آخر الأخبارأخبار محلية

“مسرحية”.. “سابقة” مداهمة المصرف المركزي تنذر بتداعيات “خطيرة”!

على “المجهول”، تبدو أزمات البلاد مفتوحة، من دون حسيب أو رقيب، فالحكومة “معلّقة”، فيما رئيسها المكلف الذي قام بواجباته منذ اليوم الأول لا يزال بانتظار “اتصال” من رئاسة الجمهورية لمواصلة المشاورات، وبعض المسؤولين مشغولين بالتكهن بـ”سيناريوهات” انتخابات رئاسية قد لا تحصل في موعدها، وبين هذا وذاك، أزمات معيشية تتفاقم، ليدفع المواطنون كالعادة “ثمن” صراعات لا يتحمّلون مسؤوليتها.

 
وكأنّ كلّ هذه الأزمات لا تكفي، على أهميتها بل خطورتها، ثمّة من أراد أن يلهي اللبنانيين بـ”فاصل” غير ترفيهي، بل خطير في تبعاته المحتملة، حيث جاءت المداهمة غير المسبوقة لمصرف لبنان المركزي بالأمس من قبل مدّعي عام جبل لبنان القاضي غادة عون في الحمرا، لترسم الكثير من علامات الاستفهام، حول الأهداف المرتجاة من خلفها، والخلفيات “الشعبوية” الكامنة بين سطورها، فضلاً عن تداعياتها على الاقتصاد المنهار أساسًا.

 
ومع أنّ هناك من سارع، على جري العادة، للدفاع عن الخطوة، التي بدت أشبه بـ”مسرحية استعراضية”، من خلال وضعها في خانة “حرب على الفساد” تارةً، أو في إطار “الثأر للمودعين” الذين وقعوا “ضحية” الأزمة الاقتصادية والمصرفية، فإنّ “التوظيف السياسي” لم يَبدُ بعيدًا عمّا حصل، خصوصًا أنّ القاصي والداني يدرك أنّ مسار الحلّ لا بدّ أن يسلك طريقًا مختلفًا تمامًا، يمرّ من خلال المؤسسات أولاً وأخيرًا.
 
“سابقة” و”شعبوية”!
 
بالنسبة إلى كثيرين، مرّ خبر “المداهمة” التي قامت بها مدّعي عام جبل لبنان مرور الكرام، فهي على خطورتها، أضحت “أمرًا مألوفًا”، في سياق “ممارسات” تدأب القاضية غادة عون على تكرارها بين الفينة والأخرى، من خلال مداهمات واستعراضات توظَّف دائمًا في إطار الدفاع عن فريق سياسي محدَّد، تتّهَم عون أساسًا أنّها محسوبة عليه، وهو ما يكفي من حيث الشكل بالحدّ الأدنى، لضرب “استقلالية” السلطة القضائية، وهي قيمتها الأسمى.

 
لكنّ ما حصل بالأمس يُعَدّ في الوقت نفسه “سابقة” على المستوى القضائي، من خلال قيام مدّعي عام جبل لبنان بمداهمة مكان، لا يتبع لها إداريًا، نظرًا لموقع مصرف لبنان المركزي في منطقة الحمراء، التي لا تندرج ضمن “جبل لبنان”، ولا سيما أنّ المعلومات أشارت إلى أنّ القاضي المناوب في النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رجا حاموش رفض إعطاء الإشارة للعناصر الأمنية بالدخول إلى المصرف، لتتمّ المداهمة رغم ذلك على الأرض.
 
وإذا كانت “الشعبوية” حاضرة في “المسرحية”، باعتبار أنّ أحدًا لم يكن يتوقع أن تنتهي “المداهمة” بمشهد توقيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مثلاً، على الهواء مباشرة، فإنّ الأخطر منها يبقى في التداعيات المحتملة لها، والتي قد يكون “إضراب” موظفي مصرف لبنان الذي أعلن بالأمس أول تجلياتها، علمًا أنّ مثل هذا الإضراب سينعكس سلبًا بصورة تلقائية على الاقتصاد اللبناني، المُنهَك والمنهار أساسًا، والذي لا يحتمل أيّ خضة جديدة.
 
خريطة طريق الحلّ
 
يقول العارفون إنّ ما جرى في المصرف المركزي لم يكن سوى حلقة من “مسلسل” بات مملاً، في إطار مسعى فريق سياسيّ لـ”فرض” الحلول كما يرتضيها هو، وقد بات معروفًا مثلاً أنّه حاول فرض “شروطه” في مفاوضات تأليف الحكومة، ومن بينها “إقالة” حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، من دون تأمين أيّ “بديل”، أو درس “المخاطر” التي قد تتأتّى عن ذلك بشكل أوتوماتيكي ومباشر، رغم أنّ هذا الفريق أساسًا هو ممّن رسّخوا “قوة” سلامة لسنوات طويلة.
 
أما “خريطة الحلّ” فقد برزت عناوينها “العريضة” من خلال البيان الصادر عن رئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي الذي أبدى فيه أسفه للطريقة الاستعراضية التي يتم فيها معالجة ملفات قضائية حساسة لها ارتباط بالاستقرار النقدي في البلاد، واصفًا ذلك بأنّه “ليس الحلّ المناسب” لمعالجة ملف حاكم المصرف المركزي، حيث أوضح أنّ المطلوب هو “توافق سياسي مسبق على حاكم جديد لمصرف لبنان، على أن تأخذ القضية مجراها القانوني المناسب بعد ذلك”.
 
لعلّ ما أراد ميقاتي تأكيده بموقفه هذا، هو رفضه للاستنسابية كما للشعبوية، كما نفيه لكلّ ما يحكى عن تمسّكه بحاكم المصرف المركزي أو غيره، أو حتى دفاعه عنه، لكنّ الأهمّ من كلّ ذلك يبقى الحرص على سمعة لبنان المالية دوليًا، خصوصًا أنّ أيّ خطوة غير محسوبة اليوم من أن شأنها أن تعرّض هذه السمعة للخطر، وتضرب بالتالي كل خطط ومشاريع الإنقاذ، التي أطلقتها حكومة تصريف الأعمال، وينبغي المضيّ بها إلى الأمام، لا العكس!
 
قد يعتبر البعض أنّ “مداهمة” مصرف لبنان خطوة “تفشّ الخلق”، وقد يعتبر البعض أنّ “توقيف” حاكم مصرف لبنان أمر مطلوب، خصوصًا بعدما تمّ تصويره أنّه “المسؤول الوحيد” عن كلّ الأزمات. لكن، بعيدًا عن كلّ ذلك، المطلوب معالجة جادة ومسؤولة، بعيدًا عن أيّ استنسابية، لكن أيضًا عن أيّ توظيف سياسي، حتى لا تصبح “الفاتورة” أكبر و”أثقل” من أيّ قدرة على المواجهة، وهذا بالتحديد ما يخشاه الكثيرون!


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى