آخر الأخبارأخبار دولية

شبح تنظيم “الدولة الإسلامية” يهدد البلاد بعد مرور عام على سقوط كابول


نشرت في: 15/08/2022 – 06:46

منذ أن غادرت القوات الأمريكية أفغانستان، يواصل فرع تنظيم “الدولة الإسلامية” عملياته في ضرب استقرار البلاد، مستغلا الأزمة الإنسانية العصيبة التي تمر بها والتوترات العرقية والخلافات الداخلية في صفوف حركة طالبان.

مرت سنة على مغادرة القوات الأمريكية لأفغانستان مخلفة وراءها أزمة إنسانية وأمنية في استفحال مستمر. وعلى الرغم من تباهي طالبان بالقضاء نهائيا على فرع تنظيم “الدولة الإسلامية” الذي يحمل اسم “ولاية خراسان”، إلا أن تهديدات هذه الحركة الجهادية لم تتوقف طيلة هذه المدة. بل بالعكس صعدت وضاعفت من هجماتها التي طالت سكان مدنيين ومسؤولين دينيين.

ويعود تاريخ الاعتداء الإرهابي الأخير، الذي نفذه فرع “تنظيم الدولة الإسلامية” في البلاد، إلى 11 آب/أغسطس الماضي. فيما أودى بحياة مسؤول ديني رفيع المستوى في حركة طالبان يدعى رحيم الله حقاني. هذا الرجل عرف بخطاباته النارية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” في منطقة خراسان وبتأييده لفكرة عودة الطالبات الأفغانيات إلى المدارس.

وقبل أسبوع من وقوع هذا الحادث، تبنت نفس المجموعة الإرهابية مسؤولية اعتداء آخر، استهدف حيا شيعيا في العاصمة كابول، موديا بحياة ثمانية أشخاص وجرح ثمانية عشرة آخرين. الهجوم نفذ بواسطة قنبلة استهدفت المجموعة العرقية التي تدعى بـ”الهزارة”. وهي أقلية أفغانية تشكل نسبة تتراوح بين 10 إلى 20 بالمائة من إجمالي سكان أفغانستان البالغ حوالي 40 مليون شخص، وتنتمي للطائفة الشيعية.

وعلى الرغم من الاعتداءات التي تشهدها أفغانستان بشكل منتظم والتي باتت حاجزا كبيرا أمام استتاب الأمن، كما وعدت به حركة طالبان، إلا أن العنف المسلح شهد تراجعا ملحوظا في هذا البلد منذ سقوط الحكومة السابقة بشكل عام.

“حرية كبيرة في التحرك”

ووفق إحصائيات نشرتها بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان، فالاعتداءات التي استهدفت المجموعات العرقية والدينية التي تنتمي إلى أقليات في البلاد، أسفرت عن مقتل سبعمئة شخص وجرح مئة وأربعين آخرين بين منتصف شهر أغسطس/آب 2021 ومنتصف يونيو/تموز 2022.

لكن من بين كل هذه الاعتداءات الجهادية، يبقى الاعتداء الخاطف على مطار كابول في 26 أغسطس/آب 2021 الأكثر دموية. إذ قام انتحاري من تنظيم الإرهابي بتفجير نفسه قرب مدخل تابع للمطار، تلاه إطلاق كثيف للنيران، ما أدى إلى مقتل مئة وخمسة وثمانين شخصا من بينهم ثلاثة عشرة عسكريا أمريكيا.

يتمركز تنظيم “الدولة الإسلامية” في خراسان منذ 2015 وبالتحديد في أقاليم “ننغارهار” و”كونار” قرب الحدود الباكستانية. فيما تم تأسيس هذا الفرع من قبل مسؤولين سابقين في طالبان أفغان وباكستانيين، بايعوا أبو بكر البغدادي، الزعيم السابق للتنظيم.

وتكبد فرع تنظيم “الدولة الإسلامية” في أفغانستان خسائر كبيرة من قبل القوات العسكرية التابعة للحكومة السابقة بمساعدة أمريكية ومن قبل حركة طالبان أنفسهم. لكن هذا لم يمنعه من استرجاع عافيته وقوته بشكل تدريجي، لا سيما في شمال شرق البلاد حيث يشكل التحدي الأكبر بالنسبة لأسياد كابول الجدد.

وفي هذا الشأن قال وسيم نصر، المتخصص في الجماعات الجهادية لدى فرانس24: “لا يمكن القول إن تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ في خراسان يلقى الدعم. لكنه في نفس الوقت أصبح يتمتع بحرية أكبر لتنفيذ عمليات جهادية منذ أن غادرت القوات الأمريكية البلاد”.

وتابع: “استطاعت طالبان أن تضع حدا لعمليات التمرد التي يقوم بها تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ في خراسان، لكن لاحظنا معاناة طالبان عندما يتعلق الأمر بمحاربة الإرهاب في المناطق الحضرية”.

تأجيج الخلافات العرقية

وحسب مريم بن رعد، أستاذة في العلاقات الدولية بجامعة شيلير وصاحبة كتاب “الإرهاب، ويلات الانتقام”، فعدد المقاتلين المنخرطين في صفوف تنظيم “الدولة الإسلامية – ولاية خراسان” قبل مغادرة الأمريكيين المنطقة كان يقارب حوالي 2000 شخص”، مشيرة إلى أن “النواة الصلبة” في هذا التنظيم تتشكل من شبان مهمشين يعيشون في مناطق ريفية ولا يتمتعون بمستوى علمي عالي”.

ولإقناع مقاتلين جدد بالانضمام إليه، يلعب التنظيم على وتر الانقسامات العرقية وذلك عبر بث أشرطة فيديو دعائية تستهدف في المقام الأول قبائل “التاجيك” وهي المجموعة العرقية الثانية في البلاد، وتمثل ربع سكان أفغانستان.

وحسب الباحث في المعهد الفرنسي للدراسات حول آسيا الوسطى ديديه شودي” فتنظيم “الدولة الإسلامية” في منطقة خراسان قدم نفسه على أنه القوة القادرة على حماية قبائل “الطاجيك” ضد قبائل “الباتشون” الحاكمة في كابول والتي تنشط تحت حماية طالبان“، مشيرا إلى أن “بعض العسكريين القدماء الذين عملوا في القوات الخاصة التابعة للنظام الأفغاني السابق التحقوا بصفوف “الطاجيك”. لكن اليوم، غيروا ولاءهم وانضموا إلى تنظيم “الدول الإسلامية”. وهم مقاتلون تدربوا على يد القوات الأمريكية والفرنسية”.

هذا السيناريو يشبه السيناريو العراقي عندما التحق بعض أعضاء الاستخبارات العراقية الموالين لصدام حسين بصفوف تنظيم “الدولة الإسلامية”.

ويبحث التنظيم عن الطريقة الأمثل لاستقطاب مقاتلين أجانب جدد سواء من منطقة آسيا الوسطى أو لدى أولئك الذين ينشطون في شبكة “حقاني” المتطرفة. وهي مجموعة إسلاموية تملك علاقة مقربة جدا من القاعدة.

بشكل عام، يحاول تنظيم “الدولة الإسلامية” في منطقة خراسان استغلال الخلافات الداخلية الموجودة في صفوف طالبان من جهة، وبين المنظرين الإيديولوجيين المناهضين لأي تقارب مع الغرب والمسؤولين الذين يناصرون فكرة تقديم تنازلات من جهة أخرى، لتعزيز مصداقيتهم دوليا.

وأوضحت مريم بن رعد في هذا الخصوص قائلة: “هناك بعض العناصر من طالبان غير راضين عن ابتعاد الحركة من فكرة الجهاد الشامل”.

وأضاف وسيم نصر: “لا نعرف ما إذا كان بعض عناصر طالبان، الذين خابت آمالهم من الحركة، قد بدؤوا في الالتحاق بصفوف تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ في خراسان أم لا. يجب التذكير أن الحركة بقيت كما كانت في السابق ولم تتغير إلا في نقطة واحدة، وهي حماية الشيعة. طالبان أصبحت لا تبالي بهم. هذا، ما جعل تنظيم “الدولة الإسلامية” يستغل هذه النقطة بالذات لنشر دعايته واستقطاب مقاتلين جدد وإظهار طالبان على أنهم “مسلمون مزيفون”.

الحلم بـ”خلافة” جديدة

وبالرغم من امتلاك التنظيم إمكانية تنفيذ هجمات إرهابية خطيرة، إلا أنه بات “غير قادر على استرجاع قواعده في أفغانستان” حسب وسيم نصر.

وأضافت من جهتها مريم بن رعد: “لم يتمكن تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ في خراسان من فرض تطويق شامل على الأقاليم الواقعة شرق البلاد والتحكم فيها كما كان الأمر في العراق. أما عمليات القتل الجماعية التي استهدفت مدنيين، فلقد أفقدت التنظيم شعبيته لدى الأفغان”.

لكنعلى الرغم من كل هذا، تبقى أفغانستان بمثابة الأرض الخصبة التي يمكن أن ينمو فوقها تنظيم “الدولة الإسلامية” في خراسان في السنوات المقبلة. وما يعزز هذا التحليل هو استمرار الخلافات العرقية والأزمات الإنسانية الخانقة إضافة إلى تردي الوضع الأمني.

ويرى ديدييه شودي أن “في حال أراد تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ في منطقة خراسان فرض نفسه على أرض الواقع، فهو يحتاج إلى انهيار الدولة الأفغانية. و في حال أيضا أدت المشاكل الاقتصادية والاجتماعية التي يعاني منها الأفغان إلى سقوط نظام طالبان، فهذا يعني بأن هناك إمكانية حقيقية أن تلتحق قوى أكثر تطرفا بتنظيم ’الدولة الإسلامية‘ في خراسان”، منوها إلى أن “الشيء الأكثر خطرا الذي يمكن أن يحدث في السنوات القادمة، هي أن نشهد ولادة جديدة لـ’داعش‘”.

وأنهى الباحث في المعهد الفرنسي للدراسات حول آسيا الوسطى: “الخطر الأمني الأساسي الذي يمكن أن يتعرض إليه أفغانستان لن يأتي من جيرانه أو من الأسرة الدولية أو من طالبان أو القاعدة، بل من قبل تنظيم ’الدولة الإسلامية‘ في خراسان”.

ولمنع ظهور ملاذات إرهابية على أبوابها، تراقب القوى الإقليمية تطور الوضع في أفغانستان وتسعى إلى نسج علاقات “مقبولة” مع طالبان منذ عودتهم إلى السلطة. ففي أكتوبر/ تشرين الأول 2021 احتضنت موسكو قمة دولية واسعة شاركت فيها حوالي عشر دولة، من بينها الصين وإيران وباكستان. وكان الهدف إدماج طالبان في اللعبة الدبلوماسية وذلك توازيا مع المحادثات التي نظمت بين زعماء الحركة والولايات المتحدة الأمريكية في قطر.

وينظر المجتمع الدولي إلى حركة طالبان على أنها أقل شراسة مقارنة بالإرادة التوسعية التي أظهرها تنظيم “الدولة الإسلامية” في خراسان. لكن حسب مريم بن رعد هناك شكوك قائمة حول وجود علاقات قوية بين الجماعات الجهادية وبعض فروع حركة طالبان الأكثر تطرفا والموالين لفكرة الجهاد الشامل”. وخلصت: “طالبان لم تعلن الجهاد ضد أعدائها الخارجيين لكن الولايات المتحدة الأمريكية تدرك جيدا بأن الدول الغربية لا تزال في مرماها”.

 

فرانس24


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى