بعد الضغط الروسي.. تمديد “مؤقت” للمساعدات الأممية ومخاوف من كارثة جديدة في سوريا
بعد مفاوضات طويلة في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة انتهت أول أمس الثلاثاء، رضخت أخيرا القوى الغربية لمطلب روسيا بتمديد آلية إدخال المساعدات الدولية عبر الحدود من تركيا إلى سوريا لمدة ستة أشهر بدلا من سنة. في حين تتخوف المنظمات الإنسانية من “كارثة” جديدة في الشمال السوري، في حال لم تتمكن المساعدات الإنسانية من المرور عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا خلال الشتاء القادم، رغم الاحتياجات الإنسانية المتزايدة.
يبدو أن الصراعات السياسية طغت من جديد على الاحتياجات الإنسانية في الملف السوري، وتمكنت روسيا من جعل مجلس الأمن يرضخ لشروطها، حفاظا على المعبر الوحيد الذي يتيح للمنظمات الدولية إدخال المساعدات الأساسية عبره، من غذاء وأدوية، والتي يعتمد عليها حوالي أربعة مليون سوري في شمال البلاد، أكثر من نصفهم يعيش في مخيمات تفتقر إلى أدنى مقومات العيش.
وفشل مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في تمديد العمل بآلية إيصال المساعدات الإنسانية* عبر معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا لمدة عام، ورضخ أخيرا أول أمس الثلاثاء 12 تموز/يوليو لمطلب روسيا بأن يكون التمديد لمدة ستة أشهر فقط. الأمر الذي تراه المنظمات العاملة في المنطقة غير كاف لتلبية احتياجات السوريين الذين يعانون أصلا من ظروف معيشية متدهورة.
ويستفيد 2.4 مليون سوري شهريا من مساعدات تُدخلها الأمم المتحدة، وفق بيانات مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا). إذ عبرت الحدود خلال العام الحالي وحده أكثر من 4600 شاحنة مساعدات، حملت غالبيتها مواد غذائية.
المتحدث الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (اوتشا)، جينس لارك، قال لمهاجرنيوز إن تمديد المعبر الإنساني لمدة ستة أشهر إضافية “غير كاف” من الناحية التشغيلية، لكنه “أفضل من عدم التمديد على الإطلاق”.
وفي موقف مماثل، قالت السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس-غرينفيلد “التمديد المؤقت هو بالطبع أفضل من لا شيء، لذلك لم نعرقل هذا القرار، على الرغم من أنه لا يرقى إلى مستوى واجب مجلس الأمن تجاه الشعب السوري”.
احتياجات إنسانية متزايدة
أشارت لجنة الإنقاذ الدولية (IRC) إلى أن أكثر من 70% من سكان شمال غرب سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي، كما أن أسعار المواد الغذائية الأساسية ارتفعت بنسبة تصل إلى 67% في الأشهر الثلاثة الماضية. وبحسب أرقام الأمم المتحدة، يضطر أكثر من 1,7 مليون نازح في سوريا إلى العيش في ظروف مزرية في مخيمات غير رسمية، دون ما يكفي من المياه وأنظمة الصرف الصحي والرعاية الصحية. ويعاني واحد من كل ثلاثة أطفال من سوء التغذية.
فريق منظمة “منسقو استجابة سوريا” غير الحكومية، كان نبه أصلا من تقليص الدعم الذي يصل إلى مخيمات النازحين في الشمال السوري، وأورد في 22 حزيران/يونيو الماضي، أن “أكثر من 1083 مخيما لا يحصل على الخبز (مدعوم أو مجاني)، كما أن أكثر من 590 مخيما يعاني من انعدام المياه بشكل كامل، في حين يعاني 269 مخيما آخر من نقص توريد المياه (لا تحصل على الكمية الكافية)، كما يعاني أكثر من 614 مخيما من غياب الصرف الصحي اللازم…”. وأرجع ذلك إلى أسباب عدة أهمها “نقص التمويل اللازم لاستمرار العمليات الإنسانية بما يتوافق مع الاحتياجات الإنسانية المرتفعة ضمن المخيمات”.
تانيا إيفانس مديرة لجنة الإنقاذ الدولية في سوريا، أكدت لمهاجرنيوز على أن الاحتياجات في جميع أنحاء سوريا تتزايد وبلغت مستويات قياسية، “هذا العام عدد السوريين المعرضين لخطر الجوع أكثر من أي وقت مضى خلال السنوات الـ11 الماضية من الصراع. وأدت الأزمات المتقاربة والصدمات الاقتصادية، بما في ذلك الجفاف والتضخم والانهيار الاقتصادي في دول الجوار وجائحة كوفيد 19، إلى تفاقم الوضع الإنساني المتردي بالفعل”.
وسيكون لتعليق العمل عبر المعبر عواقب كبيرة في المجال الصحي، إذ إن ذلك سيؤدي إلى “إغلاق 21 مستشفى و12 مركزا طبيا ووقف عدة مشاريع منها حملات التطعيم”، بحسب تحذيرات مدير الصحة في إدلب سالم عبدان.
ونبه عبدان من أن وقف المساعدات عابرة الحدود ستؤدي إلى “انهيار كامل للقطاع الصحي”، إضافة إلى “ارتفاع معدل الوفيات وانتشار الامراض”. فيما اعتبر مازن علوش، مدير مكتب العلاقات العامة في معبر باب الهوى أن عدم إدخال المساعدات الإنسانية عبر الحدود “هو مقدمة لمجاعة لا يمكن السيطرة عليها وتهديد مباشر للأمن الغذائي”.
وتخوفت تانيا إيفانس من وقوع آثار “مدمّرة” على أولئك المعرضين بالفعل لخطر كبير، محذرة من أن يتحول ذلك إلى “كارثة”. وشددت على أنه “لا يوجد حاليا بديل عملي للمساعدة عبر الحدود”. ودون هذه المساعدات “سيُترك أكثر من مليون شخص” دون السلال الغذائية إذ لا يمكن للمنظمات غير الحكومية والجمعيات المحلية أن تسد فجوات النقص.
“ابتزاز روسي”
في عام 2020، استخدمت روسيا والصين الفيتو، الذي تتمتعان به بصفتهما عضوين دائمين في مجلس الأمن، لوقف تسليم شحنات الأمم المتحدة عبر الأردن والعراق، وكذلك إحدى نقطتي الحدود التركيتين. وبالتالي لم يبق اليوم سوى معبر باب الهوى الحدودي مع تركيا.
إلا أن روسيا تقدم حلا يرضيها ويدعم حليفها السوري، فهي تسعى إلى الضغط على المجتمع الدولي لجعل هذه المساعدات تمر عبر المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، وبالتالي يصبح هو المسؤول عن توزيعها للمناطق الخارجة عن سيطرته، أي إلى حوالي الأربعة مليون شخص في شمال غرب البلاد. لكن المنظمات الدولية تشكك بمدى أهلية النظام لتسلم هذه المساعدات، وتتخوف من أن يستخدمها لدعم موارده الخاصة (وفقا لما أثبتته تحقيقات سابقة) وأيضا كورقة ابتزاز جديدة ضد المهجّرين.
منظمة “الدفاع المدني السوري” نددت بما وصفته “الابتزاز الروسي” في ملف المساعدات الإنسانية. وقالت المنظمة، في بيان، إن “ابتزاز روسيا يزداد بالتزامن مع انتهاء تفويض دخول المساعدات، وربط استمرار المساعدات مقابل تنازلات هدفها دعم النظام السوري ومحاولة تعويمه سياسياً، وتوفير غطاء أممي لاستخدام أموال الدول المانحة في إعادة إعمار مؤسسات النظام وسجونه، وزيادة إثراء شبكة الفساد وأمراء الحرب، تحت بند حزم التعافي المبكر، في تحايل واضح على العقوبات الدولية وشروط إعادة الإعمار”.
نائب منسق الأمم المتحدة الإقليمي للشؤون الإنسانية في سورية، مارك كتس، ذكر في تصريحات صحافية، يوم الثلاثاء الماضي، أن مسألة تمديد آلية إدخال المساعدات “باتت أكثر تسييساً هذا العام من السنوات السابقة، في ظل التوترات الشديدة للغاية في حرب أوكرانيا”.
مخاوف من الشتاء القادم
لجنة الإنقاذ الدولية أبدت تخوفها مما سيحصل بعد ستة أشهر، إذ إن الاتفاق الذي توصل إليه مجلس الأمن سيتيح فتح الممرات الإنسانية حتى شهر كانون الثاني/يناير، أي مع اشتداد فصل الشتاء. ولطالما عملت اللجنة الدولية في فصول الشتاء الماضية على دعم العائلات في “درجات الحرارة المنخفضة والفيضانات المفاجئة وفقدان الدخل الموسمي”. ولذلك فإن الشتاء القادم سيكون بالقسوة نفسها على مخيمات النازحين، ما يهدد وصول السوريين إلى مساعدات سيكونون بأمس الحاجة لها، مثل الطعام والمأوى ووسائل التدفئة.
وأضاف المتحدث الرسمي باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق المساعدات الإنسانية (اوتشا)، جينس لارك لمهاجرنيوز إن وقف توصيل المساعدات سيهدد حياة الأشخاص للخطر “وسيكلف أرواح”، مبررا ذلك بأن “الكثير من الناس سيحرمون من الطعام والمأوى والرعاية الصحية واللقاحات والحماية، بما في ذلك من العنف القائم على النوع الاجتماعي”.
وشدد على أنه “لا شيء يجب أن يتفوق على الحاجة إلى الإغاثة الإنسانية غير المتحيزة والحيادية والمستقلة للمدنيين. لا ينبغي أن يتعلق الأمر بالسياسة والدبلوماسية، بل يجب أن يتعلق بحقوق الناس واحتياجاتهم”.
*أنشئت آلية الأمم المتحدة لإيصال المساعدات عبر الحدود بموجب القرار 2165 (عام 2014) لتتمكن الأمم المتحدة وشركاؤها المنفذون من تقديم المساعدات، من دون ترخيص من الحكومة السورية. ومنذ ذلك الحين، تقدم الأمم المتحدة وشركاؤها المنفذون إلى جانب منظمات إنسانية أخرى المساعدات والخدمات مثل الغذاء والماء وشروط النظافة والصرف الصحي والصحة والتعليم والحماية للأشخاص الذين يعيشون في شمال غرب سوريا بمن فيهم النازحون داخليا، عبر الحدود من تركيا إلى شمال غرب سوريا.
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook