراطي حقيقي يخيّر الناس بين أكفأ الشخصيات.

خيار قائد الجيش سيوافق عليه الجميع في النهاية كونه لم يتصدَ لـ”حزب الله” وهو مقبول دولياً ومعروف بالنزاهة حتى الآن. ولكن متى الموعد المقبل لجلسة أخرى للانتخاب؟ وهل نرى أسماء جديدة تطرح لمجرد الاختبار مثل الوزيرين السابقين زياد بارود أو ناصيف حتي أو أن يتم انتخاب قائد الجيش بالموعد الدستوري؟ الأسرة الدولية مهتمة بأن يتم الانتخاب في الموعد ولكن هل أحزاب الممانعة مهتمة بالخارج أو أنها تفضل الفراغ وتسليم حكومة تصريف الأعمال إدارة البلد؟

المجتمع الدولي الذي يريد مساعدة لبنان على الخروج من محنته لا يبالي بتشكيل حكومة بقدر ما هو مهتم بأن تجري حكومة نجيب ميقاتي الإصلاحات المطلوبة دولياً. وهذا هو الأهم بالنسبة إلى الولايات المتحدة وفرنسا وربما السعودية التي إلى الآن لم تستقبل رئيس الحكومة الذي كان تكلم مع ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون هاتفياً في جدة عندما زار ماكرون السعودية في كانون الأول (ديسمبر) الماضي. والمملكة لم توجه دعوة لرئيس الحكومة اللبنانية علماً أن فرنسا والولايات المتحده تدعمانه وتتمنيان أن يستمر في عمله كرئيس للحكومة. وكان استقبال ماكرون ووزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن له أكبر دليل على هذا الدعم. إلا أن حكومة تصريف الأعمال لم تنجز الكثير بعد استجابةً لمطالب صندوق النقد الدولي، فالجميع في الخارج يضغطون على المسؤولين اللبنانيين للتقدم بسرعة في تنفيذ الإصلاحات وخصوصاً أن موعد اتفاق ترسيم الحدود يقترب بشكل كبير ما يعطي نوعاً من بريق أمل للبنان هو في حاجة اليه.

المصدر: النهار العربي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى