انعكاس الفراغ على الوضع الاقتصادي.. خبير يكشف سيناريوهات المرحلة المُقبلة ومصير الدولار
العد العكسي لموعد 31 تشرين الأول أي موعد انتهاء ولاية الرئيس ميشال عون بدأ من دون ان تلوح في الأفق حتى الساعة إمكانية التوافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية ضمن المهلة المحددة دستورياً، فضلا عن الجدل الحاصل حالياً عما ستكون عليه حدود صلاحيات حكومة تصريف الأعمال في حال دخول لبنان في الفراغ الرئاسي.
صحيح ان الفراغ السياسي عاشه لبنان مرات عديدة سواء في رئاسة الجمهورية أو في رئاسة الحكومة، والشغور الرئاسي الأطول كان ما بين أيار 2014 وتشرين الأول 2016 وبلغ 29 شهراً، ولكن في هذه الفترات لم يكن لبنان يُعاني من أزمة اقتصادية خانقة وانهيار مالي واجتماعي ومشاكل عديدة تُثقل كاهل اللبنانيين، والسؤال المطروح اليوم كيف سيؤثر الفراغ ان حصل على الأزمة الاقتصادية في البلد وما مصير المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وكيف سيكون مسار الدولار في المرحلة المقبلة؟
التفاوض مع صندوق النقد سيستمر
خبير المخاطر المصرفية والباحث في الاقتصاد الدكتور محمد فحيلي يعتبر ان “الفراغ الرئاسي لن يؤثر بشكل كبير على الوضع الاقتصادي العام لأن لبنان سبق وعاش هذه المرحلة”، وقال:”ما يختلف حاليا عن السابق اننا في مرحلة التفاوض مع صندوق النقد الدولي والجهات الدولية عادة تتفاوض مع سلطة كاملة وليس مع أحزاب او تجمعات سياسية ما يحتم وجود سلطة كاملة ومتكاملة“.
وتابع فحيلي في حديث لـ “لبنان 24“: “حاليا نشهد اجتماعات لوفود من صندوق النقد مع الحكومة على الرغم من انها حكومة تصرف اعمال وبالتالي المفاوضات مستمرة بين الطرفين“.
ورأى ان “المشكلة في حال أبرم لبنان الاتفاق مع صندوق النقد في الوقت الضائع أي في فترة الفراغ الرئاسي من المستبعد حينها ان يتم صرف الأموال لأنها تُسلّم إلى وزير المال الأصيل وليس إلى وزير المالية في حكومة تصريف أعمال”، متوقعاً التوصل إلى اتفاق مع صندوق النقد ولكن تنفيذه سيكون صعبا، كما قال.
وأوضح فحيلي ان “الدستور اللبناني يفرض في اي اتفاق مع جهات دولية ان يتم التوافق عليه من قبل مجلس النواب والجسم التشريعي حاليا في لبنان مكتمل ويمكنه سن القوانين ولكن الآلية التنفيذية وتوزيعه على الوزراء سيكون متعثراً في حال وجود حكومة تصريف أعمال“.
وأبدى اعتقاده ان “وقت الفراغ الرئاسي لن يكون طويلا لأن الجهات الدولية مُهتمة بعدم وصول الاضطرابات في لبنان لمرحلة تشكل فيها خطرا على الساحة الإقليمية“.
ماذا عن الوضع الاقتصادي؟
فحيلي استبعد ان “يتأثر الوضع الاقتصادي بنسبة كبيرة بالفراغ إن حصل، لأن القطاع الخاص هو الذي يحمل الاقتصاد اللبناني وأثبت قدرته على التأقلم وسيسير في هذا التوجه بغض النظر عن شكل السلطة السياسية“.
وقال: “تُرفع القبعة لمكونات القطاع الخاص من مستهلكين ومؤسسات لأنهم أثبتوا قدرتهم على الصمود والتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية، واليوم نلاحظ ان المستهلك والمؤسسات على حد سواء هما أكثر ارتياحاً من بدء الأزمة الاقتصادية“.
ولفت إلى انه “في بداية الأزمة الاقتصادية كان الموظف يقبض بالليرة اللبنانية والمستهلك يصرف بالليرة والمؤسسات تبيع بالعملة الوطنية اما اليوم فالجزء الأكبر من القطاع الخاص أصبح “مدولرا”، والدولرة بحد ذاتها قدرة اقتصادية تساعد على الاستمرار“.
مسار الدولار: ارتفاع أم هبوط؟
يقول فحيلي: “ان دولرة الجزء الأكبر من القطاع الخاص أي وجود إيرادات والتداول بالدولار “الفريش” إضافة إلى التحاويل التي تأتي إلى لبنان من الخارج والتي وصلت إلى عتبة الـ 7 مليار دولار سنوياً إضافة إلى التحاويل التي تأتي من خارج القنوات الرسمية أي غير مصرّح بها وارتفاع سعر صرف الدولار، يشجع بعض المستهلكين ان يستخدموا دولاراتهم المُخبأة وان يبيعوها على سعر صرف مرتفع لتمويل فاتورة الاستهلاك وبالتالي هذا الأمر جيد“.
وتابع: “الدولار تخطى منذ فترة عتبة الـ 35 ألف ولكن لا نجد اضطرابات حادة وهو لا يرتفع بقوة ولا ينخفض بقوة بل التقلبات تكون ما بين 100 و200 و300 ليرة صعودا أو انخفاضا واعتقد ان هذه حدوده، وهناك تأقلم اقتصادي على سعر صرف يترواح ما بين 35 ألف ليرة وانا استبعد بالتالي ان نشهد قفزة مخيفة للدولار أو هبوطا مخيفا له. نحن نعيش نوعا من الاستقرار على عتبة عالية بسبب تأقلم مكونات القطاع الخاص مع المتغيرات الاقتصادية والنسبة العالية لـ “دولرة” القطاع الخاص“.
لبنان و”الدولرة” الشاملة
يعتبر فحيلي ان “لا “دولرة” شاملة في لبنان لأنها تتفشى في القطاع الخاص بقدرة استثنائية وليونة أسس لها هذا القطاع وتأقلم مع المتغيرات الاقتصادية“.
وأشار إلى خوف على مصير القطاع العام لأن استمرار الأمور بهذه الطريقة سيُعاني فيها القطاع العام من “الاستبعاد الاقتصادي” بما معناه ان مكونات القطاع العام ستفقد القدرة على الانخراط في الاقتصاد، لأن الرواتب بالليرة اللبنانية والليرة فقدت قيمتها الشرائية والطريقة الوحيدة التي ستجعل الدولة اللبنانية قادرة على تلبية حاجات القطاع العام برواتب تعكس الحاجة إلى الانفاق سواء بالاستهلاك او غير ذلك هي من خلال فرض ضرائب على القيمة الاقتصادية الحقيقية للنشاط الاقتصادي، مشيراً على سبيل المثال الى ان المؤسسات الخاصة التي تدفع الرواتب بالدولار لا زالت تدفع الضرائب على دولار الـ 1500 ليرة .
ورأى ان “هذا الواقع يتطلب مسؤولية من قبل القطاع الخاص لتأمين ايرادات للدولة لتمكينها من تقديم الخدمات الأساسية بالحد الأدنى، مشددا على ضرورة تفعيل عمل الهيئات الرقابية من جمعية حماية المستهلك ولجنة الرقابة على المصارف والتفتيش المركزي وديوان المحاسبة ومجلس الخدمة المدنية للحد من تفشي الفساد الذي ندفع ثمنه اليوم كلبنانيين، بحسب تعبيره.
وختم قائلاً: “نفضل عدم لجوء الدولة إلى تمويل نفقاتها عبر طباعة العملة لأنه ستكون لها ضغوطات تضخمية مدمرة وسيدفع ثمنها كل مواطن لبناني لذا من الأفضل والأجدى اقتصاديا ان يأخذ القطاع الخاص المُبادرة وان يدفع الضرائب والرسوم على القيمة الحقيقية للنشاط الاقتصادي لتفادي لجوء الدولة إلى طباعة العُملة لتمويل نفقاتها الأساسية“.
إذن ينتظر اللبنانيون بترقب وحذر موعد 31 تشرين الأول، آملين بانتخاب رئيس جديد للبلاد وبحكومة جديدة تنتشل لبنان من أزماته ولاسيما الاقتصادية وبأن تحمل الأيام المُقبلة انفراجا طال انتظاره.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook