“لقد تعودنا على القصف الجوي”.. سوري من إدلب يوثق بالصور حرب روسيا الأخرى
نشرت في: 16/08/2022 – 13:14
منذ سنة 2013، تقصف القوات الجوية الروسية إلى جانب قوات النظام السوري بكثافة المناطق المدنية في شمال غرب سوريا. ورغم التوصل عدة مرات إلى وقف لإطلاق النار بين 2013 و2021، فقد نفذ الجيش الروسي عشرات الآلاف من الغارات الجوية التي تستهدف مناطق في محافظة إدلب وألقى خلالها ذخائر محظورة دوليا. ويعيش مراقبنا قرب مدينة إدلب في شمال غرب سوريا. ويحدثنا عن حياته اليومية الشاقة التي يمضيها تحت القنابل.
كشف تقرير نشر في 20 تموز/يوليو 2022 من قبل المنظمة غير الحكومية “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، وهي منظمة يقع مقرها في العاصمة الأمريكية واشنطن، ويعمل بها محللون أوروبيون وأمريكيون بالتعاون مع سوريين موجودين على الميدان، أن روسيا نفذت عشرات الغارات الجوية العشوائية التي استهدفت المدنيين والعاملين في الإغاثة الإنسانية في شمال غرب سوريا منذ سنة 2013. وهو تكتيك عسكري يتم من خلاله استخدام الذخائر القاتلة والمحظورة دوليا والتي تستخدمها روسيا أيضا في هجومها العسكري على أوكرانيا منذ شباط/فبراير 2022.
وبفضل مقاطع فيديو وصور التقطتها الأقمار الاصطناعية ومتوفرة على المصادر المفتوحة، تمكن التقرير من توثيق 58 “ضربة مزدوجة”. ويعني مصطلح “الضربة المزدوجة” ضربة نفذت على مرتين: مرة باستخدام صاروخ أرض – أرض أطلق على منطقة محددة ما يؤدي إلى انهيار مبان وحالة فزع عامة ومن المحتمل أن تتسبب في وقوع جرحى وبالتالي تدخل فرق الإسعاف. وعندما يتجمع الناس بكثافة في منطقة الضربة يتم تنفيذ غارة ثانية، جوية هذه المرة، تستهدف نفس الموقع ما يؤدي إلى مقتل المئات من المدنيين والمسعفين.
وعادة ما تنفذ هذه الضربات القوات الجوية الروسية في خارج المنطقة التي يسيطر عليها النظام السوري. وكانت آخر ضربة من هذه النوع قد نفذت في 22 تموز/يوليو الماضي وأوقعت 7 قتلى بينهم 5 أطفال و13 جريحا كلهم من المدنيين في ريف إدلب شمال غرب سوريا.
وفي اتصال مع فريق تحرير مراقبون فرانس24، قال محمد عبد الله المدير التنفيذي للمركز السوري للعدالة والمسؤولية الذي أعد هذا التقرير:
استهداف السكان المدنيين والعاملين في المجال الإنساني هو في صميم الاستراتيجية الروسية في سوريا، حيث تقوم بقصف المدارس والمستشفيات الميدانية وتقوم بقطع الكهرباء والماء الصالح للشرب، وهي وسائل لإجبار السكان على الاستسلام.
الغارات الروسية تتسبب في دمار أكبر من ذلك الذي تخلفه ضربات النظام، وذلك لأن الطائرات الروسية مجهزة بصواريخ تترك تأثيرها على مدى أكبر، إضافة إلى قدرتها على الوصول إلى أهدافها بأكثر دقة. كما أن الروس هم الوحيدون القادرون على تنفيذ غارات ليلية بفضل كاميرات الرصد الحراري على غرار ما لاحظناه في حلب و إدلب أو الدومة.
وفي سنة 2018، نزح نحو مليون سوري إلى محافظة إدلب بعد أن أجبروا على الفرار من مناطق أخرى تضررت من الغارات المزدوجة. وحسب مكتب التنسيق في الشؤون الإنسانية التابع لمنظمة الأمم المتحدة “أوشا”، فإن نحو 1.6 مليون شخص يعيشون اليوم في إدلب أي ما يعني نصف سكان المحافظة هم في الحقيقة نازحون داخليون. في المجمل، يوجد بالبلاد نحو 6.7 مليون نازح داخلي خلال سنة 2022 وهو أعلى عدد للنازحين الداخليين في العالم.
تقرؤون أيضا على موقع مراقبون: ناشط ينشر اليوميات المزرية للنازحين في مخيمات إدلب على تيك توك
“نحن محاصرون بين الحدود التركية المغلقة وضربات النظام السوري والقوات الروسية”
يبلغ عمر مراقبنا “محمد م.” (تم تغيير اسمه ضمانا لسلامته) 27 عاما وكان شاهد عيان على هذه الضربات، ويعيش في بلدة البارة التي تبعد نحو 30 كيلومترا جنوب مدينة إدلب، عاصمة المحافظة. ويوثق محمد على تويتر منذ أواخر سنة 2020 حياته اليومية في منطقة جبل الزاوية والتي يعيش خلالها على وقع الضربات الجوية الروسية التي يمكن أن يصل عددها اليومي إلى 10 غارات.
في صباح 9 آب/أغسطس، ألقت غارات جوية “مزدوجة” روسية وسورية نحو مئة صاروخ على تخوم بدلتي ولم تتسبب في سقوط ضحايا.
وتعرضت بلدة البارة لقصف كثيف بالضربات “المزدوجة” في 20 تموز/ يوليو، وأدت إلى سقوط عدد كبير من الجرحى وسط المدنيين. وأدت هذه الضربات إلى تدمير شبه كامل للمدينة.
فعليا، لم تتوقف الغارات الجوية أبدا على القرى الموجودة في جنوب إدلب، خصوصا في منطقة جبل الزاوية. ويتم إلقاء الصواريخ في النهار كما في الليل وفي فترات عشوائية.
ليس لدينا أي مكان نهرب إليه، فمن جهة توجد الحدود التركية المغلقة ومن الجهة المقابلة ضربات النظام والقوات الروسية. الناس لا يملكون أية حلول البتة. ليس أمامنا أي خيار: إما العيش في مخيم نازحين تحت خيمة أو السكن في بلدات مهددة بالتعرض لغارات جوية في أي لحظة.
لقد تم تدمير بيتنا في غارة جوية روسية منذ نحو عامين. واليوم أعيش أنا وعائلتي في بيت مهجور. نحن نعيش في الغرفة الوحيدة التي مازالت صالحة للسكن في البيت الذي تحول إلى أنقاض في وقت سابق.
أسكن على بعد بضعة كيلومترات من مناطق التماس حيث تهاجم القوات الروسية والإيرانية والسورية والمليشيات المساندة للنظام وتنفذ غارات على المناطق المجاورة.
ولدى محمد م. بنت لم يتجاوز عمرها 3 سنوات والتي تظهر في معظم الأحيان إلى جانبه في الصور التي قام بإرسالها إلى فريق التحرير، ولكنه يفضل ألا يظهر صورتها للعموم.
وفي مقطع فيديو مدته 18 ثانية، وتم التقاطه الشهر الماضي في مدينة البارة، كان محمد واقفا أمام الكاميرا وابنته بين ذراعيه وخلفه مشهد طبيعي يمتد في الخلفية.
ونسمع صوت دوي إطلاق صاروخ ومن ثم انفجار في مكان بعيد. يقول محمد لابنته “انظري إلى الكاميرا” حتى يشتت انتباهها عن الانفجار. ولكن الطفلة كانت ترمق -برباطة جأش- الانفجار ومن ثم سحابة الدخان الذي تصاعدت أعمدته إلى السماء.
