آخر الأخبارأخبار محلية

بشير الجميل لو حَكم

١٩٨٢ – ٢٠٢٢ أربعون سنة. ستة رؤساء للجمهورية: الشيخ أمين الجميل، رينيه معوض، الياس الهراوي، اميل لحود، ميشال سليمان وميشال عون. ومع مرور تلك السنين لا يزال في وجدان قسم كبير من اللبنانيين، سواء أولئك الذين أحبوه عندما كان قائدًا لـ “القوات اللبنانية”، ورأوا فيه صورة البطل الذي يمكنه أن ينقل لبنان من ضفّة إلى ضفّة، أو أولئك الذين تعرفوا عليه في الأحد والعشرين يومًا ورأوا فيه أيضًا صورة الرئيس الذي كان في إمكانه أن يحرّر البلاد من كل الجيوش الغريبة، التي كانت رابضة على صدر الوطن، وأن يعيد بناء الدولة على أسس جديدة، عمادها الأساسي محاربة الفساد، من خلال تقوية الجيش والقوى الأمنية وإستقلالية القضاء، وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب، وتطهير الإدارة من المحاسيب والأزلام، ووضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وطرد تجّار الهيكل، وتعميم العدالة الإجتماعية وتنمية الريف، فضلًا عن تعزيز المواطنة الحقيقية وإلغاء الطائفية السياسية، والسعي إلى إقناع الجميع ببناء الدولة المدنية، حيث يتساوى فيها جميع المواطنين تحت سقف القانون. 

 
فلو قُيّض لـ “البشير” أن يحكم لكان نجح في ما كان يحلم فيه طيلة فترة إستعداده عندما كان قائدًا بارزا على الساحة المسيحية.
لو قُيّض لـ “البشير” أن يحكم لكان عمّم نجاحاته على كل الوطن، ولكان إستطاع أن يحرر أراضيه كافة من كل غريب، بالتعاون مع مختلف مكونات الوطن، وأن يعمل على توحيدهم حول فكرة بناء دولة مركزية قوية في قراراتها وخياراتها، وفي الرؤية الواحدة لمستقبل مشترك نضُجت فكرته وتبلورت من خلال سلسلة من الإختبارات الشخصية، ومن خلال تجربته السريعة في الأيام الـ ٢١ الفاصلة بين إنتخابه وإستشهاده. 

بعد لقاء بشير الجميل بالرئيس صائب سلام، إتصل الأخير بكريم بقرادوني، وقال له بالحرف: “وين كنتو مخبينو عنا”. وهذا يعني أن فكرة الشراكة الوطنية لدى “البشير” تطورّت إلى درجة أنه كان في إستطاعته أن يقنع رجل دولة كالرئيس صائب سلام بما أصبح يؤمن به حقيقة وليس مجرد مناورة عابرة. 
لو تُرك بشير الجميل يحكم لكان فعل ما لم يستطع غيره أن يفعله، لأنه كان قادرًا على أن يكون لجميع اللبنانيين على حدّ سواء، لأنه كان يملك إرادة فولاذية، بحيث كان في إستطاعته تحويل ما كان يحلم به إلى وقائع. 

في الـ21 يومًا  من عمر الزمن إستقطب “البشير” بخطابه الهادف والواضح والقوي معظم اللبنانيين، الذين كان بعض منهم ينظرون إليه على أنه قائد ميليشيوي، وإستطاع أن يقنعهم بأن يكون لبنان أولًا، وأن يكون هذا اللبنان فوق كل الإعتبارات، وأن يكون الإنتماء له وحده، وليس لأي دولة أخرى. من هنا شعاره الـ 10452 كلمترا مربعًا. 

لكل هذا تآلب عليه جميع المتضرّرين من أن تكون الدولة دولة كاملة الأوصاف، وأن يكون الأمن من مسؤولية الجيش والقوى الأمنية الشرعية دون أي أمن ذاتي آخر. منذ ذلك التاريخ تآمرت مافيات الفساد عليه. فكان القرار بتصفيته جسديًا. فالمخطّطون كثر، وإن كان منفذ الجريمة معروف بالإسم والإنتماء. 
ومنذ ذلك التاريخ وحتى اليوم لا يزال اللبنانيون يعيشون تبعات إغتيال “البشير”. معه كان الحلم كبيرًا. ومع غيابه بدأ الإنحدار التدريجي نحو “جهنم” حتى وصلنا إلى القعر، حيث بات الخروج منه يتطلب إستحضار ما كان يطالب به “البشير” ويسعى إليه. 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى