هل تهدد موجة الحر الثالثة سلامة محطات الطاقة النووية؟
نشرت في: 03/08/2022 – 17:42
تشهد فرنسا منذ الإثنين موجة حر قياسية هي الثالثة منذ بداية الصيف. ارتفاع درجات الحرارة يؤثر بشكل كبير على إنتاج الكهرباء النووية التي تعتمد أساسا على الماء. أربع محطات لإنتاج الطاقة تمتعت خلال شهر تموز/ يوليو بظروف تشغيل استثنائية تخفف من القواعد البيئية الصارمة المفروضة عليها. فهل يجب علينا الانشغال بالتأثيرات البيئية لهذه القرارات على السلامة النووية؟
راحة الطقس الجميل لم تدم طويلا، حيث سرعان ما اختنقت فرنسا مجددا بسبب ارتفاع درجات الحرارة. فموجة حر قوية تجتاح جنوب البلاد منذ بداية الأسبوع، ووضعت هيئة الأرصاد الجوية الفرنسية عشر مقاطعات في حالة التأهب التي يرمز إليها باللون الأصفر في حين وضعت خمس مقاطعات في خانة اللون البرتقالي الأكثر خطورة. موجة الحر هذه امتدت إلى باقي أنحاء فرنسا منذ الثلاثاء 2 أغسطس/ آب. وإضافة إلى الحرائق التي تسببت فيها ودمرت 370 هكتارا من الغابات في منطقة “الغار” فإن درجات الحرارة المرتفعة تؤثر جديا على إنتاج الطاقة النووية الفرنسية.
تتطلب المنشآت النووية التبريد بشكل دائم للعمل بأمان وهو ما يفسر بنائها قرب البحار أو الوديان والأنهار. حيث تستهلك كميات ضخمة من المياه تتم إعادة معالجتها قبل أن تعاد مجددا إلى الطبيعة، كليا أو بنسبة تناهز 90٪، بحسب أنظمة التبريد المستخدمة.
مستويات متفاوتة
ولكن، استغلال هذه المياه يستوجب استخراجها في درجة حرارة معينة، لتصرف بعد ذلك في درجة حرارة أكثر ارتفاعا، كما يوضح جوني دا سيلفا، مهندس حراري، والرئيس السابق لجمعية “مغادرة النووي – باريس”.
وتوضح فاليري فودون، المندوبة العامة لشركة الطاقة النووية الفرنسية “يخضع كل مصنع لقواعد محددة فيما يتعلق بدرجة حرارة صرف المياه”.
“في الحالات التي يوجد فيها خطر على توازن الشبكة الكهربائية، يمكن لشركة “كهرباء فرنسا” التقدم بطلبات استثنائية من سلطة الأمان النووي، القادرة على منحها مقابل اشتراط مراقبة بيئية مشددة” .
هذا الصيف مثلا، في قلب موجة الحر الحالية حصلت محطات توليد الطاقة غولفاش وبلاي وسانت ألبان، ومحطة بوغاي على استثناء من تطبيق القواعد البيئية في منتصف يوليو، وذلك لضمان توفير الكهرباء خلال موجة الحر. أي أنهم منحوا إمكانية تصريف مياه أكثر دفئا من المعتاد.
السبب هو الاحتباس الحراري؟
يعتقد جوني دا سيلفا أنه بسبب السماح بتجاهل المعايير المعمول بها، فإن “البيئة هي التي ستدفع الثمن بالضرورة”.
ووفقا للجمعيات البيئية، فإن ارتفاع درجة حرارة مياه النهر يؤدي إلى تدهور خطير في التنوع البيولوجي. فارتفاع درجات حرارة المياه يتسبب في نقص الأوكسجين في الماء، وهو ما يهدد عدة أنواع تواجه خطر الانقراض، كأسماك السلمون أو التروتة.
درجات الحرارة المرتفعة تعزز أيضا نمو الطحالب التي تستهلك الأوكسجين على حساب الكائنات الحية الأخرى التي تموت مختنقة. بالإضافة إلى ذلك، قد يؤدي ارتفاع درجة حرارة الماء إلى تطور البكتيريا، مثل البكتيريا الفيلقية التي تتسبب في تلوث الأنهار، وما يترتب عن ذلك من مخاوف صحية.
ويضيف جوني دا سيلفا “كلما انخفض مستوى مياه النهر، كلما زادت درجة حرارة محطة الطاقة النووية نظرا لوجود كمية أقل من الماء قادرة على امتصاص الحرارة”.
لكن فاليري فودون من الشركة الفرنسية للطاقة النووية تعتقد أن ارتفاع درجة الحرارة المتولدة عن محطات الطاقة ليس لديه تأثير كبير على الحياة المائية. وتقول “تُظهر الدراسات التي أجرتها شركة “كهرباء فرنسا” منذ سبعينيات القرن الماضي أن الحيوانات والنباتات التي لوحظت عند منبع محطات الطاقة لا تختلف عن تلك التي تمت دراستها عند مجرى الأنهار والوديان. لكن نتبين بوضوح آثار تغير المناخ وتأثيراته على الحيوانات والنباتات.
وتضيف فاليري فودون بأن بعض الأنهار الأكثر تأثرا بالحر خلال الصيف، كنهر الغارون مثلا، “تقترب درجة الحرارة فيها من الحدود القصوى المسموح بها حتى عند مستوى محطات الطاقة”. وتقول “استنادا إلى بيانات بحوث تعود إلى الستينيات، فإن هذه المعايير لا تأخذ في الاعتبار تأثير الاحتباس الحراري”.
هل نواجه خطر”كارثة تشبه فوكوشيما”؟
يعترف جوني دا سيلفا بأن هنالك التزام بمعايير صارمة للغاية، حين يتعلق الأمر بحالات خطيرة يمكن معالجتها. ويوضح المهندس بأن “القصور الذاتي الحراري للمفاعل النووي مهم للغاية” وحتى بعد إغلاق المفاعل، يجب أن تستمر عملية تبريده لعدة أشهر. فضلا عن تبريد أحواض تخزين الوقود المستهلك في كل موقع.
ويمكن تخيل سيناريو تراجع تدفق منسوب نهر الرون إلى درجة منخفضة للغاية رغم إغلاق المفاعلات، فلن يكون لدينا حينها ما يكفي من الماء لضمان الحد الأدنى من التبريد بعد إغلاق المفاعل. فإن فرنسا قد تواجه حينها كارثة من قبيل كارثة فوكوشيما”.
فاليري فودون تعتقد أن الماء ضروري بالفعل لتبريد المفاعلات، لكن لا توجد علاقة بين ذلك وسلامة محطات الطاقة في فرنسا بحسب رأيها. “على الرغم من مشاكل انخفاض مستوى المياه، لدينا وسائل أخرى مثل خزانات المياه للتحكم في إمدادات المياه الضرورية في المنابع التي تستغلها محطات الطاقة. ولهذا السبب لم يحدث أبدا تسجيل أي نقص من هذا النوع”.
وتضيف فودون بأن “فصل الصيف غالبا هو موسم عمليات الصيانة “الروتينية”، حيث يتم إعادة تزويد المفاعلات بالوقود استعدادا لفصل الشتاء، لكن هذا الصيف الذي نعيشه اليوم “خاصا” بعض الشيء لأن عمليات المراقبة والصيانة التي تتابع ظاهرة التآكل أجبرت 12 مفاعلا إضافيا على الإغلاق، من أصل 56 مفاعلا نوويا.
قلق ومخاوف
الأسطول النووي الفرنسي يعتمد كليا على المياه، لذلك يتساءل جوني دا سيلفا، “كيف لا تشعر فرنسا بالخوف جراء جفاف عدد متزايد من الأنهار؟”
وفقا للمكتب الفرنسي للبحوث الجيولوجية والمعادن، فإن متوسط انخفاض التدفق السنوي للأنهار في فرنسا قد يتراوح بين 10 إلى 40 بالمئة بحلول عام 2050. وهناك احتمال أكثر إثارة للقلق خلال فصل الصيف حيث قد ينخفض مستوى الأنهار إلى 60 بالمئة.
من المؤكد أن المنشآت النووية المبردة بمياه البحر لا تتأثر بمشكلة انحسار المياه، ولكن ارتفاعها هو ما يشغل علماء المناخ اليوم.
في ديسمبر/كانون الأول 1999، اجتاحت العاصفة مارتن منطقة “بالاييه” عند مصب نهر الجيروند، وغمر جزء من محطة الطاقة النووية بالمياه، مما دفع إلى إغلاق مفاعلين نوويين. وتم بالتالي تفادي كارثة كبرى، إلا أن هذا الحادث أعاد إحياء مخاوف تتعلق بسلامة محطات الطاقة النووية الخمس الموجودة على الساحل الفرنسي.
النص الفرنسي: سفيان أوبان/ اقتباس: عماد بنسعيّد
مصدر الخبر
للمزيد Facebook