ابنتي لم تعد تبدي رد فعل على الانفجارات والغارات الجوية وحتى عندما أحاول حمايتها نفسيا من هذه الحوادث التي يمكن أن تخلف آثار عليها. وفي نفس يوم مولدها تم قصف المستشفى، ولكن من حسن الحظ، خرجت هي وأمها سالمتين من الضربة. مع الأسف، تعودنا على الغارات الجوية منذ سنوات، هناك جو عام من اللامبالاة وعدم الاكتراث.
المساعدات الإنسانية ليست كافية بالمرة، وذلك لأن إدلب تحتوي على عدد كبير من النازحين، إضافة إلى سكانها الأصليين. يوجد عدد كبير من من مخيمات اللاجئين بالقرب من معبر باب الهوى [فريق التحرير: معبر إنساني تم إنشاؤه من قبل الأمم المتحدة في سنة 2021] الذين تركوا تماما لمصيرهم المحتوم مع طقس متقلب خلال الشتاء كما في الصيف، دون أن يكون لهم ما يكفي من المؤونة والأدوية.
في يوليو/ تموز 2022، استخدمت روسيا حق الفيتو لمنع تمديد عمل الممر الإنساني الذي يسهل عبور المعدات الطبية والإنسانية إلى المخيمات والمدن المدمرة، حيث تنتشر عدة أمراض. وبعد مفاوضات فرضت فيها روسيا شروطها، تم الاتفاق على تمديد العمل في المعبر الإنساني باب الهوى لمدة 6 أشهر فقط.
“ضربات غير مبررة، والنظام السوري يتعلل بتقارير كتابية فقط”
وفي التقرير الذي نشر في نهاية سنة 2021، نددت الشبكة السورية لحقوق الإنسان باستخدام روسيا حق الفيتو 16 مرة بالتواطئ مع نظام بشار الأسد، بينهم الفيتو المستخدم لمنع تمديد العمل في معبر باب الهوى الحدودي، والأسلحة الكيماوية التي استخدمها النظام ضد مواطنيه. بالتوازي مع ذلك، يذكر التقرير أنه في سنة 2021 لوحدها، نفذت روسيا ما لا يقل عن 145 هجوما جويا و400 ضربة استهدفت قرى وأراض زراعية ركزت خلالها على ريف إدلب والمناطق القريبة منه.
يوضح فاضل عبد الغني مؤسس الشبكة السورية لحقوق الإنسان:
النظام السوري لا يتمتع فقط بمساعدة عسكرية من روسيا بل بحمايتها القانونية في نظر الأمم المتحدة، حتى يتمكن من تنفيذ غاراته دون إعارة اهتمام للمجتمع الدولي وفي إفلات تام من العقاب.
وفعلا، يحدث أن يتسلل قادة متطرفون إلى المدن، ولكن في هذه الحالة يجب على النظام السوري والجيش الروسي تقديم أدلة لوجود تلك العناصر الإرهابية قبل تنفيذ ضرباتهم.
هذا المقطع المصور في 24 تموز/ يوليو في مدينة السقيلبية (محافظة حماة) يظهر لحظة قصف من طائرة مسيرة “ذات مصدر مجهول” حسب الصحافة المحلية. وقد استهدف القصف تجمعا لعدد من المدنيين الذين كانوا يقيمون قداسا افتتاحيا في كنيسة أورثودوكسية ما أوقع قتيلين وعدة جرحى.
يتعلق الأمر باحترام مبدأ التناسب أمام القوانين الدولية، والتكافؤ بين الوسائل المستخدمة والأهداف أو المنظمات المستهدفة: على سبيل المثال، إذا ما أدت ضربة إلى قتل إثنين من رجال تنظيم “الدولة الإسلامية” وأدت أيضا إلى مقتل 20 مدنيا، فإن مبدأ التكافؤ لم يتم احترامه. ولكن لم يتم تقديم أية أدلة لتبرير هذه الضربات، والنظام السوري يتعلل فقط بتقارير مكتوبة دون معطيات محسوسة أو صور لدبابات أو أسلحة على سبيل المثال.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook