الوكالة الوطنية للإعلام – عوده: لانتخاب رئيس جمهورية يعيد جمع ما تبعثر وإصلاح ما فسد
وطنية – ترأس متروبوليت بيروت وتوابعها للروم الارثوذكس المطران الياس عوده، قداسا إلهيا في كاتدرائية مار جاورجيوس في بيروت بحضور حشد من المؤمنين.
بعد الانجيل المقدس، ألقى عوده عظة قال فيها: “يروي لنا إنجيل اليوم حدثا تستعيده كنيستنا في صلاة الغروب لكل عيد سيدي أو ذكرى قديس، أعني تبريك الخمس خبزات وتوزيعها على المؤمنين ليتناولوها ويعترفوا أن المسيح وحده من يشبعهم. لكن الرب يسوع في إنجيل اليوم تحنن على الجموع التي تبعته، وشفى مرضاهم، ثم أطعمهم دلالة على كونه الإله المخلص والمعطي الحياة. إن حادثة تكثير الأرغفة الخمسة والسمكتين تحمل الكثير من المعاني لعصرنا الذي يركز على الإنسان والرفاهية. فتدخل المسيح كخالق في مشكلة الخمسة آلاف رجل عدا النساء والأطفال الجياع، يمكن تأمله من جوانب كثيرة. يمكننا القول إن هذا العمل يكشف عن الله كخالق، وكرئيس كهنة عظيم للخليقة. المسيح يأخذ الخليقة ويقربها للآب السماوي، ثم للناس بعد أن تتبارك، فتدوم ولا تنفد. إذا نظرنا إلى طريقة صنع العجيبة، نجد أن الرب رفع نظره إلى السماء وبارك، وبعد ذلك أكل الجميع فشبعوا. يرى تراثنا الآبائي في هذه العجيبة رسما مسبقا لسر الشكر الإلهي، حيث المسيح هو “المقرب والمقرب، القابل والموزع”.
أضاف: “إن تشبهنا بالمسيح هو أمر مستحيل. فهو إنسان كامل، لكنه إله تام أيضا بحسب الطبيعة. أما نحن، فصورة عنه، الأمر الذي يعني أن علينا محاولة السلوك ضمن الخليقة كما سلك هو، هذا طبعا إن أردنا الحفاظ على صورة الله فينا. سلوكنا، بحسب مثال المسيح، يجب أن يكون فعلا كهنوتيا مستمرا، بحيث نقرب لله الخليقة ونفوسنا. المسيح هو الذي يرفع الخليقة قربانا لله الآب. إنها خاصته لأنه مبدعها. أما نحن، فلا نملك ما هو خاص بنا من الخليقة، لأننا لا نستطيع أن نخلق شيئا من العدم. لذلك، نأخذ مما أعطانا الله ونقدمه له، مدركين في أعماقنا أننا لا نملك ما نقدمه، كما نقول في القداس الإلهي: “التي لك مما لك نقدمها لك”. وتقريب الخليقة لله يحصل بطرائق كثيرة.
نقرب الخليقة للرب عندما ننمي في داخلنا الإحساس بأننا لا نملكها ولا فضل لنا بها. لقد سلمنا الله إياها لاستخدامها وتدبيرها، وسنعطيه جوابا عن ذلك كله. فالنسك الداخلي الذي يحاول أن يغلب هوى حب القنية والإحساس بالملكية الخاصة يترك الخليقة بين يدي الله، فيما نقبلها منه كهدية وبركة. ولكي ننجح في الجهاد الروحي، علينا أن نستخدم الأمور المادية وفقا لوصية المسيح. هكذا، تأخذ المادة بعدا روحيا. تصبح وسيلة تدل على المحبة، لا دعما لحب الذات؛ خادمة للحياة وليس للموت، ترتبط بالحاجة لا بالرغبة. نستخدمها لأجل حاجات الجسد الضرورية الخاصة بنا وبالآخر، ولا ننفقها على إرضاء الرغبة الجامحة. إذا، عندما نستخدم الخليقة وفقا لوصية الله، نضع حياتنا كلها بين يديه. من هنا، نلاحظ أن الدعايات وجدت لتجعل الناس يشعرون بحاجة إلى إرضاء الأنا عبر شراء الماديات التي لا يحتاجونها، فينفقون مدخراتهم هباء. هل تطلق الكنيسة دعايات من أجل تسويق الأسرار المقدسة مثلا؟ أم من أجل إقناع الناس بحلاوة المسيح؟ طبعا لا، لأن الكنيسة تسير على خطى ربها الحر، والمعطي الحرية. أنت لن ترغب في المسيح إن لم تذق طعم العيش بقربه وبحسب وصاياه، وهذا لا يحتاج تسويقا، بل قرارا حرا وخبرة حياة مقدسة”.
وتابع: “إن ضميرنا يشرف على علاقتنا بالأمور المادية. يقول القديس دوروثاوس إنه يجب أن نحفظ ضميرنا نقيا تجاه الأمور المادية. هذا يتطلب احتراما للخليقة يأتي نتيجة إحساسنا الروحي المرهف. علينا ألا نفرط بعطايا الله وألا ندع شيئا يتلف. هنا تثير انتباهنا حركة تلاميذ المسيح الذين جمعوا الكسر الفاضلة بعدما أكل الجميع وشبعوا. وفقا لإنجيل يوحنا، هذا تم بوصية من المسيح لكي لا يضيع شيء (6: 12). هنا يجب أن نشير إلى التقارير الواردة من المنظمات الغذائية، التي تظهر ضخامة الخطيئة البشرية القائمة على البذخ والإنفاق ورمي الطعام عوض إطعام الفقير والجائع والمحتاج. الإنسان لا يرى عيبا أو خطيئة في رمي الطعام، فيما ملايين البشر يتضورون جوعا وعطشا وفاقة.
أيضا، نقرب الخليقة لله بشكل الخبز والخمر المخصصين للقداس الإلهي، أو الزيت كعنصر مادي لمسحة الزيت، أو الماء في خدمة تقديس الماء، كما نقرب أتعابنا وبواكير الأثمار للكنيسة، لكي تتبارك، كما فعلنا أمس في عيد التجلي عندما قدمنا العنب، عربون شكر لله على ما أعطانا. يبقى السؤال الأهم، كيف نقرب أنفسنا لله؟ نفعل ذلك عندما نطيع الكلمة الإلهية، الأمر الذي يربطنا بأسرار الكنيسة، فنعتمد ونختم بالميرون ونتناول الجسد والدم الإلهيين، وعندما نحب إخوتنا، الذين هم أيقونات المسيح، ونخدمهم في كل ما يحتاجونه. يمارس تقريب النفوس لله بنقاوة خلال الصلاة. فالصلاة ترغم المصلي على إبعاد كل فكر شرير، وما يمت إلى المصلحة الشخصية، كما أنها تجذب النعمة الإلهية، فيقدم الإنسان كل كيانه لله، ذبيحة حية”.
وقال: “في بلدنا لا أحد من المسؤولين والزعماء أو التجار المحتكرين يقدم نفسه أو الخليقة لله. الجميع يبحث عن إرضاء أناه، وملء جيوبه، وكأن لا أحد على هذه الأرض يحبونه ويحترمونه ويرتفعون معه وبه نحو الملكوت، كأيقونة مخلوقة على الصورة الإلهية. مشكلة بلدنا هي الأنا القاتلة. الكل يريد السلطة والمال والحصص ولو على حساب البلد أو الإنسان الآخر. لقد خلق الله الإنسان وسلمه كل شيء ليعتني به. فإن كان الله شارك خليقته الخاصة مع المخلوق، لماذا يحتكرها الزعماء والمسؤولون والطماعون وهم يعلمون أنها ليست ملكهم، بل من فضل ربهم. الإنسان خلق خادما للخليقة، كذلك المسؤولون وضعوا في مناصبهم خدمة للشعب. من هنا، ضرورة وجود بشر في السلطة يقرون بأن الآخر شريكهم، وبأنه مخلوق على صورة الله، وعليهم خدمته بأفضل وجه، كما يخدم الله نفسه”.
أضاف: “لذلك أملنا أن يضبط الجميع أعصابهم ويوقفوا حروب الحقد والتعطيل والإلغاء، ويحكموا العقل والضمير، ويتصرفوا بحكمة من أجل إنقاذ ما تبقى من هذه الدولة، ومن ماء الوجه. فبعدما تعثر تشكيل حكومة، عليهم الإنصراف بجدية إلى انتخاب رئيس يعيد جمع ما تبعثر وإصلاح ما فسد. لا تدعوا الإختلاف في الرأي والموقف يفرقكم إلى حد يطيح بالدولة وما فيها. بقاء لبنان، واستعادة عافيته، أهم من المسؤولين ومن كل الأطراف الداخلية والخارجية، ومن كل النزاعات والتسويات. لبنان ليس فقط مساحة وحدودا. إنه شعب عريق، حر، مبدع، جعله الساسة مطية لأطماعهم وأحقادهم. وهو أيضا دستور يداس يوميا بوعي أو بغير وعي ، لكنهم يرفعونه متراسا متى كان الأمر يناسبهم. وهو أيضا قوانين عوض احترامها يستغلها الجميع لمصالحهم، وغالبا ما يفصلونها بما يناسبهم. وهو إدارة يجب رفدها بالعناصر الفعالة والمنتجة عوض استغلالها لتوظيف المحاسيب والأزلام. وهو قضاء نزيه يرسي العدالة ويحفظ حقوق المواطنين، يعتمد المحاسبة ويتوسل العقاب حيث يجب، دون أن يعيق عمله عائق سياسي أو شخصي. وهنا لا بد من التذكير بجريمة 4 آب وضحاياها من أبناء بيروت وضرورة كشف حقيقتها ومعاقبة كل من تسبب بها، احتراما لأرواح الضحايا ولآلام ذويهم”.
وختم: “أملنا أن يعود الجميع إلى رشدهم ويسلكوا بحسب ما يمليه الضمير والواجب. ودعوتنا ألا نأكل ونشبع فقط، بل أن نبحث عن الجائع لنشبعه معنا، هكذا لن تبقى فضلات وكسر، بل يأكل الجميع معا ويفرحون مسبحين الله الذي أعطى الناس العطايا الصالحة، فيما انتزع حكام الأرض كل أمر مفرح من النفوس والأجساد”.
===== ن.ح.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook