“أسرارٌ مُريبة” تكشف عن قصف سوريا من لبنان.. ما فعلته إسرائيل “غير مُطمئن”
لم يكُن القصفُ الذي استهدفَ الأراضي السوريّة، مساء أمس الأحد، خالياً من الرسائل المُفخخة والتي جاءت وسط التأزّم الذي يحكم ملف ترسيم الحدود البحريّة بين لبنان والعدو الإسرائيلي.
فمن فوق الأراضي اللبنانية، انطلقت صواريخ باتجاه العمق السوري، حيثُ قيل أنها استهدفت مراكز عسكريّة تابعة للجيش السوري في طرطوس، وأسفرت عن مقتل 3 أشخاص. مع هذا، فإنّ معلومات متفاوتة أخرى تحدّثت عن مقتل ضابطٍ إيراني قيل أنه كان يُشرف على عملية نقل صواريخ إلى “حزب الله”، فيما وردت معطيات تشير إلى أن صواريخ إسرائيلية استهدفت مستودعاً للصواريخ في طرطوس.
في ظل كل ذلك، كان لافتاً الصمت الذي عمّ أوساط القيادة العسكرية الإسرائيلية، إذ لم يكن هناك أي تصريحٍ علني أو رسمي بشأن ما حصل، علماً أن وسائل الاعلام السورية أكدت أن ما شهدته طرطوس وسلسلة جبال القلمون المحاذية للبنان، هو “اعتداء إسرائيلي”.
في ما خصّ هذه النقطة، تكمُن الرسائل والدلالات، فتل أبيب كانت بعيدة كل البعد عن تحمّل مسؤولية الهجوم. حُكماً، الأمر هنا “غير اعتيادي”، لاسيما أن الاستهداف طال محافظة طرطوس التي تضمّ قاعدة عسكرية روسية، وقد حمل بصماتٍ إسرائيلية لا يمكن نفيها أبداً باعتبار أن هناك حوادث سابقة حصلت في الماضي وكانت مماثلة تماماً لما جرى يوم أمس.
مع كل هذا، فإن الأجواء اللبنانية كانت شاهدة على ما جرى، إذ رُصد صاروخان في السماء انطلقا من البحر قبالة ساحل قضاء الشوف باتجاه سوريا، وقد تزامن ذلك مع تحليق كثيف لطيران حربي لا يُمكن إلا أن يكون إسرائيلياً.
بديهياً، فإن الطيران الذي أطلق الصواريخ لم يكن عائداً لأي جهة أخرى، إذ لن تأتي دولة بعيدة لقصف سوريا من فوق لبنان، في حين أنّه كانت لإسرائيل طلعات جويّة عديدة سابقاً قصفت خلالها أهدافاً في الداخل السوري.
كذلك، فإنّ الخروقات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية يمكن رصدها تماماً من قبل قيادة الجيش وقوات “اليونيفيل”، وبالتالي يُمكن مقاطعة المعطيات للتثبت من أن الطيران الذي أطلق الصواريخ كان إسرائيلياً.
وفي ظل كل ذلك، يبقى السؤال الأساس الذي لم تنكشف إجابته حتى الآن: لماذا ابتعدت اسرائيل عن تبنّي الهجوم؟
بشكل أو بآخر، تتجه كل أصابع الاتهام باتجاه تل أبيب، لكن ما يظهر حالياً هو أنها تتريث قبل الإعلان عن أي شيء يتعلق بالهجوم، وقد يكون ذلك مرتبطاً بنوع الهدف الذي تم استهدافه عبر القصف.
فعلياً، فإنّ “الصمت” الإسرائيلي الذي قد يستمرّ طويلاً يثير الرّيبة بعض الشيء، وقد يكون هدفه عدم إثارة أي استفزازٍ للوجود الروسي في سوريا، لكنه في المقابل هدَف إلى إسداء رسالة للوجود الإيراني هناك.
مع هذا، قد يكون الصمت الإسرائيلي قائماً على تنسيق مع روسيا التي يظهر أنها غير معنية بالقصف الذي حصل، باعتبار أنّه ما من معطيات تشير إلى أن قواتها هي التي تضررت أو أن القاعدة التي تسيطر عليها هي التي كانت تحت الاستهداف.
بالنسبة لسوريا، فإن إعلان تل أبيب عن قصفها طرطوس من عدمه، لا يُقدّم ولا يؤخر بالنسبة لها، وهي تعتبر أن ما حصل هو اعتداء اسرائيلي لا لُبسَ فيه. إلا أن الأمر الأهم يرتبطُ بالخسائر التي تولدت نتيجة ما حصل، وفي حال “صدقت” المعلومات التي تحدثت عن ضرب مخازن صواريخ دقيقة عائدة لـ”حزب الله”، عندها سيكون ذلك دافعاً لإسرائيل في تبنّي الهجوم، وبالتالي تصوير ما حصل بأنه “ضربة” لخطوط الإمداد التي سيعتمد الحزب عليها في أي معركة مقبلة.
وسط هذه المشهدية، كان لافتاً أن وسائل إعلام عربية هي التي تولّت كشف تلك المعلومات، وقد تكونُ إسرائيل أرادت هذا الأمر عن قصد بهدفِ ترك رسالة مفادها أن الوجود الإيراني مُهدّد في المنطقة، وأن إسرائيل بإمكانها أن تستهدف الخبراء والضباط التابعين للحرس الثوري الإيراني في أي مكان كانوا به.
كذلك، فإن القصف الذي جرى يوم أمس يحمل رسالة مباشرة إلى “حزب الله” أساسها أن تل أبيب بإمكانها ضرب كل البنى التحتية الخاصة بالصواريخ الدقيقة، كما أنه بإمكانها التأثير على خطوط الإمداد بالسلاح بين سوريا ولبنان. وضمنياً، فإن هذا القصف يأتي في ظل عدم اتضاح صورة ملف ترسيم الحدود البحرية بين إسرائيل ولبنان، والذي ينخرط “حزب الله” فيه بشكل كبير.
هنا، فإن السعي الإسرائيلي لضرب قواعد خاصة بالحزب في سوريا قد تكونُ عاملاً أساسياً خلال المعركة الحالية، بمعنى أن تل أبيب قد تشنّ هجومات ضد “حزب الله” خارج لبنان وذلك من دون أن يعمد الأخير إلى الرّد، باعتبار أن الضربات لم تستهدف لبنان بالدرجة الأولى، بل حصلت في سوريا وقد بات الأمر “اعتيادياً” هناك بعض الشيء.
ولهذا، فإن ما حصل يُعتبر “حركشة” بالطرف الآخر لقياس ردّة فعله، علماً أن الحزب لم يُطلق أي تعليق بشأن ما جرى، كما أن الإيرانيين التزموا الصمت التام أيضاً مثلهم مثل الرّوس.
وبذلك، فإن القصف الذي حصل يعتبرُ “يتيماً” و “مُحيّراً”. فمن جهة، يمكن لإسرائيل أن ترى في ضرب سوريا تقدماً إستراتيجياً وعسكرياً، ومن جهة أخرى يمكن اعتبار ما جرى بمثابة ضربةٍ جديدة للملف النووي الإيراني وتحديداً بعد إعلان ممثل روسيا في فيينا ميخائيل أوليانوف، الأحد، أن هناك إيجابية ستقود نحو الوصول إلى اتفاق قريب.
حتماً، قد تكون الضربة الإسرائيلية بمثابة رسالة هدفها إعاقة التوصل إلى اتفاق بين أميركا وإيران لاسيما أن هذا الأمر سيشكلُ تهديداً وعائقاً كبيراً أمام إسرائيل. مع ذلك، فإن اختيار إسرائيل لطرطوس بشكل خاص قد يكونُ رسالة “عتب” إلى روسيا التي تولت الترويج للإيجابية المرتبطة بالاتفاق.
إضافة إلى ما تقدّم، فإن إدغام “حزب الله” في بنك الأهداف المرتبط بالهجوم الأخير أساسه زيادة الضغط عليه عسكرياً خصوصاً أنه لن يندفع لأي رد أو مواجهة على اعتبار أن إسرائيل لم تعترف بمسؤوليتها عن القصف، وهنا النقطة الأساس. فبقوة، يمكن لإسرائيل أن تجعل كل الأطراف مستهدفة من دون نسبِ العمل إليها طالما أنها لم تُعلن عن ذلك، وبالتالي فإن استهدافها أو الرد عليها ستعتبره اعتداء ضدها لا يُمكن تبريره. وبمعنى آخر، إذا لجأت إيران أو “حزب الله” أو سوريا لشنّ أي عملية ضد إسرائيل عبر نقاط مختلفة، سواء في الجولان أو في جنوب لبنان بسبب القصف الأخير، عندها ستكون لدى تل أبيب ذريعة لشنّ حرب بحجة الدفاع عن نفسها.
في خلاصة القول، ما يمكن اعتباره هو أن أمرَ ضربة طرطوس غير محسوم ويحملُ في طياته أسراراً كثيرة ستنكشف تباعاً، ومن الممكن أن يتكرر القصف الإسرائيلي على سوريا في أي وقت آخر لزيادة الضغط على محور الممانعة وتحديداً “حزب الله”.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook