آخر الأخبارأخبار دولية

بعد زيارة مسؤول مجري روسيا وطلبه مزيدا من الغاز.. هل زعزعت أزمة الطاقة وحدة الصف الأوروبي؟


نشرت في: 22/07/2022 – 18:37

سلطت زيارة وزير خارجية المجر الخميس إلى موسكو وطلبه مزيدا من الغاز، الضوء على مدى تباين المواقف الأوروبية حيال سبل تخطي أزمة الطاقة، خصوصا وأنها جاءت غداة طلب بروكسل من الدول الأعضاء تقليل الطلب على الغاز لتخطي تراجع الإمدادات والتحرر من التبعية لروسيا في هذا المجال. فما رمزية الزيارة؟ هل يضرب فشل الاتحاد في إقناع كافة أعضائه بخفض استهلاك الغاز وحدته؟ كيف تنعكس هذه الأزمة على الاقتصادات الأوروبية؟ وهل هي فرصة لروسيا لتحقيق مكاسب دبلوماسية؟ أسئلة يجيبنا عليها مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث رمضان أبو جزر، والخبير الاقتصادي أحمد ياسين.

أجرى وزير الخارجية المجري بيتر سيغارتو الخميس زيارة مفاجئة إلى موسكو لطلب ضخ مزيد من الغاز لبلاده. وقال نظيره الروسي سيرغي لافروف إن بلاده “ستدرس” إمكانية تزويد بودابست بكميات إضافية من الغاز هذا العام، في وقت يسعى الاتحاد الأوروبي إلى التخلص تدريجيا لكن بشكل نهائي من التبعية لروسيا في مجال الطاقة.

وقال لافروف في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيره المجري: “أقدر فعلا علاقاتنا. محادثاتنا اليوم أكدت طبيعتها الدائمة والاستراتيجية. وسنعمل على تطويرها بكل الأشكال الممكنة”.

وبحث سيغارتو إمكانية شراء 700 مليون متر مكعب من الغاز تضاف إلى 4,5 مليارات متر مكعب كانت تحصل عليها بودابست سنويا قبل الحرب في أوكرانيا.

وصرح الوزير المجري المعروف بقربه من الكرملين بأن الهدف “ضمان أمن إمدادات الطاقة” بالنسبة لبلاده “في الأشهر المقبلة”. موضحا: “في ظل الظروف الراهنة، سواء أردنا ذلك أو لا، يستحيل ببساطة.. تأمين هذه الكميات الإضافية من دون روسيا، هذه حقيقة”.

وتستورد المجر 65 بالمئة من نفطها من روسيا و80 بالمئة من الغاز الذي تستخدمه، وتقلق من مخاطر النقص، إذ أعلنت “حالة طوارئ” الأسبوع الماضي.

انقسام الصف الأوروبي؟

وجاءت الزيارة غداة تقديم بروكسل خطة لتقليل الطلب الأوروبي من الغاز بنسبة 15 بالمئة لتخطي تراجع الإمدادات الروسية والتحرر من الاعتماد على موسكو. فلتجنب أزمة كبيرة، اقترحت المفوضية الأربعاء خفض الطلب على المدى القصير، مع إمكانية جعل هذا الهدف ملزما في حالة الطوارئ. وأثار الاقتراح استياء ولا سيما في إسبانيا حيث اعتبرته الحكومة غير منصف.

ويقول الاتحاد الأوروبي إنه من الضروري ضمان تحرك كل الدول الآن وليس الانتظار حتى تقطع روسيا الإمدادات. كما حذّر صندوق النقد الدولي من أن قطع الغاز الروسي قد يزج بالاقتصادات الأوروبية في الركود ويفاقم أزمة الغاز التي رفعت بشدة فواتير الغاز على المستهلكين.

هذا وأعلنت اليونان والبرتغال الخميس عن معارضتهما لخطة الاتحاد، وقال وزير الطاقة اليوناني كوستاس سكريكاس: “لا نتفق مع الطبيعة الإلزامية للإجراء، ولا مع النسبة المعلن عنها”. وأشار إلى أن إيطاليا وإسبانيا والبرتغال وفرنسا ومالطا وقبرص عارضت أيضا هذه الخطة.

  • ما رمزية زيارة وزير الخارجية المجري إلى روسيا؟

قال خبير الشؤون الأوروبية رمضان أبو جزر إن زيارة سيغارتو تنطلق من حاجة بلاده إلى كميات غاز تؤمن احتياجاتها للفترة المقبلة خصوصا مع اقتراب الخريف. وأوضح ههنا بأن المجر “تخشى من تطور حزمة العقوبات لتشمل كل أنواع التعامل والإمدادات الأوروبية وأيضا خشية المجر من اتخاذ قرار روسي بوقف إمدادات الغاز لكل دول الاتحاد الأوروبي بما فيها المجر. هذا الإجراء استباقي وهو يعتبر خروجا عن الإجماع الأوروبي”. لكن محدثنا يذكّر بأن التكتل قد وضع في الأساس استثناء يخص المجر والجمهورية التشيكية بالنسبة لحزمة العقوبات الخامسة المتعلقة بحظر ومقاطعة النفط والغاز الروسيين.

وبالنسبة إلى الخبير الاقتصادي أحمد ياسين فإن هذه الزيارة تعني “انهيار وحدة الصف الأوروبي باسم الاتحاد كتكتل شامل في اتباع نهج موحد لمواجهة روسيا والتحديات الاقتصادية الخطيرة، التي تعاني منها الدول الأوروبية بخصوص ارتفاع مستوى التضخم وإصرار التكتل على إيجاد المسوغات لضمان استمرار العقوبات الغربية المفروضة على روسيا. طالما أن المفوضية الأوروبية قامت بخطوات لتخفيف العقوبات مؤخرا فهذا مؤشر واقعي بأن دول التكتل بدأت تتذمر وترفض هذه العقوبات ففي نهاية المطاف إن الاقتصادات الأوروبية هي التي دفعت الثمن الباهظ. كذلك فإن هذه الزيارة تعني جانبا آخر لا يقل أهمية، فهي نموذج خاصة للأحزاب اليمينية المتطرفة التي تزداد قوة ودورا في الانتخابات التي تشهدها بعض الدول وفي مقدمتها إيطاليا، حيث خسرت حكومة دراغي التحالف الحكومي. وطالما أن وزير الخارجية المجري سوف يؤمن حاجيات بلاده من الطاقة والغاز الطبيعي فإن هذا يمثل درسا لباقي الأحزاب اليمينية لتحذو حذو المجر في تأمين حاجيات هذه الدول من الغاز الروسي، لذلك فإن تبعات هذه الزيارة هي بالتأكيد خطيرة وكبيرة جدا على مستقبل الاتحاد الأوروبي”.

  • دول أوروبية ترفض خفض التبعية للغاز الروسي.. ضرب لوحدة التكتل؟

يقول مدير مركز بروكسل الدولي للبحوث رمضان أبو جزر: “يمكن اعتبار أن رفض دول أوروبية خفض التبعية للغاز الروسي هو ضرب لوحدة التكتل من وجهة نظر سياسية، إذ إن تأثير الاحتياجات الاقتصادية أحيانا يكون أكبر من القرار السياسي، لذلك لاحظنا أن الحُزَم الخمس الأوائل من العقوبات الأوروبية على روسيا منذ بداية الحرب، قد تم اتخاذها بسلاسة، ولكن في الحزمة السادسة طرأت خلافات لأنها تطرقت إلى إمدادات الطاقة التي تعتبر عصبا حيويا لمعظم دول أوروبا بداية بألمانيا وانتهاء بإسبانيا البعيدة عن الاحتياجات المباشرة لروسيا. أعتقد أن تفكير كل دولة على حدة باحتياجاتها يمكن أن يؤثر على وحدة القرار الأوروبي، هذا مؤشر خطير على وحدة التكتل الأوروبي”.

بدوره يقول أحمد ياسين: “نعم هناك العديد من الدول الأوروبية التي ترفض خفض التبعية للغاز الروسي، لأنها تدرك جيدا أنه ليس هناك أي بديل للغاز الروسي الذي يأتي عبر الأنابيب إلى الأسواق الأوروبية. هناك من يقول إن الولايات المتحدة رفعت من مستوى صادراتها من الغاز المسال وكذلك الجزائر والنرويج وصلت إلى طاقتها القصوى، وأذربيجان، لكن كل هذه الدول مجتمعة لا يمكن أن تعوض عن الغاز الروسي بشكل كامل، خاصة وأنه يأتي إلى أسواق أوروبا عن طريق الأنابيب ما يعني أنه أقل تكلفة من الغاز المسال ولا يحتاج إلى تأمين بنى تحتية إضافية، خاصة بالنسبة إلى ألمانيا الدولة الأساسية في الاتحاد وصاحبة أقوى اقتصاد فيه والتي تفتقر كليا لمثل هذه البنى التحتية للتعامل مع الغاز المسال. فطالما ليس هناك أي بديل واقعي للغاز الروسي فإن هذه الدول التي تعي مثل هذا الواقع، لا يمكن أن تفك ارتباطها بروسيا”.

  • ما انعكاس أزمة الطاقة على اقتصادات الدول الأوروبية؟

يعتبر رمضان أبو جزر أن “كل الأزمات السابقة لم تؤثر على الاتحاد الأوروبي واستطاعت دوله تجاوزها بحكمة وإجماع دائم بداية بأزمة اللاجئين عام 2016، عندما حاولت تركيا ابتزاز أوروبا من خلال سلاح المهاجرين ومحاولتها التأثير على الوحدة السياسية من خلال تفاوت مواقف الدول إزاء تلك الأزمة، مرور بأزمة كورونا التي كادت تعصف بدول الاتحاد الأوروبي واستطاعت حكمة دوله الكبرى استيعاب هذه الجائحة وآثارها”.

ويضيف نفس المتحدث: “لكن في هذه المرة وعلى الرغم من وحدة وصلابة المواقف السياسية الأوروبية منذ بداية الحرب على أوكرانيا، إلا أننا ومع بلوغ الأزمة إمدادات الطاقة والغاز شعرنا بتباين المواقف بين كل دولة وأخرى، نرى طرح مقترحات عديدة وتأخرا كبيرا في إعطاء الردود، نشهد أحيانا تهديدات في العلن مثل ما فعله رئيس الوزراء المجري الذي صرح عدة مرات بأنه لن يكون بمقدور بلاده الالتزام بقرارات الاتحاد الأوروبي فيما يتعلق بالعلاقات الاقتصادية مع روسيا وخاصة الغاز والنفط. أعتقد أن هذا الملف حساس جدا وأن أزمة الطاقة ستؤثر على الوضع الاقتصادي خصوصا مع ارتفاع التضخم وغلاء الأسعار وشعور المواطن الأوروبي بالأزمة، لكن إلى أي مدى؟ الأسوأ لم يصل بعد!”.

ويرى أحمد ياسين، أن انعكاس أزمة الطاقة على اقتصادات الدول الأوروبية هو بالتأكيد خطير وكبير جدا. ويقول ههنا: “إلى الآن لم نصل إلى ذروة التبعات الخطيرة لأزمة الطاقة على اقتصادات أوروبا. حاليا وصل التضخم إلى مستويات قياسية في منطقة اليورو بنسبة 8,6 بالمئة على مستوى جميع دول منطقة اليورو، لكن إن تعمقنا لمعرفة نسبة التضخم على مستوى الدول الأعضاء بشكل منفرد، فهناك دول تخطى فيها مستوى التضخم نسبة 10 بالمئة، ما يشير بوضوح إلى أن كل ذلك مرتبط بطبيعة العقوبات الاقتصادية الغربية التي تم فرضها على روسيا، البلد الأساسي الذي يمثل حاجة ماسة واستراتيجية لاستمرارية التوازن في الاقتصاد العالمي، كونها أكبر منتج للنفط والغاز في العالم وأكبر مصدر لهما خاصة للقارة الأوروبية التي تعتمد على ما يزيد عن 40 بالمئة من الغاز الطبيعي الروسي”.

ويتابع ياسين: “طالما أن هذه العقوبات فرضت بالرغم من حاجة أوروبا إلى مصادر الطاقة الروسية، فإن التبعات الاقتصادية لمثل هذا الوضع سوف تزداد خطورة وسلبية خاصة مع اقتراب فصل الشتاء بعد أسابيع وسط انخفاض قدرات ومستويات التخزين الأوروبية من الغاز الطبيعي. إذا أقدم الكرملين على قطع إمدادات الغاز أو استخدام حجة أن التربينات التي طلبتها شركة غازبروم من ألمانيا وبالتحديد من شركة سيمنز لم تصل في الوقت المحدد مع وجود تربين واحد يعمل في وقت أن خط نورد-ستريم يحتاج إلى أربعة تربينات للصيانة، لذلك فإن هناك مخاطر كبيرة بأن روسيا سوف تستخدم هذه الحجة لقطع الإمدادات عبر خط نورد-ستريم 1، في حال تم ذلك خلال فصل الشتاء فإن التبعات سوف تكون خطيرة جدا مع اضطرار اقتصادات دول المنطقة إلى الاعتماد على استراتيجية التقنين خصوصا بالنسبة لألمانيا واعتماد اقتصادها على سلعة أساسية هي الغاز الطبيعي”.

  • أزمة الطاقة.. فرصة لروسيا لتحقيق مكاسب دبلوماسية؟

اعتبر رمضان أبو جزر أنه في ظل أزمة الطاقة الحالية فإن “صاحب اليد العليا هو الطرف الروسي الذي يقال إنه أقل تضررا ويمكن أيضا احتساب خسائره على المدى البعيد، لكن على المدى القريب جدا فإن المتضرر الأكبر هو الطرف الأوروبي الذي هو في حاجة إلى إمدادات الطاقة الروسية، لذلك فإن هذه فرصة حقيقية لروسيا لتحقيق مكاسب سياسية أكثر من دبلوماسية لفرض جزء من رؤيتها أو للتخلص من بعض العقوبات. يمكن لروسيا الآن أن تناور وتفاوض الأوروبيين، في حال ما إذا أراد الأوروبيون استمرار إمدادات الغاز يمكن لروسيا أن تطلب منهم التراجع عن بعض حزم العقوبات ومعه يتراجع كثيرا سقف المطالب بوقف الحرب والانسحاب من أوكرانيا”.

من جهته، قال الخبير الاقتصادي أحمد ياسين: “نعم هي بالتأكيد فرصة كبيرة جدا لروسيا، وطالما أنها تحقق انتصارات عسكرية على الأرض من خلال استعادة مناطق الشرق وكذلك مناطق أساسية في الجنوب، ومع استمرار العملية العسكرية الروسية وتسجيل تراجع للقوات الأوكرانية على الرغم من المساعدات العسكرية الكبيرة من قبل حلف الناتو، هذا يعني أن روسيا سوف تفرض شروطها في أي جلسة مفاوضات مقبلة. وطالما أن روسيا تستخدم ورقة الغاز الطبيعي بذكاء وحنكة، وفي ظل الانتصارات العسكرية، فبالتأكيد فإن مكاسب دبلوماسية كبيرا جدا ستعطيها قوة في أي مفاوضات سواء مع أوكرانيا أو مع الاتحاد الأوروبي لتسوية النزاع”.

 

أمين زرواطي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى