الحزن والحيرة يعصفان بالبريطانيين عقب وفاة الملكة إليزابيث

نشرت في: 09/09/2022 – 22:45
صعب كان الاستيقاظ بالنسبة لعدد كبير من البريطانيين الجمعة، بعد إعلان وفاة الملكة إليزابيث الثانية الخميس عن 96 عاما، أغلبهم لم يعرف في حياته سواها ملكة.. لذلك كان الأمر أشبه بفقدان عزيز أو قريب. ذهبنا إلى لندن لاستطلاع آراء بعض البريطانيين عقب وفاة ملكتهم بعد زهاء سبعين عاما من الحكم.
حالما تطأ قدماك الأراضي البريطانية عبر الطائرة أو القطار أو غيرها تعترضك صورة الملكة إليزابيث الثانية في إطار منمق وقد كتب أسفل صورتها: جلالة الملكة، مع سنة ميلادها 1926 ووفاتها 2022.
وصلنا باكرا إلى عاصمة الضباب التي بدأت الحياة تدب فيها فشيئا وبدأنا نلاحظ تقاطر البعض من المواطنين حاملين باقات من الزهور ومرتدين ملابس تحمل ألوان العلم البريطاني، يتجهون صوب قصر باكنغهام مقر إقامة الملكة الراحلة اللندني.
عدد كبير من الصحافيين انتشروا كذلك في مناطق متفرقة قرب القصر الملكي، حيث حاول الجميع الحصول على أفضل الزوايا لتصوير اللقطات أو تأمين المداخلات أو الحصول على شهادات.
التقينا عددا كبيرا من السياح قرب قصر باكنغهام، قرروا بشكل عفوي الاقتراب من مقر إقامة الملكة اللندني مباشرة بعد تلقيهم خبر وفاتها مساء الخميس، أملا في رؤية البعض من أفراد العائلة المالكة، هكذا أسر إلي جلبي الذي أتى إلى لندن الخميس برفقة أصدقائه من أمستردام.
وقال “الخبر فاجأني بشدة فلم أتوقع أن توافي المنية الملكة يوما ما لذلك أتيت لتقديم واجب العزاء ومشاركة البريطانيين حزنهم في وفاة ملكتهم المحبوبة”.
“كنا نعتقد أن الملكة خالدة ولن تموت أبدا”
التقينا أيضا ديفيد وهو في الثانية والستين من عمره ، كان يضع باقة ورد قرب النصب التذكاري المقابل لقصر باكنغهام، ملامح التأثر طغت عليه ولئن حافظ على ابتسامة شاحبة، يقول “أتيت لوداع الملكة، هذه السيدة الجميلة، لا نستطيع تجاهل ذلك، تلقيت العشرات من رسائل التعزية من أصدقائي وأقاربي لشد أزري لأنني بالفعل حزين لفقدان الملكة إليزابيث”
ديفيد أمريكي الجنسية يعيش في الولايات المتحدة، وصديقه ورفيق دربه مارتن ذو الجنسية البريطانية أضاف سريعا “هي صدمة لكامل البريطانيين، كنا نعتقد أن الملكة ستعيش إلى الأبد، لم نتوقع رحيلها فعلا ولم نتهيأ له كما يجب، لن ننسى ما قامت به لبريطانيا وللعالم بأسره”. وعن الملك الجديد تشارلز الثالث، يقول “ستكون طريقة حكمه مختلفة تماما”.
“صفحة في التاريخ طويت للأبد”
فيونا، سيدة بريطانية في السابعة الأربعين كانت تجلس وحيدة قرب نصب تذكاري قرب القصر الملكي وتنظر بأسى إلى الجموع التي تتقاطر مع مرور الوقت على محيط قصر باكنغهام، تقول “إن الوضع اليوم غريب بعد رحيل الملكة، غير مألوف، لأننا لم نعرف سواها خصوصا للأشخاص من عمري.
من المؤكد أن الملك تشارلز سيكون مختلفا في طريقة حكمه وقد يكون أكثر عصرية من والدته، إلا أن غرابة الموقف في نظري تعود إلى أن رحيل الملكة سيكون بمثابة الصفحة التي طويت دون رجعة، هي حقبة جديدة نحن بصدد معايشتها اليوم، قد نحتاج إلى المزيد من الوقت لاستيعاب ما حدث”.
الملكة كانت مصدر إلهام ومدافعة عن النساء، ومرحة بالرغم من طبيعة وظيفتها
جيما من لندن في الرابعة والأربعين، أتت بدورها لوداع الملكة، تقول إن “إليزابيث كانت مصدر إلهام للكثيرين من البريطانيين، كانت أيضا تعتبر ركيزة للنساء وحقوقهن، أنيقة، ورحيلها رافقته غرابة غير متوقعة، قد تمر مع الزمن”
وتابعت “الساحة السياسية بأسرها ستفتقدها، ستفتقد شخصيتها الفريدة، وأحيانا الطريفة، وهنا أستحضر مشاركتها في الإعلان الترويجي للألعاب الأولمبية التي احتضنتها لندن في 2012 مع ’جيمس بوند‘ لم نتوقع هذا الجانب المرح لدى الملكة، سنفتقدها كثيرا…”
“لا كلمات تصف حزني اليوم فصور الملكة كانت في كل مكان”
روبرت الذي كان يرتدي زيا بريطانيا أنيقا ويحمل سترة سوداء على ذراعه، لم يستطع إخفاء دموعه حين سألته عن شعوره بوفاة الملكة. وأجاب “أشعر وكأن قلبي قد تحطم، أشعر بالحزن البالغ، لا أستطيع إلى الآن تصديق الخبر..”
وأضاف “الملكة اجتاحت حياتي منذ أمد طويل، صورها على العملات الورقية في جيبي، على طوابع البريد على رسائلي، واليوم زالت من الوجود، من الطبيعي أن نشعر إذا بالضياع والتيه ولو إلى حين. الملك تشارلز قد يؤمن أكثر من الملكة الراحلة الوظيفة السياسية، أرجو ألا يذهب بعيدا في هذا الاتجاه وأن يجمع حوله كل أطياف الشعب البريطاني، الذي فرقت بينه التوجهات السياسية المختلفة”.
روبرت لم يستطع مواصلة الكلام، لاسيما حين مرت كتيبة الخيالة في موكب مهيب أمام القصر الملكي وألقت تحية الوداع الأخير للملكة الراحلة.
الغرابة هي الكلمة الأكثر ترديدا اليوم على ألسن البريطانيين، وعلى الرغم من تدهور حالة الملكة الراحلة في الأشهر القليلة الماضية، وتقدمها الكبير في السن، فإن رحيلها شكل للكثيرين فاجعة، قد تتطلب من الوقت أمدا لتجاوز آثارها. وبالرغم من يقين البعض بأن تشارلز سيكون على مستوى التطلعات إلا أن مقارنته مع شخصية إليزابيث الثانية قد لا تستقيم، على الرغم من تفاؤلهم نظرا لرؤيته العصرية والتزامه البيئي والإنساني، وكثيرا ما كانوا يختمون مداخلاتهم بالعبارة الشهيرة: “غاد سايف ذي كينغ” أي “حمى الله الملك” في إشارة إلى سيرورة الحياة بالرغم من كل شيء.
عماد بنسعيّد، موفد فرانس 24 إلى لندن
مصدر الخبر
للمزيد Facebook