طائرات بدون طيار مدنية تم تحويلها إلى أسلحة حرب

نشرت في: 12/08/2022 – 12:05

في بداية الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 شباط/ فبراير 2022، تمت دعوة  كل الأوكرانيين للمساهمة في المجهود الحربي. حيث حمل متطوعون السلاح إلى جانب الجنود الأوكرانيين فيما عمل آخرون على الدفاع لآخر رمق عن أحيائهم بأسلحة بدائية مثل كوكتيل مولوتوف الحارق. حتى أن البعض منهم أدخل تعديلات على طائرات مسيرة مدنية ترفيهية لتحويلها إلى سلاح حربي.

وتظهر مقاطع فيديو وصور نشرت على وسائل التواصل الاجتماعي كيف يستغل المقاتلون الأوكرانيون هذه الآلات الصغيرة للقيام بمهام استطلاع أو إطلاق متفجرات على مواقع القوات الروسية.

جندي أوكراني يعرض طريقة تحويل طائرة مسيرة مدنية إلى قاذفة ذخائر.

مقطع فيديو نشر على تويتر في يوم 12 حزيران/ يونيو 2022 يظهر جنديا يوجه طائرة مسيرة ترفيهية لغايات مراقبة عسكرية.

وتواصل فريق تحرير مراقبون فرانس24 مع مارك كانسيان، وهو متقاعد من قوات “المارينز” في الولايات المتحدة والذي يعمل اليوم محللا عسكريا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية. ويوضح هذا الخبير في العتاد الحربي والاستراتيجية العسكرية والذي تابع عن قرب الحرب الدائرة في أوكرانيا، مزايا استخدام الطائرة المسيرة المدنية في هذا النزاع:

الطائرات المسيرة المدنية هي أرخص بكثير من الطائرات العسكرية بدون طيار وبالتالي فهي مهمة جدا بالنسبة إلى الجماعات المسلحة التي لا تملك إمكانيات مالية كبيرة. كما أنه يبقى من السهل التحكم به. فبإمكان الجيش الذي لا يملك فرصة الحصول على طائرات بدون طيار عسكرية استخدامها ولكن جماعات المتمردين في عدة مناطق غالبا ما تستخدمها، تنظيم “الدولة الإسلامية” استخدمها بدوره في تنفيذ اعتداءات.

مقطع فيديو نشر على تويتر في 27 تموز/ يوليو 2022 ويظهر طائرة عسكرية تم تعديلها من قبل القوات الأوكرانية حتى تصبح قادرة على حمل مواد متفجرة.

يشبه هذا الأمر عملية إيجاد بديل في ظروف صعبة. أشك في أن عددا كبيرا من الجنود يقومون بشراء هذه الآلات المدنية من الإنترنت، كما أنه يمكن للحكومة توفيرها، ولكن من الظاهر أن هذه العملية هي فكرة مبتكرة.

وغداة الغزو الروسي لأوكرانيا، تطوع آلاف المدنيين الأوكرانيين للقتال مع الجيش في مواجهة القوات الروسية. ولم يكن لدى السواد الأعظم من هؤلاء المتطوعين أي تكوين عسكري في السابق ولكن البعض منهم كانوا يملكون كفاءة في التقنيات الحديثة والإعلامية والتي تم وضعها بخدمة القوات المسلحة بالخصوص في عملية إدخال تعديلات على الطائرات المسيرة المدنية وإعطائها صبغة حربية.

تقرؤون أيضا على موقع مراقبون>> الآلاف من المدنيين الأوكرانيين يتأهبون للقتال ضد روسيا

جمعت بعض المجموعات على غرار أعضاء مبادرة Vests for Ukraine (سترات من أجل أوكرانيا) الأموال في إستونيا، للحصول على طائرات مسيرة لفائدة المقاتلين الأوكرانيين.

“ببضعة آلاف من اليوروهات، يمكن تدمير ما قيمته مئات الآلاف من اليوروهات من العتاد العسكري الروسي”

أطلق رايفو أوليف الذي يعمل سباكا في إستونيا حملة “سترات من أجل أوكرانيا” عندما علم أن الجيش الأوكراني يعاني نقصا في السترات الواقية من الرصاص. ويروي قائلا:

كان هناك جيش من المتطوعين الذي يقاتلون منذ سنة 2014 من دون أن يحصلوا على دعم من الحكومة. إذا ما رأيتم جيش المتطوعين هذا اليوم، ستكتشف أنهم يقاتلون بسترات واقية من الرصاص قمنا نحن بتوفيرها، كما قمنا بتزويدهم بعربات وعتاد عسكري. وهم يقومون بإرسال مقاطع فيديو صور لنا. وتعد الطائرات المسيرة المدنية جزءا من العتاد الذي يطلبون منا توفيره.

كل الناس أصبحوا يعرفون مدى أهمية الطائرات المسيرة، من يملك عددا أكبر من الطائرات المسيرة يملك عيونا في السماء. نقوم بإرسال الطائرات المسيرة المدنية التي نعثر عليها في المحلات التجارية فيما تستخدم أكبر الأنواع منها لأغراض صناعية يمكن بسهولة إدخال تعديلات على طراز الطائرات المسيرة ذات الاستخدام الصناعي لتصبح قادرة على إلقاء متفجرات من عيار 82 مليمتر [فريق التحرير: نوع من الذخائر التي يصل وزنها إلى 3 كيلوغرامات]. كما أنه بإمكانها نقل ما يصل وزنه إلى 6 كيلو غرامات من الأحمال وبإمكانها الطيران لمسافة تتراوح بين 5 إلى 7 كيلو مترات وإطلاق الذخائر التي حملتها ومن ثم العودة من حيث جاءت.

مقطع مصور نشر على تويتر في 9 تموز/ يوليو ويظهر جنديا أوكرانيا يركب عبوة متفجرة من عيار 82 مليمتر فوق طائرة مسيرة مدنية.

هذه الطائرات المسيرة تؤدي المنتظر منها بشكل جيد على غرار ما تؤكده مقاطع الفيديو. كما أنه بإمكان الناس الذين يعطون أموالهم رؤية كيف يتم استخدام تبرعاتهم بدقة. مع بضعة آلاف من اليوروهات، بإمكانك تدمير ما قيمته مئات الآلاف من اليوروهات من العتاد العسكري الروسي.

_{مقطع فيديو نشر في 2 آب/ أغسطس 2022 على حساب مبادرة “سترات من أجل أوكرانيا” ويظهر طائرة مسيرة بصدد تنفيذ مهام حربية.}

وفي مقاطع الفيديو المنشورة على الإنترنت، يمكن لنا أن نرى عبوة متفجرة يدوية يتم إطلاقها من طائرة مسيرة ويمكن لها أن تتسبب في أضرار بالغة لدبابات أو عربات مدرعة لنقل الجنود. ويمكن لعبوات متفجرة يتم إطلاقها من طائرات مسيرة صغيرة أن تحيّد برامج تحديد مواقع ومدافع دبابات وإصابة جنود موجودين داخل عربة مدرعة لأنهم غالبا ما يكونون جالسين على هيكل السيارة ومن السهل استهدافهم.

يمكن لهذه العبوات اليدوية المتفجرة أن تتسبب في دمار أكبر إذا ما تم إطلاقها على عربة غير مدرعة.

“طرق مبتكرة لاستخدام الطائرات المسيرة المدنية”

وأتاحت حملات تبرع أطلقها مدنيون أوكرانيون ومنظمات أجنبية أيضا بناء “جيش طائرات مسيرة حقيقي”. وحسب التقديرات، فإن الجيش الأوكراني يملك نحو 6 آلاف طائرة مسيرة مدنية – وهو رقم يتجاوز بكثير عدد الطائرات المقاتلة من دون طيار التي تملكها دول مثل الولايات المتحدة أو تركيا.

ويبدو أن الجنود الأوكرانيين – بمن فيهم الجنود من أصحاب الكفاءات أو المتطوعين- يضاعفون من جهودهم الابتكارية حتى يستفيدوا لأقصى حد ممكن من هذه الطائرات المسيرة المدنية المعدلة في ساحات المعركة، فيما يوضح مارك كانسيان قائلا:

هناك طائرات مسيرة محملة بعبوات متفجرة صغيرة، ويتم إطلاقها على قوات العدو. يوجد أيضا طائرات مسيرة يتم استخدامها لتنفيذ هجمات انتحارية، أي أنه يتم إطلاق الطائرة المسيرة في اتجاه جندي من العدو للنيل منه وإصابته. كما أنه يمكن أن يتم استخدام الطائرات المسيرة للحصول على مقاطع فيديو وذلك لأنها تسمح بتحديد موقع قوات العدو وهو ما من شأنه مساعدة المدفعية الثقيلة الأوكرانية لتنفيذ ضربات دقيقة. لقد وجد الأوكرانيون طرقا مبتكرة لاستخدام الطائرات المسيرة المدنية.

_{مقطع فيديو نشر على تويتر في 31 تموز/ يوليو 2022 يظهر جنديا أوكرانيا يستخدم طائرة مسيرة مدنية لمتابعة هجوم ضد عربات مدرعة روسية.}

_{مقطع فيديو نشر على تويتر في 7 تموز/ يوليو 2022 ويظهر طائرة مسيرة مدنية بصدد إلقاء عبوة يدوية متفجرة على مدفع دبابة روسية.}

بفضل الطباعة ثلاثية الأبعاد، تمكن الأوكرانيون من تطوير أساليب إلقاء عبوات يدوية متفجرة وقنابل صغيرة على أهداف عسكرية حسب توضيح تيتلمان لفريق تحرير مراقبون: 

الطائرات المسيرة تحسن من نجاعة المدفعية الثقيلة، حيث يمكن لها أن تعوض الجنود بالنسبة إلى مهام الاستطلاع، فهي تنفذ مهمتها بشكل شديد الدقة كما أنه يبقى من الصعب العثور عليها وتدميرها.

_{جندي أوكراني يظهر ناقلة مواد متفجرة تمت طباعتها بتقنية ثلاثية الأبعاد، وتم تطويرها لإطلاق عبوة متفجرة يدوية من فوق طائرة مسيرة على موقع للعدو.}

وفي هذا المقطع المصور الذي نشرته صفحة القوات المسلحة الأوكرانية على فيس بوك، سمح الفيديو الموجود أدناه للمدفعية الثقيلة الأوكرانية بانتظار تجمع نحو عشرين جنديا روسيا في بناية مهجورة لإطلاق ضربة على موقعهم في اللحظة المناسبة.

ولكن في المقابل، فإن الطائرات المسيرة المدنية لا تمثل حلا تكتيكيا مثاليا في الحرب ضد الجيش الروسي حسب الخبير العسكري مارك كانسيان:

نقطة ضعف هذه الطائرات المسيرة أن مدة صلاحيتها تبقى محدودة. فهي ليست صلبة بما يكفي وقدراتها تبقى محدودة جدا. الطائرات المسيرة المدنية مهمة ولكنها في إطار مهمة دعم ولا يمكن أن تكون عنصرا رئيسيا في الإمكانيات العسكرية الأوكرانية.

“هناك عامل نفسي مهم، خصوصا بالنسبة للجنود المساهمين في الحرب أو عموم الأوكرانيين”

ورغم أن دور الطائرات المسيرة المدنية يبقى محدودا ضمن الترسانة الحربية الأوكرانية، فإنها تساهم في الرفع من معنويات الأوكرانيين، كما أنها تنشر الخوف في نفوس الجنود الروسيين، حسب توضيح مارك كانسيان الذي يقول:

الجنود (الأوكرانيون) المساهمون في المجهود العسكري يبدو عليهم فخر كبير بما حققوه. أعتقد أن ذلك لا يشجع باقي الجنود بل عموم المواطنين الأوكرانيين كذلك.

مقطع فيديو نشر على تويتر في 7 نيسان/ أبريل 2022 ويظهر طائرة مسيرة للاستطلاع تقوم بمتابعة جندي روسي حتى وصوله إلى مكان تجمع فرقته العسكرية والذي تم استهداف موقعها فيما بعد بضربة عسكرية أوكرانية.

يمكن لنا أن نقول إن ذلك يجعل الجنود الروس يلتزمون المزيد من الحذر. يتابعون بشكل أكبر الأجواء فوقهم، حيث يتساءلون ما إذا كانت طائرة مسيرة بصدد التحليق فوق رؤوسهم. وبالتالي، بغض النظر عن القدرات العسكرية للطائرات المسيرة المدنية، التي تبقى محدودة، أعتقد أنها تمثل عاملا نفسيا مهما، سواء كان الأمر بالنسبة إلى الجنود الموجودين في ساحات القتال أو لعموم الأوكرانيين.