هل يحضر ملك المغرب محمد السادس القمة العربية في الجزائر رغم احتدام التوتر بين البلدين الجارين؟
نشرت في: 13/09/2022 – 17:57
كشفت مجلة “جون أفريك” الباريسية المعروفة ويومية “الشرق الأوسط” اللندنية المقربة من مراكز القرار في السعودية أن الملك محمد السادس سيشارك في القمة العربية المقرر عقدها في مستهل نوفمبر/ تشرين الثاني. وإن كانت الأوساط الرسمية في الرباط لم تعلق حتى الآن على هذا الخبر، لكن مراقبين يرجحون مشاركة العاهل المغربي في هذه القمة. فهل سيشارك الملك فعلا فيها رغم ما يسود العلاقات بين البلدين من توترات حادة؟ وإن كان كذلك، هل بإمكان هذه المشاركة أن تشكل أساس انطلاقة جديدة في هكذا علاقات؟
ظلت مشاركة المغرب في القمة العربية المقرر تنظيمها بالجزائر في مستهل نوفمبر/ تشرين الثاني محل العديد من التساؤلات، بالنظر إلى الأجواء القاتمة التي تخيم على العلاقات بين البلدين، بعد أن دخل الجاران في قطيعة دبلوماسية منذ عدة أشهر، اشتعلت في خضمها حرب إعلامية شرسة بين الطرفين.
لكن خبرا جاءت به الإثنين 12 سبتمبر/أيلول 2022 مجلة “جون أفريك”، قد يفتح صفحة جديدة في مستقبل العلاقات بين الرباط والجزائر، إذ ذكرت المجلة الباريسية، استنادا لمصادر “مطلعة للغاية” أنه “بناء على تعليمات من السلطات العليا المغربية، تم إجراء اتصالات مع العديد من دول الخليج: السعودية، قطر، الإمارات، الكويت، البحرين، لإبلاغها بأن الملك محمد السادس سيشارك شخصيا في القمة العربية”.
من جهتها، أوردت يومية “الشرق الأوسط” اللندنية المقربة من السعودية، أن “مصادر دبلوماسية رفيعة”، كشفت للصحيفة أن العاهل المغربي الملك محمد السادس سيشارك في القمة. وقالت المصادر، وفقا لنفس الصحيفة، إن السلطات المغربية “أجرت اتصالات مع دول الخليج لإبلاغها بمشاركة الملك شخصيا في قمة الجزائر العربية”.
وحول ردود الفعل الرسمية حول هذا الخبر في المغرب، قال الخبير في العلاقات الدولية ورئيس “مركز أطلس لتحليل المؤشرات السياسية والمؤسساتية” محمد بودن لفرانس24: “لحدود اليوم لم يتحدث أي مصدر رسمي بهذا الخصوص وأعتقد أن الوقت ما زال مبكرا نسبيا. وباستثناء إعلان الدبلوماسية المغربية عن استعدادها لاستقبال المبعوث الجزائري الذي سيحمل دعوة رسمية للملك محمد السادس ليس هناك جديد اليوم. الزيارات الملكية يتم الإعلان عنها عبر القنوات الرسمية وفق جدول زمني محدد وفي الوقت المناسب”.
حدود مغلقة
وكان العاهل المغربي قد وجه في يوليو/ تموز 2022 دعوة جديدة لتطبيع العلاقات الدبلوماسية مع البلد الجار، معربا عن تطلعه إلى العمل مع الرئاسة الجزائرية “لإقامة علاقات طبيعية”، ومؤكدا على الرغبة “في الخروج من هذا الوضع”.
وقال الملك محمد السادس في خطابه السنوي بمناسبة الذكرى 23 لجلوسه على العرش: “إننا نتطلع للعمل مع الرئاسة الجزائرية، لأن يضع المغرب والجزائر يدا في يد لإقامة علاقات طبيعية، بين شعبين شقيقين تجمعهما روابط تاريخية وإنسانية والمصير المشترك”.
وأضاف: “أشدد مرة أخرى بأن الحدود التي تفرق بين الشعبين الشقيقين المغربي والجزائري لن تكون أبدا حدودا تغلق أجواء التواصل والتفاهم بينهما، بل نريدها أن تكون جسورا تحمل بين يديها مستقبل المغرب والجزائر”.
واقترح العاهل المغربي أيضا في أواخر العام 2018 تشكيل “آلية سياسية مشتركة للحوار” من أجل “تجاوز الخلافات” القائمة بين الجارين، داعيا إلى فتح الحدود البرية المغلقة منذ العام 1994. لكن الاقتراح لم يلق استجابة من قبل قصر المرادية.
هل المشاركة في صالح المغرب؟
بالنسبة لأستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية في جامعة الجزائر، إسماعيل دبش، “في صالح المغرب المشاركة في القمة العربية، لأنها لا تتعلق بالعلاقات الثنائية وإنما بالعمل العربي المشترك وممكن أن تؤسس لإزالة الخلافات بين البلدين”.
ويعتقد دبش حسب تصريح له لفرانس24: “أن هذا في صالح المغرب قبل الجزائر المشاركة في القمة. لأن الرباط” بحسب قوله “توظف قضية الصحراء الغربية في العلاقات بين البلدين رغم أنه متفق عليها في الجامعة العربية والأمم المتحدة على أنها قضية تصفية استعمار”.
ويعتبر دبش أن “الشعب المغربي يطالب بالمصالحة مع الجزائر وبفتح الحدود. وطبعا، يجب أن تتم وفق الأسباب التي أدت إلى إغلاقها. على المغرب أن يتجه نحو الجزائر لمحاولة تسوية المشاكل الثنائية سواء بالاعتذار أو بالتوقف الإعلامي عن التصريحات الإعلامية المسيئة للجزائر” حسب تعبيره.
ويستطرد أن هناك “نقطة أخرى، وهي التعبير والتأكيد على أن قضية الصحراء الغربية ليست لها علاقة بالجزائر ويجب أن تصفى على مستوى الأمم المتحدة. بهذا يمكن للجزائر أن تفتح باب الحوار حول إعادة العلاقات الثنائية. وفي اعتقادي، مشاركة الملك في القمة المقبلة هي محطة أساسية، خاصة وأنها تعقد بحضور زعماء عرب لهم وزن واحترام للجزائر”.
وزاد التوتر بين البلدين الجارين عندما أعلنت الجزائر في آب/أغسطس 2022 قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الرباط متهمة إياها: “بارتكاب أعمال عدائية (…) منذ استقلال الجزائر” في 1962. وهو قرار يأسف له المغرب، ورفض “مبرراته الزائفة”. حسب بلاغ سابق للرباط.
كما اعتبرت الجزائر أن تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين المغرب وإسرائيل، برعاية أمريكية، موجه ضدها. وهو التطبيع الذي تضمن أيضا اعتراف الولايات المتحدة بسيادة الرباط على الصحراء الغربية في أواخر العام 2020 عندما كان دونالد ترامب على رأس الولايات المتحدة.
“الزيارة الملكية للجزائر تبقى ممكنة”
“في تقديري كل الاحتمالات واردة. والمؤكد أن المملكة المغربية ستقوم بدراسة الدعوة الجزائرية ومضمونها والتعامل مع مختلف أبعاد الموقف وتفاصيل الأحداث الرسمية في القمة العربية”، يقول بودن.
وفي كل الأحوال، “الزيارة الملكية للجزائر تبقى ممكنة في ظل طموح الدول العربية الوازنة لبعث روح جديدة في العمل العربي المشترك من جهة، ومن جهة أخرى فإنها ستكون منسجمة مع سياسة اليد الممدودة للمملكة تجاه الجزائر، والتي تمسك بها الملك محمد السادس بشجاعة والتزام أخوي وسط مناخ من التلميحات السلبية في الجوار”.
ويشير المحلل المغربي إلى أن “اتصالات مستمرة بين المملكة المغربية وشركائها في جامعة الدول العربية إلى غاية موعد القمة بخصوص تفاصيل متعلقة بالبيان الختامي وخارطة المملكة المغربية ومستوى استقبال الوفد المغربي وموعد تناول الكلمة والموقع في الصورة الرسمية وقاعة المؤتمر، ومختلف التدابير والضمانات زيادة على صيغة مرور الطائرة في الأجواء الجزائرية في ظل واقع العلاقات الثنائية بين البلدين”. لضمان شروط المشاركة المغربية.
“حدث تاريخي“
وبرأي المحلل محمد بودن، “الزيارة الملكية للجزائر إن حصلت ستمثل حدثا تاريخيا وتطورا بارزا في البيئة الاستراتيجية للمشهدين العربي والمغاربي بحكم أن الزيارات رفيعة المستوى تسمح باتخاذ قرارات استراتيجية”.
وينظر بودن إلى هذه الزيارة في سياقها الإقليمي بالقول: “لا شك أن السياقات المحلية والإقليمية تؤثر على الزيارات الرسمية في الفضاء المغاربي، لكن ثمة توقعات كبيرة من زيارة الملك محمد السادس للجزائر، إن تقررت في ظل رغبة عدد من دول الخليج العربي والشرق الأوسط، في معالجة ما تمزق من وصال بين المغرب و الجزائر”.
ويخلص بودن إلى أن “المشاركة الشخصية للملك محمد السادس في القمة العربية بالجزائر يمكن أن تفتح باب الحوار مع الجزائر وإيجاد صيغة للتعامل بين البلدين رغم أن الواقع يقول إن العلاقات بينهما لا يمكن أن تسير بالعمق والإيقاع المطلوبين بين عشية وضحاها، وتحتاج لتدابير دائمة على مستوى الحوار والتشاور بما يعود بالنفع على علاقات الأخوة والمصاهرة بين الشعبين”، ويمهد الطريق للتفكير في المستقبل والمصير المشترك”.
بوعلام غبشي
مصدر الخبر
للمزيد Facebook