إسبانيات عن تجربتهن في لبنان: شعبكم يعرف كيف يفرح
دائمًا ما نتساءل عن نظرة الشّعوب الأجنبيّة إلى لبنان واللّبنانيّين، وغالبًا ما نسمع روايات كثيرة يقولونها او تُنقل عنهم.
لحسن الحظّ، أنّه كانت لي تجربة مع شابّات من إسبانيا قضينَ 10 أيّام في لبنان، لتأدية رسالةٍ إنسانيّةٍ، وجلنَ فيه وتعاطينَ مع أهله.
كانت الأمور تسير بشكل طبيعي، إلى أن طرحت إحدى الفتيات عليّ السّؤال الآتي: هل المرأة في لبنان تتمتّع بالحرّيّة؟
للوهلة الأولى صُدمت من السّؤال، فأجبت “نعم، المرأة اللّبنانيّة يمكنها العمل والتنزّه والقيام بنشاطات كما الرّجل تمامًا، مع اختلاف في نسبة الحرّيّة أو هامشها بين مجتمع وآخر”.
وفي اليوم الأخير من الزّيارة، وقبل عودتهن إلى بلادهن، تقصّدتُ إعادة طرح السّؤال عليهن: هل رأيتن أنّ المرأة اللّبنانيّة تتمتّع بحرّيّة؟
فأجبن “نعم لم نكن نعلم ذلك، لكن ربّما تختلف نسبة الحرّيّة بين منطقة وأخرى أو مجتمع وآخر”. هذه الإجابة تبلورت بعد زيارتهن أكثر من منطقة لبنانيّة.
ما كنت اعلمه هو أنّ الأجانب لا يتابعون بالإجمال الأخبار السّياسيّة، ولا يعلّقون عليها، بعكس اللّبنانيّين الّذين يتحوّلون إلى محلّلين وخبراء في أزاء أي مشكلة أو حدث محلّي أم عالمي. وصدق توقّعي، إلّا أنّ ما فاجأني هو معرفة بعض الفتيات برئيس الحكومة الشهيد رفيق الحريري. فعندما كنّا في منطقة السّان جورج في بيروت، أخبرتهن عن الانفجار الضّخم في العام 2005، الّذي أدّى إلى استشهاد الحريري ورفاقه، وخلّف دمارًا كبيرًا في المنطقة، وأكّدَت بعضهن معرفتهن بالرئيس الراحل.
انفجار المرفأ
لا يخفى على أحد أنّ محيط انفجار مرفأ بيروت تحوّل، وللأسف، إلى مَعلم سياحي. فعند وصولنا إلى هذا الموقع، حاولتُ إخبارهن عن تفاصيل الانفجار الكارثي، وعدد الضّحايا الضّخم الّذي سبّبه، وأنّ الحقيقة مغيَّبة لليوم عن المتسببّين بالانفجار، فبرزت على وجههن علامات التأثّر والحزن، ورحن تتأمّلن الدّمار. وصودف وقتها استمرار الحريق المندلع بأهراءات القمح، فكثرت الأسئلة والاستيضاحات عن أسبابه. ورغم كلّ هذا أصرّين على أخد صورة تذكاريّة أمام الأهراءات.
أسعار الهدايا
بالإضافة إلى المهمّات الإنسانيّة الّتي جئن إلى لبنان للقيام بها، زارت الفتيات مواقع سياحيّة ودينيّة للتعرّف أكثر على البلد، مثل صيدا، مغدوشة، البترون، جبيل، وحريصا وغيرها. ولاحظنَ الفرق بين أسعار التّذكارات الّتي يمكن شراؤها كهدايا وذكرى من لبنان، وذلك بين منطقة وأخرى.
وتساءلن عن سبب رفع بعض المحلّات أسعار سلعهن “من دون حسيب أو رقيب”. فعلى سبيل المثال، كيف لوشاح عليه بعض الزّخرفات، أن يكون سعره نحو 650 ألف ليرة؟
“نريد البقاء”
رغم انقطاع الكهرباء عن المكان الّذي بتنَ فيه طيلة فترة زيارتهن، وارتفاع كلفة النّقل عليهن، وصعوبة تأمين الخبز لهن، إلّا أنّ الفتيات لم ترغبن بمغادرة لبنان بعد 10 أيّام. أرَدنا البقاء، واعتبرن أنّ “10 أيّام قليلة جدًّا لزيارة لبنان، ونتمنّى لو نبقى لمدّة أطول”.
ومنذ أن وصلن لبنان، عَلّمنا الفتيات بعض الكلمات اللّبنانيّة، مثل “مرحبا كيفك”، فبتنا تردّدنها أمام كلّ من تلتقين به وكلّ من يمرّ بقربهن داخل السّيّارات؛ فتفاعل معهن النّاس بطريقة لافتة وجميلة.
“لسنا سعداء”
يمتلك مواطنو الدّول الأوروبيّة كلّ ما يحتاجونه من مقوّمات الحياة الطّبيعيّة مثل الكهرباء، المياه النّظيفة، العدالة الاجتماعيّة وغيرها. لكن ما قالته إحدى الفتيات لي، إنهنّ “غير سعيدات”، وإنّهن شعرن بالسّعادة بالعيش هنا، رغم انقطاع التيّار الكهرباىي وكلّ المشاكل الأخرى، لتكشف أنّ السّبب هو أنّ “الشّعب اللّبناني يعرف كيف يفرح، وأنّ النّاس لبعضها البعض”. وتضيف: “في بلدنا، لا يعرف الصّديق تاريخ ميلاد صديقه أو بعض خفايا حياته، أمّا هنا فالأمر معكوس، ما يجعل الأصدقاء مقرّبين أكثر، ويتكاتفون ويتعاطفون مع بعضهم البعض. العيش هنا ليس لإسعاد الذّات فقط، بس للعمل والعيش مع الآخر”.
ربّما البرنامج المعدّ لهن كان ممتلئًا بالفرح، فضلًا عن القيام ببعض الخدمة للمجتمع اللّبناني، لكن هذا لا يخفي حقيقة أنّ الشّعب يعاني من وطأة الأزمة الاقتصاديّة الّتي تنهش منه.
بالخلاصة، اعتبرت الفتيات أنّ لبنان بلد “مظلوم”، وأنّ القدرات والمقوّمات الإنسانيّة والطّبيعيّة فيه كبيرة وكثيرة جدًّا، وأكدت أنّهن ستعدن لزيارته العام المقبل.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook