فيلم “أرض الخرسانة” ..عن ثلاثة أجيال من البدو الرحّل وحياتهم على الأرض وعلى “تيك توك”
عمّان، الأردن (CNN) — كيف يمكن أن نجعل البيئة جزءا من اهتماماتنا اليومية، وأن نلفت الانتباه إلى المخاطر المحدقة بها، بحيث يصبح الإنسان على وعي ودراية أكبر بالأثر السلبي لسلوكيات الإنسان على المحيط البيئي من حوله؟ بعد تفكير طويل، وبحث عميق، وزيارة ليوم سردي بيئي أقيم مؤخرا على هامش مهرجان عمّان السينمائي في الأردن، وجدت أن السينما والأفلام يمكن أن تفتح هذا الباب.
تسألون كيف؟ بكل بساطة فيلم لشابتين أردنيتين عملتا على فكرة لمشروع وثائقي واعد هي التي قدمت لي هذه الإجابة.
الفيلم يحمل عنوان “أرض الخرسانة”، وهو من إخراج أسمهان بكيرات وإنتاج ونص بان مرقة، ويسرد حكاية عائلة بدوية فلسطينية لجأت من بئر السبع، وتسكن حاليا في أطراف مدينة عمّان في الأردن. يقدم الفيلم من خلال ثلاثة أجيال تناقضا على مستويين: المستوى العائلي بين الجد والابن والطفلة الصغيرة ورغبة كل منهم في الانتماء إلى بيئة مختلفة، والتناقض من الناحية الأخرى بين التحضر والبداوة، بحيث يصبح الهدف هو: البقاء للأقوى والأجدر.
الفيلم، الذي لا زال قيد التصوير، يسلط الضوء على الأثر السلبي الدقيق على البيئة الذي يمكن أن يخلفه عدم وجود العائلة البدوية، كمثال، في هذه المنطقة الريفية. لذا حاولت صانعتا الفيلم خلق بيئة منفعة متبادلة بين العائلة البدوية والسكان، كالاستفادة من ما يمكن أن تقدمه هذه العائلة من منتجات طبيعية كالبيض والحليب.
العلاقة التي بنتها كل من أسمهان وبان مع العائلة البدوية متينة جدا، لدرجة أن أسمهان وصفتها عندما تحدثت إليها بأنهم “عيلتنا التانية”. وتقول: “نحن نزور هذه العائلة منذ عام 2016، وأستطيع القول إن العائلة تمتلك روحا لم يسبق أن رأيناها في أي عائلة أخرى. لم يكن أيضا من السهل الدخول إلى بيت عائلة بدوية، وتصوير تفاصيل حياتهم لفترة طويلة. وصلت علاقتنا إلى درجة من القوة بحيث أنهم أصبحوا يتصلون بنا هاتفيا كلما حدث معهم أمر يستحق التصوير”.
في الفيلم، لفتت انتباهي الفتاة الصغيرة، إيمان، التي تنتمي إلى جيل يرغب بأن يعيش حياة عادية تشبه حياة الفتيات في مدرستها. مشهد واحد في الفيلم مسّني بشكل مباشر: كانت إيمان تضع مساحيق التجميل وكانت السعادة بادية على وجهها. وفي لقطة بعدها، نجدها قد مسحت ما على وجهها من مساحيق التجميل، وكانت الدموع تنزل على خديها. لأن هناك من صرخ في وجهها وطالبها بتنظيفه من ما وضعته عليه. هذا التباين في التعامل مع الفتاة الصغيرة بين ما تعيشه خارج المنزل وداخله، خلق شخصية فريدة باعتقادي، ولكنه يزيد من تساؤلاتها تجاه واقعها وما ترغب بأن تعيشه مستقبلا.
تقول بان: “إيمان لا تزال على فطرتها وطبيعتها، فكل ما تتعلمه يأتي من محيطها الخارجي أكثر من المدرسة”، وتضيف أسمهان: “عندما بدأنا التصوير مع إيمان، كان عمرها ٩ سنوات، وبالتالي لم تكن شخصيتها وهويتها قد تكونتا، حتى دخلت سن المراهقة، وبدأت تستكشف المدرسة وعلاقاتها، وللأسف كانت تتعرض للكثير من التنمر، إلا أن الفرصة الحقيقية ظهرت أمامها في فترة انتشار كوفيد-١٩، حين تعرفت على عالم الإنترنت، والتيك توك بالتحديد. إيمان عاشقة لأغاني الكورية، وتحب فرقا مثل BTS، وتعرفت إلى جميع حركات الرقص التي انتشرت على التطبيق”.
الفيلم لا زال قيد التصوير والمونتاج، ولا زالت الطريق طويلة أمام أسمهان وبان ليرى الفيلم النور، لكن خطة عرض الفيلم عندما يصبح جاهزا تتضمن عرضه في المدارس والمحافظات المختلفة لتتطور الثقافة السينمائية البيئية خصوصا بين الأطفال واليافعين، إضافة إلى صنع الأثر خصوصا للعائلة البدوية.
تقول بان: “بالنسبة للعائلة، نتمنى لو نتمكن من توفير قطعة أرض لهم، ليتمكنوا من ممارسة بداوتهم بالشكل الذي يريدون. هذا الفيلم سيرفع درجة الوعي أيضا بين الناس حول البدو وثقافتهم وعاداتهم.”
أما أسمهان فتقول: “أبسط ما يمكن القيام به هو أن يستفيد السكان المجاورون من العائلة كمصدر للحاجيات الغذائية، ليصبح الهدف هو الدمج ما بين حياتهم لتصبح المنفعة متبادلة.”
الفيلم الوثائقي الطويل يقدم صورة بصرية منصفة للعائلة البدوية، ويضعها في مكانها الطبيعي، على الأرض، وبين الجبال، والأشجار، والحيوانات التي ترعاها، لكن يبقى الإنصاف المنتظر هو من الجيران والناس من حولهم.. هذا الهدف الذي تطمح أسمهان وبان إلى تحقيقه على الأرض وحقيقة من خلال زيادة وعي الناس بحيث لا يُنظر بصورة دونية إلى البدو الرحل، لأن البداوة لا يجب أن تختفي، بل هي شكل من أشكال الحياة التي يجب أن تستمر، وتساهم في التنوع الموجود في الأردن.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook