آخر الأخبارأخبار محلية

وقائع تاريخية في الذكرى الثانية لتفجيره: مرفأ بيروت أساس إزدهار المدينة

كتب الاعلامي والباحث في التراث الشعبي زياد سامي عيتاني:

 

سنتان مضت على جريمة العصر، المتمثلة بالإنفجار المزلزل الذي إستهدف بيروت ومرفئها، من جراء حريق العنبر رقم ١٢ في المرفأ المتلئ بمادة “نيرات الأمونيوم” التي أحدث إنفجاراً هو الأقوى بعد “هيروشيما”، مما تسبب بتدمير هائل، لم تقتصر تداعياته على المرفأ، بل طالت ثلث مناطق بيروت، محدثاً دماراً وخراباً بالمباني والممتلكات، ومخلفاً آلاف الضحايا بين قتلى وجرحى، فضلاً عن حالة من الهلع والخوف غير المسبوقة التي سادت أبناء العاصمة، لا تزال آثارها النفسية مخيمة على أغلبيتهم.

تفجير بيروت ومرفئها لا يحتاج إلى إستحضار، لأنه راسخ في نفوس وذاكرة اللبنانيين الجريحتين.. بل ما يحتاج إلى الإستحضار هو تاريخ مرفأ بيروت وأهمية دوره من العهد الفينيقي حتى ما قبل تدميره، في ظل التقاعس المتمادي والمتعمد إن لجهة تعطيل المسار القضائي لكشف الحقيقة، أو لجهة الشروع في إعادة إعماره!!! لذلك سوف نتناول جوانب تاريخ مرفأ بيروت وأهميته على مدى العصور.

 

•النشأة:
نشأ في بيروت مرفأ هام منذ العهد الفينيقي، على غرار مرافئ صيدا وصور وطرابلس وسواها، فقد ذُكِر إسم مرفأ بيروت لأول مرة في الكتابات المتبادلة بين الفراعنة والفينيقيين التي يعود تاريخها إلى القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
ويقع على الجزء الشرقي من خليج سان جورج على الساحل الشمالي لبيروت على البحر المتوسط، وغرب نهر بيروت. مركز التقاء للقارات الثلاث: أوروبا، آسيا، وأفريقيا، وهذا ما جعل منه ممراً لعبور أساطيل السفن التجارية بين الشرق والغرب.
ومنذ العصر الروماني تشكّلت هويته الاقتصادية، إذ عرف بكونه مركزًا تجارياً واقتصادياً مهماً.
دمرت الزلازل المستعمرة الرومانية عام 551، وبقيت في حالة خراب حتى جاءها المسلمون عام 635 في العصر الأموي وأعادوا بناء المدينة ليصبح المرفأ مركز الأسطول العربي الأول.
كما اتخذها الإفرنج مقراً لسفنهم وعساكرهم. ولما خضعت بيروت للحكم الإسلامي، كان ميناؤها مركزاً لصناعة السفن لا سيما في عهد معاوية بن أبي سفيان…

•أصلح مرفأ لرسوّ السفن:
أشارت الدراسات التاريخيّة والتقارير القنصليّة إلى أن مرفأ بيروت كان منذ القِدم من أصلح الموانئ لرسوّ السفن، وهو الميناء الذي تجد فيه المراكب الأمان في جميع الفصول.
وكانت السفن ترسو قديماً في داخله، فيضع البيارتة العاملون في المرفأ (الصقالات) وهي ألواح عريضة من الخشب، ليستعملها المسافرون جسراً للنزول إلى البر، وإنزال البضائع على الرصيف.

 

 

أما السفن الكبيرة القادمة إلى مرفأ بيروت، فكانت تقف في الصيف تجاه بيروت، في حين تضطر في الشتاء للالتجاء إلى خليج الخضر قرب الكرنتينا، أو عند مصب نهر بيروت.

•من يستولي على المرفأ يسيطر على بيروت:
كان مرفأ بيروت من المراكز الإستراتيجيّة الهامة في المنطقة، ذلك أن من يستولي عليه يستطيع التقدم نحو المدينة وبقية المناطق، لأن أكثر العمليات العسكرية كانت تتم بواسطة البحر، وبعضها الآخر بواسطة البر.
ولهذا حرص الإفرنج في العصور الوسطى بعد سيطرتهم على بيروت ومدن الساحل، على الإهتمام بتحصين مرفأ بيروت، وبالتالي تحصين المدينة، ليتمكنوا من الدفاع عنها.
وفي عهدهم كان لميناء بيروت دور مهم في التجارة البحرية بين الشرق والغرب (خاصةً بين بيروت والمدن الإيطالية)، وإستمر كذلك حتى العصر المملوكي عندما كان الميناء الرئيسي لتجار التوابل.
ولما إستعاد المسلمون بيروت ومدن الشام، حرص الأمير بيدمر الخوارزمي، الذي توفي سنة 1387م، على الاهتمام بمرفأ بيروت وتحسينه، لا سيما وأنه إستخدمه لصناعة السفن الحربيّة، فأمر بقطع الأخشاب من حرج بيروت، لصنع السفن، فصنعها ما بين المسطبة (المصيطبة اليوم) وساحة بيروت والميناء…

 

•إزدهار بيروت بفضل مرفئها:
وفي القرن الثامن عشر الميلادي بدأت بيروت تحتل مكانة اقتصادية بارزة، وأصبحت أكثر مدن الساحل الشامي تجارة واكتظاظاً سكّانيّاً، وذلك بفضل مينائها وعوامل اقتصادية أخرى، ما دفع التجّار الأجانب لا سيما الفرنسيين المقيمين في صيدا، إلى الكتابة لحكومتهم في عام 1753م وطالبوا بإرسال بعض التجّار والصنّاع إلى بيروت وجوارها ممن يحترفون غزل القطن لتوجيه الصناعة والتجارة بأسلوب مناسب.
وبسبب هذا التطوّر الاقتصادي الضخم لمدينة بيروت ولمرفئها، حرصت الدول الأوروبيّة على إتخاذ مقار لها فيها، بافتتاح قنصليات لم تكن موجودة في الأصل. ففي سنة 1822م افتتحت وزارة الخارجية الفرنسيّة قنصلية لها في بيروت، بعدما صارت هذه المدينة مركزاً تجارياً واقتصادياً هاماً، وبلغ معدل السفن الإنكليزيّة في مرفأ بيروت سنوياً 150 سفينة.
وفي القرن التاسع عشر، كان بمثابة خلية نحل حيث يلتقي التاجر البيروتي بالتاجر الفرنسي والإيطالي والمالطي والنمساوي، وبتجار الإسكندريّة ودمياط والمغرب وتونس والجزائر. ويلتقي التاجر البيروتي بتاجر الجبل اللبناني والتاجر الدمشقي والحلبي والحمصي والحموي وغيرهم.
وكانت حركة التجارة في ميناء بيروت حركة نشطة، حيث كان الجبل اللبناني يزوّد تجار بيروت بـ 1800 قنطار من الحرير، ويتم تصديرها عبر مرفأ بيروت بواسطة مراكب أوروبيّة ومحليّة، يُصدّر معظمها إلى دمياط والإسكندريّة والمغرب وتونس والجزائر، وتعود هذه المراكب محمّلة بالأرز، والكتّان والأنسجة وجلود الجواميس من مصر، والعباءات من تونس. كما تحمل من موانئ المغرب العربي بعض السلع الأوروبيّة التي تحتاج إليها بيروت ومدن الشام، ومن النمسا الطرابيش، وقُدِّر مجموع ما استوردته بيروت سنوياً في أوائل القرن التاسع عشر بنحو 200 ألف قرش.

