آخر الأخبارأخبار دولية

الغاز والهجرة ومكافحة الإرهاب… ما مستقبل علاقات الجزائر وروما بعد صعود اليمين المتطرف في إيطاليا؟


نشرت في: 27/09/2022 – 16:59

يثير صعود اليمين المتطرف في إيطاليا بعد فوز جورجيا ميلوني زعيمة حزب “فراتيلي ديتاليا” أو “إخوة إيطاليا” بالانتخابات التشريعية، مخاوف داخلية وأوروبية وإقليمية. في هذه الفترة التي تغرق فيها دول الاتحاد في أزمة الطاقة الناجمة عن الحرب في أوكرانيا، تراقب الجزائر -وهي من الشركاء الأبرز لروما في المتوسط- تطورات المشهد السياسي الإيطالي، ويتوجس مراقبون من تداعيات هذا التغيير المدوي على العلاقات الدبلوماسية بين البلدين وعلى التعاون الأمني والاقتصادي وخصوصا ملف واردات الغاز.

أدخل فوز جورجيا ميلوني، زعيمة حزب من “الفاشيين الجدد” بالانتخابات التشريعية الإيطالية، بلادها وأوروبا والمنطقة مرحلة مفتوحة على المجهول.

وينبغي على الائتلاف المنقسم الذي ترأسه عقد تفاهمات لتشكيل حكومة لن ترى النور قبل نهاية أكتوبر/تشرين الأول على أقرب تقدير، أن يواجه الأزمة الاقتصادية الخانقة ويطمئن مخاوف الشركاء ويخفف قلق الأسواق. 

كما أثار صعود زعيمة اليمين المتطرف (حزب “فراتيلي ديتاليا” أو “إخوة إيطاليا”) تساؤلات في الجزائر الشريك الهام والأساسي للإيطاليين بالضفة الجنوبية للمتوسط، خصوصا في ضوء الاتفاقيات الموقعة بين الجانبيين في مجالات حيوية أبرزها الأمن والهجرة والغاز. 

لكن ميلوني التي ستصبح أول زعيمة منبثقة من حركة ما بعد الفاشية في دولة مؤسسة لأوروبا، حرصت على طمأنة المخاوف سواء في داخل البلاد أو في الخارج، وأكدت: “سنحكم من أجل جميع” الإيطاليين. 

  • “مارين لوبان الإيطالية” 

وستخلف الحكومة الإيطالية المقبلة حكومة الوحدة الوطنية التي قادها رئيس الوزراء الإيطالي السابق ماريو دراغي، الرئيس السابق للبنك المركزي الأوروبي، منذ يناير/كانون الثاني 2021، حين استدعي لإنقاذ ثالث اقتصاد في منطقة اليورو المنهار بفعل أزمة فيروس كورونا. 

وكان دراغي وقع مع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون في 18 يوليو/تموز 2022 على 15 مذكرة تفاهم واتفاقا شملت مجالات القضاء والمؤسسات الصغيرة والشركات الناشئة والتعاون في مجالات الصناعة والطاقة والتنمية المستدامة. كما تم الاتفاق خلال القمة الجزائرية-الإيطالية الرابعة على زيادة إمدادات الغاز الجزائري إلى روما.


وفي الجزائر، وصف إعلامي مخضرم من قناة الشروق نيوز جورجيا ميلوني بأنها “مارين لوبان الإيطالية” وأبدى قلقه على مصير العشرات من الاتفاقيات الموقعة بين البلدين، ومن آرائها ومواقفها من قضايا رئيسية تهم الجزائريين والمنطقة. وقال قادة بن عمار: “آراؤها تخيف الأوروبيين.. الجزائر ترى العالم وتقلباته وتحاول أن تسير وفقا لكل هذه التقلبات”. 

فما هو شكل العلاقات الجزائرية-الإيطالية بعد فوز ميلوني في التشريعيات؟ ما مصير التنسيق الأمني في مكافحة الإرهاب والهجرة السرية؟ وهل سيؤثر صعود اليمين المتطرف الإيطالي على واردات الغاز الجزائري والتعاون الاقتصادي؟ أسئلة يجيبنا عليها كل من محمد علي ربيج أستاذ العلوم السياسية بالمدرسة الوطنية العليا للعلوم السياسية في الجزائر والنائب البرلماني عن حزب جبهة التحرير الوطني، ونصيرة بن علي صحافية مختصة في الشأن الإيطالي. 

  • كيف ستكون العلاقات الدبلوماسية بين الجزائر وروما بعد صعود اليمين المتطرف في إيطاليا؟

يرى محمد علي ربيج أستاذ العلوم السياسية والنائب البرلماني الجزائري أن “صعود اليمين المتطرف في أوروبا هو ظاهرة غير مسبوقة منذ 1945، لكنها تدفعنا كدول جنوب الضفة المتوسطية وكشركاء للدول الأوروبية إلى ترقب مخرجات هذا الملف. إذ أن الكل يتخوف من صعود اليمين المتطرف سواء في داخل إيطاليا أو على المستوى الأوروبي حيث إن برنامجه يحمل مواقف ومقاربات قد تشوش على العلاقات مع كل الدول ومنها الجزائر. لكني أتوقع أن اليمين المتطرف الإيطالي سيحترم الاتفاقيات الموقعة سابقا خصوصا خلال زيارة الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا إلى الجزائر في 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2021، إن كان يبحث عن مصلحة بلاده. كما يجب أن يحترم أهمية الجزائر من حيث تزويد إيطاليا بالغاز”. 

كما قال محدثنا: “يتوقف مدى تأثير جورجيا ميلوني فيما يخص العلاقة بين البلدين على مواقف الحكومة الإيطالية المقبلة، والتي هي مجبرة على التحالف مع الأحزاب الأخرى التي قد تمنع اتخاذ أي قرارات تسيء إلى الجزائر. التجربة الإسبانية ليست ببعيدة مع ملاحظة الأثر الذي خلفته قرارات بيدرو سانشيز رئيس الوزراء الإسباني على بلاده برمتها. نرتقب تبلور الموقف في إيطاليا والمقاربة التي سيعتمدها اليمين المتطرف. لكني أستبعد أن إيطاليا التي عانت خلال أزمة فيروس كورونا خصوصا مع الموقف الأوروبي المتخاذل عن دعمها في حينه، ستجازف بخسارة شريك اقتصادي وتجاري بحجم الجزائر خصوصا وأن أوروبا مقبلة على أزمة طاقة بسبب الحرب في أوكرانيا”.

وتابع ربيج في تعليقه على نفس النقطة بأن “الجزائر تحترم الحكومات الأخرى وخيارات الشعوب. نحن نبحث عن مصالحنا في العلاقة مع الحكومة والشعب في إيطاليا. لكن هناك توجس وتخوف ليس فقط في الجزائر بل في أوروبا أيضا حيال الصعود المخيف لليمين المتطرف. نحن كشريك يهمنا ما يحدث في أوروبا التي تربطنا بها علاقات واتفاقيات ونتأثر بسياساتها الخارجية. نحن في حالة ترقب لكن نستبعد أن تتأثر العلاقات الثنائية بسبب صعود اليمين المتطرف”. 

من جانبها، قالت نصيرة بن علي الصحافية المختصة بالشأن الإيطالي: “لا أعتقد أن العلاقات الجزائرية-الإيطالية ستعرف تغييرا جذريا بعد صعود اليمين المتطرف. فالعلاقات بين البلدين بقيت دائما مستقرة رغم تناوب الحكومات الإيطالية إن كانت من اليمين أو من اليسار خلال العقود الأخيرة. المعروف عن إيطاليا أنها دائما تفرق بين السياسة وبين الاقتصاد، فحتى في الفترات التي كانت فيها الأوضاع السياسية غير مستقرة خاصة بسبب سقوط الحكومات الواحدة تلو الأخرى وكانت الفترة التشريعية قصيرة، فإن العلاقات الاقتصادية بين إيطاليا وشركائها بقيت دائما نفسها لا تتغير”. 

  • ما مصير التنسيق الأمني في مكافحة الإرهاب والهجرة السرية؟ 

أوضح المحلل السياسي محمد علي ربيج بأن “مكافحة الإرهاب هو موضوع متوسطي يهم شركاء المنطقة، كما أن التعاون بين الجزائر وشركائها لا يتأثر بتوتر العلاقات كما حدث مع إسبانيا وفرنسا. أما بالنسبة للهجرة غير الشرعية فالجزائر ترفض ما يتداول أوروبيا حول إقامة مراكز استقبال للمهاجرين على أراضيها. لا يمكن معالجة هذه الأزمات بشكل أحادي حيث أن الإرهاب عابر للقارات، والهجرة هي أزمة ذات بعد دولي لا يمكن لأي دولة أن تمتلك آليات حلها لوحدها بل عليها التنسيق مع بقية الأطراف. ليبيا وتونس ترفضان أيضا بشكل رسمي استقبال مراكز للمهاجرين وتحمل مسؤولية وتبعية هذه الأزمة”.

أشارت الصحافية نصيرة بن علي إلى أن “الجزائر وإيطاليا وقعتا من قبل في السنوات والشهور الماضية على عدة اتفاقيات للتعاون والتنسيق بينهما في مجال مكافحة الإرهاب والهجرة السرية. الجزائر دائما تسترجع مهاجريها غير الشرعيين من إيطاليا بدون مشاكل أو اعتراض حالما يتم التأكد من جنسيتهم الجزائرية، وهذا معروف عن الدولة الجزائرية. كما أن المهاجرين الجزائريين الذين يصلون إلى إيطاليا عددهم قليل جدا بالمقارنة مع باقي الجنسيات الأخرى وهم لا يمثلون مشكلة كبيرة بالنسبة إلى إيطاليا. أما فيما يخص مكافحة الإرهاب فخلال الزيارة الماضية لرئيس الحكومة الإيطالية ماريو دراغي إلى الجزائر تم التوقيع على معاهدة لمكافحة الإرهاب وكذلك مكافحة التمويل للعمليات الإرهابية بين البنك الجزائري ومؤسسات جزائرية وأخرى إيطالية لمكافحة الفساد”. 

  • هل سيؤثر صعود جورجيا ميلوني على تزويد الجزائر لإيطاليا بالغاز وماذا عن باقي القطاعات الاقتصادية؟ 

قال النائب البرلماني الجزائري محمد علي ربيج: “في ظل التطورات الحالية والحرب في أوكرانيا والعقوبات المفروضة على موسكو فإن أوروبا تبحث عن مصادر أخرى للتزود بالطاقة مثل الغاز الأمريكي ثم في مرتبة ثانية نتكلم عن الغاز الجزائري. لكن الأخير لا يمكن أن يكون بديلا عن الغاز الروسي”. ويلاحظ محاورنا أن “الجزائر لا تستعمل الغاز كورقة ضغط بل إن ثروتها الغازية والطبيعية هي أمر واقع. فيما أن اليمين المتطرف له شعارات شعبوية وعليه أن يعرف أين مصلحة إيطاليا في ظل الحرب الروسية الأوكرانية. أتوقع أن يخفض هذا التيار من خطابه الراديكالي ويحاول أن يلملم الأمور حتى تمر هذه الأزمة. ثم إن الجزائر ملتزمة مع إيطاليا بموجب الاتفاقيات الموقعة وهناك مسؤولية سياسية ودولية”. 

ترى نصيرة بن علي بأنه ورغم صعود اليمين المتطرف الإيطالي فلن يطرأ أي تغيير على تزويد الجزائر لروما بالغاز. وأوضحت الصحافية والخبيرة في الشأن الإيطالي: “سارعت إيطاليا في الشهور الماضية، حالما بدأت أزمة الطاقة بسبب الحرب في أوكرانيا، إلى إرسال زعمائها مثل رئيس الحكومة ماريو دراغي وحتى الرئيس الإيطالي سيرجيو ماتاريلا الذي قام بزيارة رسمية إلى الجزائر تمخض عنها التوقيع على عقد للتزود بالغاز الطبيعي مدته سارية حتى سنة 2026. تعهدت الجزائر بموجبه بتزويد إيطاليا بهذه المادة الحيوية وبرفع كمية وحجم الغاز المورد مع سعر محدد طوال مدة العقد. وبذلك تكون إيطاليا قد أخذت احتياطها وضمنت لنفسها الغاز الجزائري إلى غاية تلك السنة فكانت حكيمة جدا في هذه الإستراتيجية. ثم إن الجزائر من جانبها كانت متعاونة جدا مع شريكتها المهمة ما سمح بالتوصل إلى هذه الاتفاقية، ما يجعل إيطاليا بلدا محظوظا نوعا ما بالنسبة للدول الأخرى لأنه سيعرف أمنا فيما يخص التزويد بالغاز الطبيعي القادم من الجزائر”. 

وأضافت بن علي: “بالنسبة للقطاعات الاقتصادية الأخرى فالجزائر هي الزبون الثاني لإيطاليا فيما يخص استيرادها للمنتوجات المصنعة مثلا، كل ذلك عرف ازدهارا من حيث الكم خلال السنوات القليلة الماضية. كما أن الأزمة الأخيرة التي وقعت بين الجزائر وإسبانيا وإيقاف الأولى الاستيراد من الثانية في كثير من المجالات دفع الجزائر إلى البحث عن موردين آخرين مثل فرنسا وإيطاليا، ما يعني أن الجزائر ستكون وجهة للمنتوجات الإيطالية المصنعة لتحل محل إسبانيا وهو ما يتم فعلا خصوصا في مجال الصناعات الصغيرة والمتوسطة التي ستشهد مستقبلا ازدهارا من حيث الكم. هناك قطاعات أخرى للتعاون مثل الثقافة والسياحة وقد تم توقيع اتفاقيات مهمة خلال زيارة رئيس الحكومة الإيطالي. كذلك في مجال تبادل البحوث العلمية والجامعات حيث وقعت أيضا اتفاقيات بين الطرفين. وهناك مجالات أخرى تم أيضا توقيع اتفاقيات ابتدائية حولها وسيتم التوقيع على اتفاقيات نهائية بشأنها. لذلك لا أظن أن التعاون الجزائري-الإيطالي سيتراجع رغم أن جورجيا ميلوني معروفة بتطرفها إلا أنها ستستعين في تشكيل حكومتها بوزراء لهم خبرة فيما يخص التعاون الدولي، من المؤكد سينصحونها بالابتعاد عن التطرف وتغيير خطابها نحو شركائها العرب والمسلمين لما فيه مصلحة الاقتصاد الإيطالي”.

أمين زرواطي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى