كتب رفيق خوري في” نداء الوطن”: ليس بعد عامين على تدمير المرفأ ونصف بيروت بأكبر إنفجار غير نووي سوى إكمال الجريمة. شيء من القتل الثاني للضحايا والمرفأ والمدينة. وشيء من تصرف مسؤولين لامسؤولين كأن جريمة العصر لم تقع أو كأنها حدثت على كوكب آخر. كثير من إصرار مسؤولين آخرين على تفجير الحقيقة والعدالة مع المرفأ. وكثير من الغرابة في تخزين أطنان من نيترات الأمونيوم الخطرة على مدى سنوات، مع إبقاء صاحبها في خانة “الشبح” الذي يأخذ منها دورياً من دون أن يراه أحد. وطبعاً مع منع كل ما يقود الى كشفه ومحاسبته.ذلك أن المشهد السياسي اليوم أخطر من المشهد الرهيب يوم الإنفجار. وهو انفجار أوله سياسي وآخره أمني. فما وصلنا إليه ليس فشلاً أدت إليه سياسات خاطئة وأنانيات بل هو فشل منهجي له أهداف مرسومة. ولا هو سلسلة دعسات ناقصة بل تكريس انحطاط سياسي قاد الى انهيار مالي واقتصادي واجتماعي ويرفض أبطاله إخلاء الساحة لمن يستطيع وقف الإنهيار وبدء الإنقاذ. والأخطر هو العجز الوطني عن مواجهة الذين يعملون على تغيير هوية لبنان وموقعه الجيوسياسي الطبيعي ودفعه نهائياً الى محور الصراع مع العرب والغرب.والسؤال هو: ماذا لو كان الإنهيار الكامل وليس الإنقاذ هو المطلوب لتسهيل التغيير؟ أليست الصورة الناطقة أمامنا، حتى إشعار آخر مرتبطة بما يدور في الخارج، هي إما رئيس جمهورية في عزلة عربية ودولية، وإما شغور رئاسي طويل بلا حكومة غير حكومة تصريف الأعمال؟
لا أحد يجهل أن الرهانات متناقصة على التطورات الإقليمية المرتبطة بالتطورات الدولية. فريق يتصور أن المنطقة ذاهبة في اتجاه التوسع والتكامل والإقتدار في “جبهة المقاومة” وتعاظم النفوذ الإيراني. وفريق آخر يرى تبلور كتلة عربية قوية ومتماسكة تحمي مصالح العالم العربي وموقعه الجيوسياسي ودوره الإستراتيجي، وتمنع إيران وتركيا وإسرائيل من الإستمرار في اللعب على مسرحه.كل هذا، ولا مسؤول يتحمل المسؤولية. لا عن تفجير المرفأ، ولا عن إنهيار لبنان. لكن اللافت، وسط الدمار المادي والنفسي ورحيل الأدمغة، هو معجزة الجيش. ففي عيده السابع والسبعين يؤكد قائده العماد جوزف عون: “وحدها المؤسسة العسكرية لا تزال متماسكة وجاهزة لتحمل كامل مسؤوليتها تجاه وطنها”. والدول والجيوش على نوعين: جيش له دولة، كما في باكستان وإسرائيل. ودولة لها جيش كما في الكثير من دول العالم. لكن الواقع اليوم في لبنان هو: جيش بلا دولة. جيش تعجز السلطة عن تأمين حاجياته. وجيش يحمي الأمن في كل لبنان من دون سياسة، ويحمي السياسة على الرغم من فجور السياسيين.ولعلنا في حاجة الى تكرار القراءة في قول المؤرخ نيال فيرغوسن: “الكوارث ليست كوارث بمجرد وقوعها بل بعد التأثيرات التي تنشأ عنها وكيفية التعامل معها عندما تضرب المجتمعات وتزعزع نظمها واستقرارها”.
مصدر الخبر للمزيد
Facebook
مرتبط