 

 

•إمتياز مشروع تطوير المرفأ:
تزايد الاهتمام بدأ تباعاً بمرفأ بيروت، ففي سنة 1863 تقدمت شركة (مساجيري مار يتيم) بمشروع مرفق بالخرائط لتحسين المرفأ، وقدّمته لأحمد قيصرلي باشا، حاكم ولاية صيدا، التي كانت بيروت تتبع لها، وقُدّرت نفقات هذا المشروع بستة ملايين وثلاثمائة وواحد وسبعين ألف وثلاثمائة فرنك، غير أنه لم يوضع موضع التنفيذ إلا عام 1880م بعدما فشلت بلدية بيروت عام 1879م وشركة طريق بيروت- دمشق في الحصول على إمتياز هذا المشروع.

 

وبعد إتصالات مكثفة صدرت إرادة سلطانيّة مؤرّخة في 19حزيران عام 1887 نال يُوسُف أفندي المطران بموجبها إمتياز مشروع تطوير وتحسين مرفأ بيروت ولمدة ستين عاماً تنتهي في 19 تموز عام 1947، وقد اشترط على صاحب الإمتياز المباشرة بالعمل بعد سنتين وإنجازه في خمس سنوات، على أن يكون طول الرصيف 1200 متر، واحتفظت الحكومة العُثمانيّة بحق ابتياع هذا المشروع بعد ثلاثين سنة، واشترطت الإرادة السلطانيّة على السفن الداخلة إلى المرفأ دفع رسوم الدخول والرصيف، أو دفع الرسوم إذا كانت هذه السفن لا تقترب من الرصيف.

 

وفي سنة 1888م تألّفت الشركة العُثمانيّة لمرفأ بيروت وأرصفته ومخازنه، برأسمال قدره خمسة ملايين فرنك، وكانت هذه الشركة فرنسيّة مما أثار حفيظة الإنكليز الذين أشاعوا أن هذا المشروع غير مفيد، لعدم وجود خط سكة حديد بين بيروت والمرافئ الشاميّة.
إلا أنه بوشرت أعمال تحسين المرفأ عام 1889م وقامت بها شركة (وزي وطونن ولوزي) غير أن المشروع واجهته الكثير من التعقيدات، مما إضطر هذه الشركة للاستدانة من شركة خط حديد بيروت دمشق حوران، مبلغاً وقدره خمسة ملايين فرنك، لمتابعة أعمالها.

 

  •المرفأ الأول في المنطقة قبل تفجيره:
مرفأ بيروت قبل تفجيره من سنتين كان الأول في لبنان والحوض الشرقي للبحر المتوسط والمنفذ البحري الأساسي للدول العربية الآسيوية، حيث يتعامل مرفأ بيروت مع 300 مرفأ عالمي، ويقدّر عدد السفن التي ترسو فيه بـ 3100 سفينة سنوياً.
ومن خلاله تتمّ معظم عمليات الاستيراد والتصدير اللبنانية وتمثّل البضائع التي تدخل إليه 70% من حجم البضائع التي تدخل لبنان. كما يحتل المركز الأول في المداخيل المركّبة 75% إضافة إلى دوره كمركز أساسي لتجارة إعادة التصدير وتجارة المرور الترانزيت.
فقد كان يتألّف مرفأ بيروت من أربعة أحواض، يتراوح عمقها بين 20 – 24 متراً، وعدد الأرصفة 16 رصيفاً، تنتشر عليها المستودعات المسقوفة والمكشوفة. تبلغ مساحة أحواضه نحو 660000. وقد بدأ العمل بمشروع تأهيل وتوسيع المرفأ وإنشاء الحوض الخامس المخصّص لإستقبال المستوعبات، والذي تصل حدوده حتى مصب نهر الكلب، إضافة إلى إهراءات القمح والمنطقة الحرة.
والمرفأ كان مجهزاً بأحدث أدوات التفريغ والتحميل، ويؤمن أفضل الشروط للتخزين.
أما المنطقة الحرة في المرفأ فتبلغ مساحتها 81000 متر مربع.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى