آخر الأخبارأخبار دولية

“جنود الرب” يمارسون مضايقات واعتداءات بحق مجتمع الميم ويهاجمون الزواج المدني


نشرت في: 14/07/2022 – 17:45آخر تحديث: 15/07/2022 – 11:03

في نهاية شهر حزيران/يونيو، تم تداول مقطع فيديو يظهر تخريب نصب من الزهور بمناسبة الاحتفال بشهر “الفخر” في العاصمة بيروت على نطاق واسع من قبل مستخدمي الإنترنت في لبنان. وقد التقط منفذو حادثة التخريب هذه بأنفسهم صورا توثق الحادث وقدموا مجموعتهم على أنها “جنود الرب” الذين يعملون على التصدي لـ”انحرافات مجتمع الميم LGBT” والزواج المدني في لبنان.

تم التقاط المقطع المصور في 24 حزيران/يونيو في حي الأشرفية ذي الغالبية المسيحية بالعاصمة اللبنانية بيروت وبالتحديد في شارع ساسين. وأمام هذه اللافتة المليئة بالأزهار، يتحدث أشخاص عن “انتشار” رموز مجتمع الميم في بيروت ويتلون آيات من إنجيل العهد القديم.

يقول أحدهم وهو في حالة غضب عارم أمام الكاميرا: ”إنهم ذئاب متنكرين على شكل خرفان، إنهم يخطفون أولادنا (المثلية الجنسية) هي إثم كبير على الجسد والروح”.

وتنقلت عدسة الكاميرا بين المجموعة ورجل شاب أشقر جسده مليء بالوشوم يهاجم اللافتة وينزع الأزهار الملونة. وتوجه أحد أفراد المجموعة إلى الكاميرا ووجه إصبعه إلى السماء قائلا: “إذا ما تجرأ أحد ما على رفع هذا العلم ذي ألوان قوس قزح مرة أخرى، فسيكون ذلك بمثابة إشارة مرسلة إلى الرب وجنوده حتى يمحوه من الوجود”.

وفي الثواني الأخيرة لمقطع الفيديو، صعد رجل أسمر ذو عينين خضراوين حتى اللافتة وقال مهددا: “قانون إبليس هذا (قانون الزواج المدني) لن يمر أبدا” وبعد ثوان من ذلك، تكفل رجال الإطفاء بإزالة الأزهار من اللافتة الاحتفالية.


وتم تعليق لافتة في بداية شهر حزيران/يونيو من قبل منظمي مسيرة “الفخر” في بيروت للاحتفال بتنوع التوجهات والهويات الجنسية واختلاف الجندر الاجتماعي في لبنان وتمثل علم مجتمع الميم بألوان قوس قزح. وتحت هذه اللافتة يمكن أن نقرأ ما يلي #LoveAlwaysBlooms (الحب دائما ينتصر في الأخير بالعربية).


هذه الصورة التي نشرها منظمي مسيرة الفخر تظهر اللافتة المليئة بالأزهار قبل وبعد التخريب.

“حراس” يعملون باسم الرب

هؤلاء الرجال في الفيديو لم يخفوا هويتهم وقد تعرفت عليهم صحف محلية ومستخدمو إنترنت لبنانيين. وهم بالتوالي جورج شاوة وجوزيف منصور وصابح حداد، ويطلقون على أنفسهم “جنود الربّ”. وقد نشرت هذه المجموعة هي نفسها فيديو عملية التخريب على صفحتها على فيس بوك. ومن حينها، تداول الفيديو على تويتر ويوتيوب، كما أنه لاقى استحسان مستخدمي هاته التطبيقات.

كرد فعل، أمرت وزارة الداخلية اللبنانية قوات الأمن بـ”أخذ الإجراءات الضرورية فورا لمنع إقامة أي احتفال أو تجمع” لأفراد مجتمع الميم “حيث لا يمكن التذرع بالحرية الشخصية للتعبير عن هذه النشاطات (…) الأمر مخالف للعادات والتقاليد… ويتناقض مع الأديان السماوية”.


“يتمتع هؤلاء الأشخاص بالإفلات من العقاب وبحماية القانون”

وسبب هذا الموقف من وزارة الداخلية اللبنانية قلق المنظمات غير الحكومية في البلاد حسب تأكيد وديع الأسمر من المركز اللبناني لحقوق الإنسان الذي يقول:

هذا النوع من الاعتداءات يعد نتيجة لحملة تقودها الدولة وتستهدف مجتمع الميم. وما نخلص إليه من هذه التجربة أن مفهوم القانون فضفاض، حيث أن القرار الأخير الصادر عن وزارة الداخلية غير دستوري.

من الواضح من وجهة نظرنا أن وزارة الداخلية تستفيد من “أفعال” هذه الجماعات لنشر الارتباك بشأن مواضيع مثيرة للجدل في لبنان على غرار الزواج المدني أو حقوق أفراد مجتمع الميم، ومن ثم محاولة جلب تعاطف القادة الدينيين الذين يمثلون في نفس الوقت سلطة روحانية وسياسية سواء كان ذلك للمسلمين أو المسيحيين.

إنهم يتمتعون بالإفلات من العقاب والحماية، إذ أنهم يكشفون علنا عن هويتهم في مقاطع الفيديو التي يقومون بنشرها على وسائل التواصل الاجتماعي، ولكن بالرغم من ذلك، لم يشعروا بأنهم مهددون بالقانون.


الزواج المدني… قضية أخرى يحاربها “جنود الرب”

يرفض “جنود الرب” بشكل قطعي أن يتم إقرار قانون يسمح بالزواج المدني في لبنان، البلد الذي لا يسمح إلا بإقامة زواج ديني. ورغم مناقشة الموضوع في مجلس النواب منذ خمسينيات القرن الماضي، فإن مشروع قانون لإقرار الزواج المدني يواجه جدلا قوميا ويقابل بالرفض في كل مرة يطرح فيها النقاش.

وبعد الانتخابات التشريعية اللبنانية في أيار/مايو الماضي، عبر نواب من السنة منتخبين حديثا عن موافقتهم على المصادقة على قانون الزواج المدني ما أدى إلى موجة من الهجمات من القادة الدينيين من كل الطوائف.

وتعترض مجموعة “جنود الرب” بشدة على تقنين الزواج المدني، مثلها مثل أغلب القادة الدينيين في لبنان، وذلك لأنه بحسبهم سيفتح المجال لعقود القران للناس من نفس الجنس. 

وفي 2 تموز/يوليو، نظم تحرك شعبي ضد كل حدث مساند للمثليين جنسيا في وسط مدينة طرابلس ثاني أكبر مدن البلاد ذات الأغلبية السنية، بعدما دعا إمام معروف في طرابلس ليلتها إلى التجمع وسط البلد.


ويخلص وديع الأسمر قائلا:

تتماشى مواقف “جنود الرب” مع مواقف المتطرفين السنة حول موضوع الزواج المدني، وكل ما يرتبط بحقوق مجتمع الميم. وفي الجانب المقابل، ينقسم الطرفان حد النقيض بشأن ارتداء الحجاب وكل المواضيع المتعلقة بديانة الطرف الثاني.

من هم “جنود الرب”؟

ولا يتوان “جنود الرب” في الكشف عن أفعالهم على حساباتهم في فيس بوك وينشرون بشكل دوري مقاطع فيديو لرجالهم وهم يركبون دراجات نارية أو يتحركون في مجموعة كبيرة من الرجال الذي يرتدون قمصنا سوداء تحمل “شعار المجموعة” وهو عبارة عن درع ذي جوانح مرصع بصليب أحمر أمام كتاب إنجيل مفتوح. وعادة ما تكون منشوراتهم مرفقة مع آيات من العهد القديم.

في سنة 2019، تمكنت نفس المجموعة من إلغاء حفل موسيقي للمجموعة الغنائية اللبنانية “مشروع ليلي” والتي يجاهر المغني فيها حامد سنو علنا بمثليته الجنسية، وذلك “لتفادي حدوث مجزرة”، حسب المصطلحات التي استخدمها بيان وزارة الداخلية المحلية.


تجمع ل”جنود الرب” أمام مقر الشركة اللبنانية للبنوك ببيروت يوم 15 أيار/مايو يوم الانتخابات البرلمانية اللبنانية. ومن بينهم نرى أحد الرجال الذين خربوا اللافتة في الأشرفية.

رولا تلحوق مديرة مركز الدراسات الإسلامية-المسيحية في جامعة القديس يوسف في بيروت توضح قائلة:

هؤلاء الرجال يتموقعون كحماة للإله لأنهم يعتبرون أن معتقداتهم الدينية -التي يمثلونها هم أنفسهم- مهددة أو مقموعة حتى، فيما أنه لا شيء من ذلك صحيح على الأقل في لبنان. وردة فعلهم أمام العلمنة النسبية للمجتمع هي الرغبة في العودة إلى “الأسس” للثقافة الدينية القديمة وإسقاط أفكارهم وتقاليدهم الثقافية المنسية على المجتمع المعاصر. إنه عاجزون عن تحقيق الانسجام الثقافي، فكلما رفض المجتمع مطالبهم، كلما ازدادت هذه المجموعة تطرفا.

“يعلنون أنفسهم الحماة الوحيدين للرب”

هم لا يقفون معارضين لمجتمع الميم فقط بل يعارضون أيضا الزواج المدني ويذهبون إلى حد اعتبار أنفسهم الحماة الوحيدين للرب.

خطابهم يذكرني بالمقاتلين المسيحيين إبان الحرب الأهلية اللبنانية الذين كانوا يرفعون الصليب المشطوب على البنادق الرشاشة والدبابات. حيث كانوا يقولون بكل صراحة: سأقصفك باسم الرب.

ولدى الطائفة الشيعية، يأخذ حزب الله نفس المنحى من إقحام اسم الله في هويته السياسية. إنها أيضا خاصية كل الأطراف المتشددة: إذ أنهم لا يعارضون الأشخاص الموجودين خارج مجتمعهم فقط، بل يملكون أيضا نظرة راديكالية وضيقة جدا عن الدين، والتي لا يسمحون من خلالها بأي انحراف.

“الزعماء الدينيون يملكون اليد المطلقة على كل النواحي المدنية لحياة المؤمنين”

في معظم الدول العربية، خصوصا التي تملك طوائف متعددة على غرار لبنان، يوجد قانون للأحوال الشخصية. ويتم العمل بهذا القانون بشكل مستقل عن الدستور. إذ أن معظم الدساتير العربية لحقبة ما بعد الاستعمار كانت دساتير علمانية. ولكن في لبنان، فإن قانون الأحوال الشخصية يمنح للقادة الدينيين سلطة على الحياة الخاصة للطوائف التي يتولون قيادتها.

وهذا الوضع يمنح هؤلاء الزعماء الدينيين يد طولى حقيقية على كل النواحي المدنية للحياة من الإرث مرورا بالزواج وصولا إلى تبني الأطفال والطلاق. ولكن لبنان يضم طوائف مختلفة ما يجعل من قانون للزواج المدني عاملا مسهلا للزواج العابر للطوائف وبالتالي ما سيؤدي إلى إرث يعبر الأديان والطوائف. وبالنسبة إلى رجال الدين، فإن هذا الأمر غير مقبول.

هذا المعطى جعل البنية المجتمعية مرتبطة بشكل ضيق بالبنية الدينية التي تفرض في حد ذاتها الموازين السياسية في لبنان. وهو ما جعل مشروع قانون الزواج المدني يواجه الكثير من الرفض لأنه سيجعل الأفراد يخرجون عن انتمائهم الديني وبالتالي التخلص من هيمنة رجال الدين.

ورغم أن الزواج المدني ليس مطبقا في لبنان، تقر سلطات البلاد في المقابل بعقود الزواج التي تمضى خارج الحدود.

وهو ما جعل لبنانيين من مختلف الطوائف يوقعون عقود زواج عبر الإنترنت تنظمها لهم بلديات أو محاكم لبلدان أخرى. فيما يفضل آخرون السفر إلى قبرص أو تركيا لإمضاء عقود الزواج.

وفي لبنان لا يزال الفصل 534 من القانون الجنائي يعاقب “كل مجامعة على خلاف الطبيعة بالحبس حتى سنة واحدة”، ويمنع الزواج بين الأشخاص من نفس الجنس. 

وفي عام 2007 قال فقط 18% من اللبنانيين أنهم يساندون دمج المثليين جنسيا في بلدهم، بحسب دراسة أجراها مركز “بيو للدراسات” الأمريكي.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى