حريق “أرز تنورين”… 3 أيام من اللهيب والنيران
مرة جديدة يؤكد المجتمع اللبناني على أهمية التعاضد والتكاتف والعمل بشكل مشترك لتخطي الأزمات والصعوبات على اختلافها وتنوعها، وفي هذا الاطار ظهر الحريق الذي شبّ في محمية ارز تنورين والذي استمر على مدار 3 أيام، ليؤكد ان المواطن اللبناني يدرك قيمة أرضه وبلده وثروته الخضراء.
وفي الأمس، اعلن وزير البيئة في حكومة تصريف الاعمال ناصر ياسين الانتهاء من إطفاء النيران ودخول مرحلة تبريد الأرض كي لا يعود الحريق، إلا أنه أسف من الناحية الأخرى للمدة التي استغرقتها عملية الإطفاء.
ووفقا لـ”جريدة الأخبار”،خسرت المحمية حتى يوم أمس، هكتارين (20 ألف متر مربّع) من مساحتها البالغة 150 هكتاراً، وحتى عصر أمس، كانت مهمة الإطفاء صعبة، إذ ترافق الحريق مع عدة عوامل أسهمت في امتداد النيران لنقاط لم تكن في الحسبان، لعلّ أشدها تعقيداً وعورة الأرض التي صعّبت الوصول إلى داخل المحمية والرياح وسوء الرؤية التي تسببّت بها طبقة الضباب. وقد أدّت هذه الأمور إلى التأخر في عملية إطفاء الحريق بشكل حاسم.
واللافت في تلك الأيام على قساوتها هو “لهفة الأهالي المتطوعين لمساعدة عناصر الدفاع المدني في الإطفاء”، يقول أحد أبناء المنطقة هناك. فقد لبى هؤلاء النداءات التي أطلقت عبر مكبرات الصوت، كما قرعت أجراس الكنائس لحثّ الأهالي على مساعدة الدفاع المدني. وبموازاة عمل عناصر الدفاع المدني بخراطيم المياه، كان الأهالي ينقلون المياه بـ”الغالونات”، فيما ينقل آخرون منهم التراب ويرمونه في الأماكن التي يصعب الوصول إليها. مع ذلك، استطاع الدفاع المدني، بمساعدة من أهالي المنطقة، العمل على إخماد الحرائق، إلا أنه سرعان ما تجدّد ليل أول من أمس، فطلبت وزارة البيئة من قيادة الجيش إرسال طوافات لمؤازرة الدفاع المدني. وقد “استحدث” لهذه الغاية بركة صناعية بجانب بئر أرتوازي يعود لأحد أبناء المنطقة، بغية تقريب المسافة لطوافات الجيش. وبموازاة هذه الأعمال، عملت البلدية طوال نهار أمس على استحداث طريق لكي يستطيع الدفاع المدني الوصول إلى نقاط قريبة من الأماكن المشتعلة. وقد ساعدت هذه التدابير على احتواء الحريق وتجنّب امتداده إلى أشجار الأرز المعمّرة التي كانت تبعد 12 متراً فقط عن آخر مكان مشتعل.
وفي سياق متصل، اشار وزير البيئة في تصريح له الى ان “طوافات الجيش التي أتت للمشاركة في الإطفاء لم تتمكن في البداية من العمل بسبب الضباب»، كما أن «معظم محاولات فوج الإطفاء كانت تتوقف عند التبريد بسبب وعورة الأرض وعدم وجود مصادر مياه داخل المحمية»، يضيف مدير المحمية، شليطا طانيوس. وفي حديث إلى «الأخبار»، أشار طانيوس إلى أن آليات الدفاع المدني انشغلت أمس بمحاولة الوصول إلى نقاط جديدة مشتعلة داخل المحمية «وقد تمكنت من ذلك عصراً، وهذا ما أتاح لها ضغطاً أعلى من المياه الذي من شأنه إنهاء الحريق وإخماد الجمر بشكل شبه نهائي».
إلى ذلك، يستمر التواصل بين وزارة البيئة والمعنيين لمتابعة أوضاع المحمية والعمل على تحديد الأسباب الكامنة وراء اشتعال النيران. وإذ لا توجد حتى اللحظة رواية مكتملة، إلا أن هؤلاء يميلون إلى فرضية «الصيد داخل أراضي المحمية، لا سيّما أنّ عناصر فوج الإطفاء وجدوا بقايا خرطوش، وهناك إفادات بسماع صوت طلقات نارية قبل وقوع الحريق». ومن هنا، ينفي رئيس بلدية تنورين سامي يوسف، في حديث إلى «الأخبار»، إمكانية اشتعال النيران بشكل طبيعي خصوصاً أن المحمية تقع على علو 1800 متر عن سطح البحر «وكان الوقت ليلاً». ولذلك، يشدّد على ضرورة إجراء تحقيق لمعرفة السبب الحقيقي، داعياً القوى الأمنية للمباشرة في تحقيقاتها. ومن جهة أخرى، ناشد وزارة البيئة العمل على وضع مقاربة وخطة جديدة لحماية المحمية من الحرائق.
بدورها، قالت “نداء الوطن” ان رواية حريق محمية أرز تنورين بدأت ليل الثلثاء عندما شبّ حريق على أطراف المحمية فشاهد الذين يقطنون المنطقة الجبلية شهب النيران تتصاعد فهبّوا مسرعين إلى تلك المنطقة و»طُرِح» الصوت، وتجنّد الشباب طوال الليل لإطفاء الحريق، ونظراَ إلى التضاريس الصعبة والوعورة لم يتمكن عدد كبير منهم من الوصول، لكن من وصل قام بالواجب وأكثر.
وصباح اليوم التالي إنطفأ الحريق لكن المشكلة أنه يحتاج إلى تبريد لأن الجمر تحت الرماد وفي أي لحظة تهب الرياح ويتجدّد الحريق، لذلك سارعت فاعليات المنطقة وعلى رأسها رئيس لجنة البيئة النيابية النائب غياث يزبك الذي رافق الشباب منذ اللحظات الاولى لنشوب الحريق ورئيس لجنة محمية أرز تنورين المهندس بهاء حرب إلى الإتصال بالدفاع المدني وقيادة الجيش لإرسال طوافات عسكرية لأن المنطقة لا تصلها الآليات، فما كانت النتيجة؟
طوال نهار الأربعاء تواصلت الإتصالات، لكن ما حصل هو تضارب في الصلاحيات، فالأرز مهدّد بالحريق وكل جهاز ينتظر الآخر، الدفاع المدني يقول إنه سيطر على الحريق ولا داعي لتدخّل طوافات الجيش، والجيش يؤكّد أنه جاهز للتدخل وينتظر طلب الدفاع المدني، في حين شكا الجميع من أن المدير العام للدفاع المدني العميد ريمون خطّار أقفل هاتفه وغاب عن السمع، بينما المطلوب إرسال تعزيزات لأن العناصر الموجودة أُنهكت وعديدها غير كاف.
وما إن حلّ الليل حتى تجدّد الحريق، فسارع شبان تنورين وفي ظروف قاسية جداً لحماية الأرزات، وعند فجر الخميس علت صرخات النائب يزبك ورئيس المحمية وفاعليات تنورين والجوار، ومفادها أننا نريد طوافات الجيش، فالعملية كانت تحتاج قبل يوم لعدد من طلعات الطوافات كانت كفيلة بإطفاء الجمر وإراحة أهل المنطقة.
وبعد أن مرّ قطوع الحريق على خير بعد تدخل الطوافات ورميها 4 براميل مياه فقط بسبب الأحوال الجوية، هناك مجموعة أسئلة يطرحها المعنيون وأهالي المنطقة وهي: أين كل المسؤولين من حريق بهذا الحجم؟ هل هناك أغلى من الأرز ليوقظ ضمائرهم؟
وفي المحصلة، فإن وزارة الطاقة صرفت أكثر من 150 مليون دولار على سدّي بلعا والمسيلحة وكلاهما «منشّفان» ولا تستطيع مروحية الجيش تعبئة ليتر واحد من المياه منهما، في حين أن إنشاء برك مياه صغيرة وشق طرق ترابية زراعية ربما لا يحتاج إلى أكثر من 50 ألف دولار لحماية أهم معلم سياحي وبيئي في تنورين ولبنان، وسط غياب الدولة عن حماية الثروة الخضراء في كل لبنان.
وجّه شباب تنورين، مقيمين ومغتربين، ممن أتوا لقضاء عطلة الصيف، رسالة قاسية لجميع الفاسدين وأصحاب الكراسي مفادها «إننا نحمي الأرزات برموش عيوننا» ولن نسمح لدولة فاشلة وفاسدة بأن تقتل ذاكرتنا ورمز علَمنا ولا ننتظر الدولة للتدخّل، في حين أن ما حصل في تنورين يدقّ جرس الإنذار في كل لبنان خصوصاً وأن موسم الحرائق إنطلق والدولة “مهترئة”. الاخبار”+ “نداء الوطن”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook