فضل الله: الدماء والدموع تستصرخ المسؤولين لتجميد خلافاتهم
ألقى العلامة السيد علي فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك.
قال : “البداية من الجريمة المروعة التي حصلت في برج البراجنة يوم أمس، وأدت إلى استشهاد عدد كبير من الناس، وجرح العشرات من الأطفال والنساء والشيوخ والشباب، ممن كانوا في مساجدهم وبيوتهم ومحلاتهم، ومن العائدين من مدارسهم وجامعاتهم وأعمالهم. لقد جاءت هذه الجريمة لتشكل شاهدا إضافيا على الطبيعة الإجرامية للذين خططوا لهذا العمل وقاموا به، ومدى الخطر الذي لم يعه البعض؛ خطر من يقتل بدون حساب، ولا يراعي في ذلك دينا أو إنسانية، فأي ذنب ارتكبه كل هؤلاء الناس حتى يقتلوا ويجرحوا وتدمر محلاتهم ويروع الآمنون في بيوتهم؟”
وتابع: “إننا لا نرى هدفا لمرتكبي هذه الجريمة سوى القتل للقتل، وتنفيس الحقد تجاه هؤلاء الناس الطيبين والعزل والآمنين، فالهدف إن كان مذهبيا، فالذين قتلوا وأصيبوا هم من مذاهب مختلفة، وإن كان سياسيا، فما يعرفه هؤلاء أنه ليس في موقعه، وهو لا يصرف في السياسة. وإن كان الهدف هو تغيير قناعات، فهذا العمل الوحشي لا يغير القناعات بل يعمقها، وإن كان الهدف من ذلك هو الترهيب، فالكل يعرف طبيعة هذا المجتمع الذي لا يستكين للترهيب، وهو الذي تربى على قول: “لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل، ولا أقر إقرار العبيد”، وحمل عبء القضايا الكبيرة، وتحمل ما تحمل من أجلها، وهو دائما على استعداد ليتحملها، انطلاقا من دينه وإيمانه ورسالته”.
ورأى انه “الحاجة باتت كبيرة في هذا الوقت، وأكثر من أي وقت مضى، إلى تضافر الجهود لمواجهة جادة وواعية وحكيمة لهذا المنطق التدميري الإلغائي والإقصائي، الذي يرفض أصحابه كل الذين يختلف معهم، والذي يصيب القيم والدين، كما يصيب الإنسان والمجتمعات والأوطان”.
وقال: “إن الحاجة ماسة لمواجهته فكريا وثقافيا وسياسيا وأمنيا، وتجفيف منابعه، لا المالية فحسب، بل الفكرية والدينية والسياسية أيضا، وإنهاء التغطية التي يحظى بها على كل المستويات، ومعالجة الأسباب التي ساهمت في تنامي هذا المنطق، الذي بات التيار الغالب في هذه المرحلة، بعد أن كان لا قرار له ولا استقرار ولا موطن، لا في العقول ولا في القلوب”.
ودعا إلى “تكاتف جهود الجميع من كل الأديان والمذاهب والمواقع السياسية والدول للتصدي لهذا الخطر، فهذا المنطق لا يمكن أن يكون قوة لأحد، ولا يمكن أن يستند عليه أحد، فهو مشكلة للجميع إن استشرى، ولذا على الجميع أن يتحمل عبء مواجهته”.
أضاف: “إن هذه الفاجعة أدمت القلوب، لكنها ممزوجة، كما عودتنا هذه المنطقة، بالعنفوان والصبر والثبات والعزيمة والإرادة، وقد أججت في الوقت نفسه، مشاعر الغضب لدى الجميع، بصرف النظر عن انتماءاتهم”.
وقال: “نتقدم من عوائل الشهداء بأحر تعازينا القلبية، ونسأل الله تعالى الرحمة وعلو الدرجات للشهداء، وندعو للجرحى بالشفاء العاجل. وفي الوقت نفسه، نثمن هذا الجو التضامني العالي الذي لمسناه من كل القوى السياسية والدول والمرجعيات الدينية، والذي نريده أن يتحول إلى مشروع عمل، بحيث لا يبقى في إطار المجاملات أو المشاعر التي تنتهي بانتهاء أمدها، وبذلك، نفوت الفرصة على مرتكبي هذه الجريمة، والنافخين في نار الفتنة المذهبية بين اللبنانيين أنفسهم، أو بين اللبنانيين والسوريين، أو بين اللبنانيين والفلسطينيين”.
وشدد على ان “الحاجة باتت أكبر إلى تعزيز مناخات الحوار والتلاقي، ومعالجة الأزمات المستعصية التي يعانيها هذا البلد، وتشكيل أرضية أمان، بعدما بات واضحا أن الغطاء الأمني الذي كان يظلل لبنان، قد فتق، ولا نقول إنه انتهى”.
واعتبر ان “كل هذه الدماء والدموع تستصرخ المسؤولين حتى يجمدوا خلافاتهم وصراعاتهم، ويسارعوا في إيجاد الحلول للمشاكل المستعصية التي تربك البلد، وتجعله في مهب الرياح العاتية والعواصف الهوجاء، ولا سيما مشكلاته الحياتية، وعلى رأسها النفايات”.