سوق الحبوب: المزارعون يحذرون من خطر التهريب على الأمن الغذائي الوطني
نشرت في: 26/07/2022 – 18:20
تسببت الحرب الروسية على أوكرانيا في ارتفاع كبير بأسعار الحبوب في العالم، ما دفع تونس التي تستورد 66% من حاجياتها من منطقة البحر الأسود لوضع خطة من أجل تحقيق الاكتفاء الذاتي بهذا المجال. لكن هذه الخطة القائمة أساسا على رفع طفيف في سعر شراء الحبوب لم تكن كافية لتذليل الصعوبات التي يواجهها المزارعون لضمان التوازن بين تكلفة الإنتاج وسعر البيع، الأمر الذي يزيد المخاوف من لجوء بعضهم إلى تهريب المحصول للبلدان المجاورة.
إنها نهاية موسم الحصاد في تونس.. حلت العشرات من الأغنام والماعز مكان آلات الحصاد في الحقل المشمس بالقرب من مدينة القيروان في وسط البلاد، لتأكل ما تبقى من القمح في الأرض، تحت أنظار صاحبتها رقية وكلبها بوتشي.
“لقد سئمنا من تناول المعكرونة فقط!” تقول، باستياء وغضب، الراعية البالغة من العمر 55 عاما عندما سألناها كيف تواجه ارتفاع الأسعار في تونس؟ تضيف رقية، وهي أم لأربعة أطفال: “لم يعد بإمكاننا شراء زيت عباد الشمس.. اللحوم لم نأكلها سوى مرة واحدة هذا العام، لم يكن سوى لحم الضأن الذي نذبحه في العيد”.
كان الأمر سيكون أسوأ لو لم تكن تونس ملتزمة بسياسة دعم المواد الغذائية الأساسية، مثل الخبز والمعكرونة والكسكس، ما يضمن استقرار أسعارها رغم تقلبات السوق العالمية.
المهربون يشترون الحبوب في تونس ويبيعونها بسعر أعلى في الجزائر وليبيا
لكن ارتفاع أسعار الحبوب بعد الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 فبراير/شباط أربك السلطات التونسية. ففي ظل غياب الاكتفاء الذاتي، وجدت تونس نفسها تستورد الحبوب بأسعار مرتفعة لتلبية جزء كبير من احتياجاتها، ما اضطرها لرفع طفيف في سعر شراء القمح المحلي الذي يعتبره المزارعون التونسيون منخفضا للغاية.
يقول أحمد العامري وهو مزارع يمتلك مساحة 25 هكتارا من الأرض قرب القيروان يزرع فيها الحبوب: “المهربون يعرضون على المزارعين سعرا أعلى من السعر الذي حددته الدولة ليتم بيع هذه الشحنات إلى الجزائر أو ليبيا بسعر أعلى”.
يضيف المزارع البالغ من العمر 52 عاما من الحظيرة التي ركن فيها معداته من أجل الحصاد: “إذا لم تتخذ الدولة احتياطات ضد التهريب، فلن يبقى قمحا تونسيا في السوق المحلية. إنه خطر حقيقي على الأمن الغذائي الوطني”.
ويقع المكان في منتصف الطريق بين مساحة التخزين الزراعية وساحة خردة السيارات، حيث توجد إطارات وقطع ميكانيكية ومحركات حول الجرارات القديمة وسبع حصادات ضخمة ذات علامة إنكليزية.
تكلفة إصلاح الآلات الزراعية المستوردة من أبرز الصعوبات التي يواجهها المزارعون
أوضح العامري قائلا: “في الواقع، لا تعمل من بين هذه الآلات سوى ثلاث. قطع الغيار باهظة الثمن، ولا يمكنني تحمل تكاليف إصلاحها!”. لذلك يضطر المزارع لتفكيك الآلات المتهالكة من أجل استخدام قطع غيارها لما تبقى من حصاداته بنفسه.
وتعد تكلفة إصلاح الآلات الزراعية المستوردة من أبرز الصعوبات التي يواجهها مزارعو الحبوب في تونس حتى أن الزيادة الأخيرة في أسعار الشراء التي حددتها الدولة غير كافية لتغطية حاجياتهم التي أثقلتها مصاريف أخرى.
وأشار العامري لفرانس24 أن “أسعار المكونات المتعلقة بزراعة الحبوب مثل الأسمدة زادت بنسبة 40٪ مقارنة بالموسم الماضي. كما أن سعر الوقود ارتفع ثلاث مرات هذا العام. فلو لم ترفع الدولة سعر شراء الحبوب لما ذهب أحد للحصاد”. وبالتالي انخفاض أسعار الحبوب المحلية غير مبرر أمام ارتفاعها غير المسبوق على المستوى العالمي.
عائدات غير كافية
وبحسب الخبير الزراعي قريش بلغيث، مدير الشركة التعاونية للخدمات الفلاحية -الأغالبة- بالقيروان، فإن الوضع الحالي في سوق الحبوب بتونس ناتج عن غياب واضح لاستراتيجية الدولة في قطاع الفلاحة بعد ثورة 2011.
يقع مكتب بلغيث وسط مستودعات الحبوب التي يضع فيها مزارعو المنطقة منتوجهم قبل أن يشتريه الديوان الوطني للحبوب. وقال: “هذا العام، ما لا يقل عن 15٪ من منتوج القمح في منطقة القيروان تم تحويله إلى الخارج من قبل المهربين (…). وشبكات التهريب، خاصة إلى ليبيا، منظمة بشكل جيد للغاية”.
واعتبر بلغيث أن الارتفاع التاريخي في الأسعار العالمية ينبغي أن يكون فرصة للدولة التونسية لتوجيه جزء من الأموال المخصصة للواردات نحو استثمارات تهدف إلى تحسين العائدات. وتابع: “خلال كل مراحل الإنتاج نفقد كميات من المحصول: عند وضع البذور في مرحلة أولى، ثم عند نمو القمح بسبب نقص المدخلات، وكذلك في وقت الحصاد بسبب تقادم الآلات الزراعية”.
والملفت أن الاهتمامات الحيوية للاقتصاد التونسي بعيدة كل البعد عن المناقشات الحالية في تونس. ففي حين تنقسم الطبقة السياسية بشأن مشروع الدستور الجديد الذي عرض على الاستفتاء في 25 يوليو/تموز، تكافح الدولة لإيجاد الأموال من أجل واردات أساسية.
ويذكر أنه في 20 يوليو/تموز، غادرت سفينة كانت محملة بـ6 آلاف طن من الزيت النباتي أدراجها مع حمولتها بعد أن انتظرت في ميناء سوسة مدة 14 يوما بسبب عدم قدرة الدولة على تسديد مستحقاتها، وفق تقرير لموقع “لوتون نيوز” التونسي.
وحسب قريش بلغيث، “هناك الكثير من السفن التجارية الأخرى التي تنتظر في ميناء سوسة (..) عندما تشاهد أضواءها في الليل، تبدو وكأنها مدينة حقيقية على البحر”.
موفدة فرانس24 إلى تونس صبرا المنصر
مصدر الخبر
للمزيد Facebook