لماذا كل هذه “الطهوجة” يا جبران؟
لكي تكون الأمور واضحة كعين الديك أو كقرص الشمس في منتصف النهار، نعود إلى البدايات، أي إلى ما قبل دعوة رئيس الجمهورية إلى إستشارات نيابية ملزمة بعد إنتخابات أفرزت ما أفرزته.
منذ اللحظة الأولى، وقبل أن يسمّي النواب الرئيس نجيب ميقاتي لتشكيل الحكومة، التي لم تبصر النور حتى الساعة لأسباب باتت معروفة من القاصي والداني، كان لرئيس “التيار الوطني الحر” نائب البترون جبران باسيل موقف عدائي منه، وسعى بيديه ورجليه لكي لا يحول دون تسميته من الأغلبية النيابية، وخاصة النواب الذين كان يظّن أن لديه عندهم “مونة غير شكل”. إلاّ أن حسابات حقل “التيار الباسيلي” لم تنطبق على حسابات بيدر “حزب الله”.
ويسأل الذين لا يدرون ويقولون “كفّ عدس”: لماذا كل هذه العدائية من قِبل جبران باسيل تجاه الرئيس ميقاتي؟
الجواب البديهي والطبيعي هو أن رئيس حكومة “معًا للإنقاذ” قال وبالفم الملآن: لا لسلعاتا. ولذلك قامت القيامة ولم تقعد، وهي لا تزال قائمة، قبل التكليف وبعده. ولأنه يرفض الإستمرار في سياسة “لحس المبرد”، لأنه يريد حلًا مستدامًا لأزمة الكهرباء، ولأنه يرفض اللجوء إلى خيارات إنتحارية، لأنه لا يرى حلًا في “كهرباء البواخر”، ولأنه لم يساير في أي صفقة، ولأنه يرفض القفز فوق القانون، ولأنه مع أن تكون المحاسبة شاملة وغير إنتقائية وإستنسابية أو كيدية، ولأنه لم يمشِ بالتشكيلات الديبلوماسية الغوغائية، ولأنه لم يقبل بأن يكون طرفًا في تعيينات إدارية مشبوهة.
فنفحة التفاؤل التي أرساها لقاء الأربعاء في القصر الجمهوري بين رئيس الجمهورية والرئيس المكّلف بدّدتها “التسريبات الباسيلية”، إذ تبيّن جليًا أن الخلاف ليس على بعض الأسماء والحقائب المطروحة، بل إن ما وراء الأكمة، ما وراءها. وقد استعيد إحياء طموحات المقايضة التي طرحت سابقًا ولم تلق قبولًا ووجهت بالرفض، لجهة إلتزام الرئيس المكلف والحكومة العتيدة المرتقبة، باجراء سلسلة من التعيينات بالمراكز الأساسية المهمة بالدولة لصالح “التيار الوطني الحر”، والتعهد المسبق من رئيسها تحديدًا لإنهاء مهمات العديد من كبار الموظفين البارزين بالدولة، وفي مقدمتهم حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، ورئيس مجلس إدارة شركة طيران الشرق الأوسط محمد الحوت والمدير العام للمناقصات جان العلية وتعيين الهيئة الناظمة للكهرباء من المحسوبين على العهد بأغلبيتهم وإجراء التشكيلات بالسلك الديبلوماسي، الأمر الذي أبقى عملية التشكيل غارقة في دوامة التعطيل، باعتبار أن ما يُطرح من شروط مسبقة ليس منطقيًا ولا تحصل في نهاية أي عهد كان، بل من الطبيعي أن تحصل في بداية العهد المقبل، وأن ما يُطرح على هذا النحو لا يسهّل التشكيل، ولا يمكن أن يستجيب رئيس الحكومة المكلف لأي من هذه الشروط والإلتزامات المسبقة.
فكل هذه “الطهوجة” التي يقوم بها نائب البترون لم تنفع يوم كان العهد في عزّه، فكم بالحري في آخر أيامه.
وتبقى العبرة لمن إعتبر.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook