آخر الأخبارأخبار محلية

تحديّات أساسيّة يواجهها “حزب الله”.. هل تخلّت عنه بيئته الحاضنة؟

في خطابِه الأخير من الضّاحية الجنوبيّة لبيروت خلال خِتام فاعليات ذكرى الـ”40 ربيعاً” قبل أسبوع، أصرّ الأمين العام لـ”حزب الله” السيّد حسن نصرالله على فتح آفاقٍ جديدة للحِزب وتحديداً على الصّعيد السياسي الداخليّ بشكلٍ خاص.


ضمن سياقِ كلامِه، لم يُغفل نصرالله التحدّيات التي يُواجهها الحزب على مختلف الأصعدة، لكنّه فتَح البابَ لمرحلةٍ جديدة قد تكونُ مختلفة عن سابقاتها، سواءً من خلال العمل أو في كيفية مقاربة الأمور والانطلاقِ نحو أطرافٍ جديدة يُمكن التعامل والتعاطي معها.


بشكلٍ أو بآخر، لم يكُن خطاب نصرالله عادياً أبداً، إذ أطلق خلالهُ سلسلةً من الرسائل التي كشَفت هواجس لدى الحزب، أبرزها العلاقة مع حركة “أمل” والحلفاء الآخرين، السعيَ لتنمية القوّة العسكريّة، وكيفية المشاركة في الدّولة. أمّا الأمر الأهم فيرتبطُ في كيفية تحصين البيئة الحاضنة في ظلّ التقلبات والأزمات الطارئة. وضمنياً، فإن كل هذه الأمور تُشكل تحدياً بارزاً للحزب، إذ أنها تتقاطع مع مصالح سياسية ووجوديّة، كما أنها تفتح الباب أمامَ ترسيخ القدرة على البقاء باعتبار أن هناك عوامل عديدة يمكن أن تؤثّر على ذلك.


سياقٌ من التحدّيات


على مدى 40 عاماً، أي منذ العام 1982، خاض “حزب الله” سلسلةً من المعارك السياسية والعسكريّة، في حين أن أغلب الاستحقاقات ارتبطت بسلاحِه الذي ما زال يُشكّل نقطة جدليّة في الداخل اللبناني وعلى الصعيد الإقليمي.


وبعيداً عن أي نقاشٍ يرتبط بمدى أحقيّة وجود السلاح من عدمه، فإن هناك أمراً أساسياً يكمُن في مقاربة هذا الملف الذي طغى بقوّته وتأثيره على حلفاء آخرين، فأثر على انجازاتهم بشكل كبير، والمعنيّ هنا حركة “أمل” بالدرجة الأولى.


خلال خطابه في منطقة جنتا، قبل أيام، وفي كلمته الأخيرة من الضاحية، حاول نصرالله تسليط الضوء على حركة “أمل” وانجازاتها على صعيد التحرير ومُقاومة الاحتلال الاسرائيليّ، فشدّد على ضرورة التكامل معها خلال المرحلة المقبلة. هُنا، برزت بعض الحقائق التي لا يُمكن إغفالها بتاتاً، وأوّلها هو أن نصرالله اعترفَ وبشكل غير مباشر عن وجودِ خللٍ ما في العلاقة مع “أمل”، وهذا الأمر ارتبطَ بسياقٍ تاريخيّ بالدرجة الأولى، لكنّه تحول اليوم إلى نزاعٍ خفيّ بسبب القوّة الكبيرة التي تميّز بها الحزب على مختلف الأصعدة بينما باتَت كل الأطراف المرتبطة بـ”أمل” تحت تأثير الضغوطات القائمة في البلد.


اقتصادياً، لا يُمكن مضاهاة “أمل” بـ”حزب الله”، وعسكرياً المقارنة مفقودة تماماً، في حينِ أنّ التقارب السياسيّ كان الأكثر غلبةً، وهنا تكمن النقطة المحوريّة. فعلى مدى السنوات الماضية وفي عزّ الأزمات، شكّل رئيس مجلس النواب نبيه برّي درعاً متيناً لـ”حزب الله”، فكان سنداً له في كلّ المحاور رغم اختلافات كبيرة في التوجّهات. كذلك، كان برّي عراباً لكل التسويات التي ضمِنت للحزب بقاءً ثابتاً كما أنّه كان جسر العبور للأخير نحو الدّولة بكافة مؤسساتها. أمّا الأمر الأبرز والأهم هو أنّ برّي ما زال مُتمسكاً بخيارات “حزب الله” الأساسية، ومؤكداً على ضرورة التّكامل معه حتى وإن كانت عناصر التكافؤ بين الطرفين ضعيفة.


عملياً، انطلق نصرالله نحو نظريّة التكامل مع “أمل” لتثبيت واقعين: الأوّل وهو الحفاظ على “وحدة الثنائي الشيعي” باعتبارِ أن هذا الأمر هو مصدرُ قوّة أساسيّ للطائفة الشيعية في ظلّ الهجمة عليها من مختلف المحاور. وبشكل خاص، فإنّ التكامل سيكونُ وفق قاعدة واحدة وهي ترسيخ العمل أكثر من حركة “أمل” عبر إعادة إغناء دورها التاريخي إلى جانب “حزب الله” من دون إغفالِ قوّتها التي تمكنت عبرها من منحِ الحزب درعاً سياسياً ووجودياً. أما الواقع الثاني المرتبط بنظرية “التكامل” فتُؤسس لردمِ الهوّة بين الطرفين والتي نشأت خلال السنوات الـ3 الأخيرة وتحديداً بعد اندلاعِ الأزمة المالية عام 2019.

 

وحُكماً، لقد بدا واضحاً “التفاوت الاقتصاديّ” بين مجتمعي الحزب و”الحركة” في مختلف المناطق الشيعية، وهو أمرٌ انعكس تململاً كبيراً لدى أوساط شعبية عديدة. أما ما لا يُمكن إغفاله أيضاً هو أنّ انطلاقة نصرالله نحو الدعوة للتكامل كانت سببها الانتخابات النيابية الأخيرة، والتي كشفت عن “تزعزع” لقاعدة “الثنائي الشيعي” في أكثرَ من منطقة، وقد تجلّى ذلك في مُقاطعة شعبية غير عاديّة للتصويت. هُنا، ينطلق الكلامُ نحو “البيئة الحاضنة” والتي تُشكّل أساساً لـ”أمل” و”حزب الله”، والتحدّي الأكبر يرتبطُ بكيفية الحفاظ على تماسكها وإبقائها في كنفِ كافة التوجّهات السياسية والعقائدية المُرتبطة بشكل خاص بسياق الحروب التي شهدتها الطائفة الشيعيّة على مدى 50 عاماً.


قبل يومين، شهدت منطقة زوطر الجنوبيّة مشهداً غير مألوفٍ للكثيرين، إذ تبين أن منظمة الـ”USAID” الأميركية بادرت إلى توزيع مساعدات على سكانٍ هناك من الجنسيتين اللبنانية والسّورية. وفعلياً، فإن هذا المشهَد أثار موجة تساؤلات لدى مُراقبين من البيئة الشيعية، فرأوا أن الأزمة الاقتصاديّة سمحت بدخول المنظمات التي لا يتفق معها “محور المُمانعة”، وهذه رسالة إلى “حزب الله” بأن الوضع بات متدهوراً على صعيدٍ كبير، وأن الناس باتوا بحاجة للدعم المادي وسط الظروف المتردّية.


ومع كل المشهدية القائمة، عمدَ نصرالله إلى تثبيتِ نظريّة الحفاظ على الجيل الجديد وتثبيتِ تمسّكه بـ”حزب الله” ونهجِه، وهو أمرٌ يفتحُ الباب أمام دلالات عديدة أولها أن هناك خشية من انجرافِ الشباب بعيداً عن منطق الحزب ونهجه، في حين أنّ هناك حرصاً من الحزب على تكريس كلّ الدعم للبيئة الحاضنة من أجلِ التمسّك بوجودِ الحزب كعنصر ضمانة في ظلّ انكفاء الدولة عن تقديم الخدمات. وبشكل أساسي، فإنّ كلام نصرالله عن ضرورة بناء الدولة القادرة والفاعلة قد يتعارض مع أهميّة دور الحزب. ففي حال استطاعت الدولة تقديم الخدمات، عندها سيُصبح دور “حزب الله” مُتراجعاً في بيئته الشعبية على هذا الصعيد، وبالتالي فإن عناصر القوة التي برزت خلال استحقاقات عديدة ستبدو مُتراجعة.


أما التحدّي الأكبر الذي يُواجهه “حزب الله” في المرحلة المقبلة فيرتبطُ في كيفية التطلع نحو معالجة الخلل القائم ضمن بيئته، والمقصود هنا الأطراف التي تُعارض نهج “الثنائي”. فخلال الانتخابات النيابية الأخيرة، شكّلت الخروقات النيابية في الجنوب عاملاً غير عاديّ يجب التنبه إليه، إذ ثبُت للحزب أن هناكَ ثغرة ما لدى البيئة الشيعية، وقد انعكست في التوجه نحو انتخاب نواب قوى التغيير. مع هذا، فإن تحليلات كثيرة انطلقت أيضاً لتشيرُ إلى أن “الثنائي الشيعي” حاز فقط على 30% من أصوات الطائفة، بينما كانت هناك مقاطعة ضمنية لشرائح كبيرة من المجتمع كان يتم احتسابها سابقاً ضمن مؤيدي “الثنائي”.

وفي ظلّ كل ذلك، كان التوجّه ضمن الطائفة كبيراً نحو النواب الجُدد، إذ خيضت علناً معارك الانتخابات على أكثر من جبهة، وهو مشهدٌ يعتبرُ غير عادي بالنسبة للحزب وحلفائه.


وإزاء هذا الأمر، يجري التركيزُ بشكل كبير على الفريق الجديد من النوّاب، فمعركة الحزب السياسية في مناطقه تتجهُ نحو هذا المحور السياسي الجديد، لأن أي تصاعدٍ لهؤلاء النواب سينعكس سلباً على قوة الحزب الانتخابيّة خلال الاستحقاقات المُقبلة.


حتى اليوم، يرى “حزب الله” أن ضمانه لكامل النواب الشيعة هو عامل قوّة نيابي في البرلمان، لكن الأمرَ الأخطر يرتبطُ في خسارة بعض الحلفاء من الطوائف الأخرى، وهو الأمر الذي قد ينتقلُ إلى النوّاب الذين يشكلون جبهة أساسية عند الثنائي. وفي حال تحقق سيناريو غياب “الصقور” في أي انتخابات لاحقة، عندها سيتبين أن التراجع كبيرٌ جداً لدى الفئات الشعبية، والخلل هنا كبير وسيرسم آفاق مرحلة قادمة مختلف المعالم.


إذاً، التحديات أمام “حزب الله” ستكون كبيرة مع السنوات المقبلة، ومن خلالها يحاول استنباط الحلول تلو الحلول. مع هذا، ما يظهر من خلال الخطاب التمهيدي للمرحلة المقبلة هو أن هناك نهجاً جديداً يُحضره الحزب في مكانٍ ما، والاستحقاقات الآتية كفيلة بكشف التوجهات الجديدة التي أرساها نصرالله بشكلٍ واضح عندما تحدث صراحة عمّا يريده “حزب الله” على الصعد الداخلية والخارجيّة كافة.

 

 


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى