عوامات النيل تختفي من كورنيش القاهرة
نشرت في: 08/07/2022 – 17:51آخر تحديث: 11/07/2022 – 12:42
في 26 حزيران/يونيو الماضي، أعلنت السلطات المصرية إزالة المنازل العائمة على طول نهر النيل بمنطقة إمبابة في العاصمة القاهرة. ومنذ ذلك القرار، اضطر السكان لمغادرة بيوتهم وتم هدم العوامات أو نقلها إلى مخازن حكومية. ويأسف مراقبونا لاختفاء هذا التراث الثقافي من العاصمة المصرية.
تم إخلاء العوامات في العاصمة المصرية القاهرة واحدة تلو الآخرى من سكانها وأثاثها. ومنذ 26 حزيران/يونيو، تعرضت هذه المنازل العائمة الشهيرة في العاصمة المصرية للتدمير أو النقل من على نهر النيل. وبين حيي الكيت كات والعجوزة، تمت إزالة أو تدمير جزئي لـ25 من أصل 32 منزلا عائما على ضفاف نهر النيل. وتم نقل بعض من هذه المنازل التي بنيت من الخشب إلى مستودعات تعود لوزارة الري والتصرف في المياه المصرية.
عوامة تم نقلها من مكانها في 4 تموز/يوليو من منطقة إمبابه في القاهرة.
وعلى وسائل التواصل الاجتماعي، نشر سكان هذه المنازل العائمة السابقون، التي يتمتع كثير منهم بملكيتها منذ عشرات السنين، قصص حياتهم في هذه البيوت العائمة أو نشروا آخر الصور لها قبل أن يحضروا بحزن لحظة اختفائها.
يتأسف هذا الفنان التشكيلي المصري في منشور بتاريخ 29 حزيران/يونيو قائلا: “إنهم يدمرون العوامات، إنهم يهدمون التاريخ، إنهم اعداء الجمال”.
ومنذ إعلان السلطات عن قرار هدم هذه المعالم التاريخية في القاهرة، أعدت وسائل إعلام محلية ودولية تقارير عن بعض سكان هذه العوامات. “مدام إخلاص” حلمي، 88 عاما، هي إحدى السيدات من سكان القاهرة التي عاشت كل حياتها في عوامة على ضفاف نهر النيل.
الكاتبة المصرية أهداف سويف، التي اختارت منذ عشرات السنين العيش بعيدا عن البنايات الشاقة وغوغاء المدينة في العاصمة المصرية ذات الواحد وعشرين مليون ساكن، شاهدت منزلها العائم يختفي من أمام أعينها في 4 تموز/يوليو الجاري.
They have taken our home. pic.twitter.com/o1fEJdKwzd
— Omar Robert Hamilton (@ORHamilton) July 4, 2022
في 4 تموز/يوليو 2022، وثق ابن الكاتبة أهداف سويف علمية هدم وتفكيك المنازل العاصمة في 86 شارع النيل قرب نفق العجوزة في القاهرة حيث تم إخراج أهداف سويف هي الأخرى من عوامتها.
وكانت الوزارة المصرية قد أعلنت في 26 حزيران/يونيو الماضي رغبتها بـ”تفريغ” ضفاف النيال في قلب مدينة القاهرة متعللة بأسباب صحية وأمنية. وحسب رئيس الإدارة المركزية لحماية نهر النيل، لم يكن سكان هذه العائمة قد دفعوا ثمن ترخيص وجود هذه البيوت على نهر النيل، كما أكد أن العوامات لا تحترم شروط الأمن والسلامة للبناء. وبالنسبة إليه، أصبح إذا من المستحيل تجديد تراخيصهم السكنية. ويقول المسؤول المصري أيضا إن الصرف الصحي لهذه البيوت العائمة يرمى مباشرة في نهر النيل.
“تقطع قلبي لما هدموا رصيفي وحديقتي”
من جهتهم، تنظم سكان هذه البيوت بالعاصمة في رابطة أصحاب العوامات. فيما تقول الكاتب المصرية أهداف سويف في اتصال مع فريق تحرير مراقبون ما يلي:
لقد بقيت في عوامتي حتى آخر لحظة ورأيتها تجرّ فوق الماء بعيدا عني، لقد حضرت عملية تدمير رصيفي وحديقتي. تقطع قلبي على بيوتنا وحدائقنا التي كنا نحافظ عليها منذ عشرات السنين.
نحن (السكان) كنا في الحقيقة ندفع ثمن التراخيص والضرائب المتعلقة ببيوتنا بما فيها ترخيص المنزل العائم وترخيص ثان لجزء من الرصيف كنا نستأجره من الحكومة وترخيص آخر يتعلق بالحق في السكن داخلها.
عائلة الكاتبة أهداف سويف تودع العوامة العائلية في 4 تموز/يوليو 2022.
“الأدب والسينما المصريان خلدا هذا العوامات في التاريخ”
وحسب أهداف سويف، في سنة 2016، لاحظ سكان هذه المنازل العائمة زيادة مفاجئة في الضرائب على هذه البيوت بعد تعديل وزارة الموارد المائية والري المصرية طريقة احتساب دفوعات ترخيص المنزل العائم المستوجبة على سكانها. وفي سنة 2018، زادت تكاليف هذه المنازل بتعلة “التأخر في السداد”.
وبعد عامين أي في سنة 2020، وجد السكان أنفسهم بالرغم عنهم في وضع غير قانوني، لأن السلطات رفضت تجديد رخصهم السكنية قبل أن تعدهم بنسخة محدثة تسمح لهم بتسوية وضعياتهم. ولكن ذلك لم يحدث أبدا.
After 4 years of conflicting messages from different authorities, the only communication coming in escalating fees & fines, we now understand what they want. Not because they told us, but because they said it on TV: no more residents, only commercial.
So: what are our options? pic.twitter.com/o4cHnO8U4J
— Omar Robert Hamilton (@ORHamilton) July 2, 2022
ومنذ ذلك الحين تواصل الصراع بينهم وبين السلطات، إذ تضيف أهداف سويف:
هذا الضغط الإداري قاسيناه لمدة سنتين، من خلال إنذارات وتهديد و”زيارات” مستمرة للقوات المسلحة.
عوامتي تمثل كل حياتي وكل بيتي. لقد حاول معظم سكان هذه المنازل إيجاد حل واستئجار بيت في مكان آخر. ولكن باسثتناء مدام إخلاص حلمي، لم يتحصل أي واحد منا على تعويض مالي.
كان يمكن أن نصل إلى تفاهم ودي إذا ما قبلت الوزارة الحوار مع أصحاب العوامات، أي على سبيل المثال تنظيم “يوم مفتوح” ودعوة زوار كرنيش القاهرة لدخول هذه البيوت وجعلهم يطلعون على تاريخ هذه العوامات.
إن هذه البيوت العائمة تمثل جزءا من تاريخ بلادنا، فقد خلدت الأعمال الأدبية والسينمائية هذه المنازل. وقد كانت على مر التاريخ مرتبطة بالفنانين، فريد الأطرش ومنيرة المهدية عاشا نفساهما في عوامات. هذه العوامة تمثل مخزونا حضاريا لا يوجد في أي مكان آخر، لكن حكومتنا قررت تدمير هذه التراث وحذفه من التاريخ.
واقترحت الحكومة المصرية حلا على السكان: وهو تحول بيوتهم السكنية إلى محال تجارية مع ترخيص أغلى بكثير من الترخيص السكني. إذ أكدت وزارة الري والمياه المصرية أنه سيتم نقل العوامات السكنية فقط من مكانها.
ولكن أحد أصحاب العوامات تواصل معه فريق تحرير مراقبون هو محمد عوض قد خسر عوامته التجارية في 28 حزيران/يونيو. ويؤكد عوض أنه كان يملك كل التراخيص السياحية والتجارية لمزاولة نشاطه إذ يقول:
حصلنا على إشعار بتنفيذ هدم العوامة عشية تنفيذه تقريبا. لم يتم هدم أي عوامة سياحية باستثناء عوامتي “سندريلا”. هذا الصيف، سأخسر كامل مداخيل الموسم السياحي. توجهت إلى كل الإدارات المعنية لحل الإشكال ولكن كل واحدة منها كانت ترسلني إلى أخرى بدون جدوى.
{{ scope.counterText }}
© {{ scope.credits }}
{{ scope.counterText }}
” في مصر يأتي التراث الثقافي في المرتبة الثانية بعد الاستثمارات التجارية”
أحمد البنداري مؤرخ ومصور فوتوغرافي للهندسة الحديثة في مصر. ويعبر عن أسفه وحنقه بسبب هدم آخر العوامات على ضفاف النيل فيقول:
لم يتم تصنيف هذه المنازل العائمة أبدا كتراث ثقافي لكن ذلك لا يمنع أنها تعد جزءا من تراث القاهرة خصوصا في وسط المدينة القديم على غرار المقاهي الراقصة والمباني القديمة في بداية القرن العشرين.
بين عشرينيات وأربعينيات القرن الماضي، كان معظم هذه العوامات موجودا في حي الزمالك الراقي ومن ثم تخلت عنها الطبقة البورجوازية لتذهب للسكن في فيلات فاخرة. وتم استخدام هذه المنازل العائمة فيما بعد من قبل الطبقة المتوسطة وقامت السلطات بنقلها إلى حي الكيت كات في منطقة إمبابة. وفي نهاية ثمانينيات القرن العشرين، قام فنانون ومفكرون بترميم العوامات وتحديثها ومنذ ذلك الوقت تنقلت إليها عدة عائلات وجعلت منها مسكنا لها.
لقد تم هدم كثير من هذا المعالم بنفس الطريقة في الماضي، وبالتحديد في مثلث ماسبيرو وشارع 26 يوليو [فريق التحرير: حي تاريخي وسط مدينة القاهرة مطل على النيل] الذي تم مسحه بالكامل في سنة 2018 لإفساح المجال لمشاريع سكنية على الرغم من مقاومة شديدة من سكانه. في سنة 2020، تعرضت “القرافة” [فريق التحرير: أكبر مقبرة قديمة في الشرق الأوسط وتقع في القاهرة وصنفتها منظمة اليونسكو ضمن التراث الثقافي العالمي] لمعاملة مماثلة إذ خططت السلطات لتشييد طريق سريع كبير يعبر وسط المقبرة لتسهيل حركة المرور.
بالنسبة إلى السلطات، يأتي التراث الثقافي في المرتبة الثانية بعد الاستثمارات التجارية والعقارية في المناطق “الاستراتيجية” على ضفاف نهر النيل، هذه المنازل العائمة يمكن أن يتم استثناؤها ولم يكن من الضروري نقلها أو حتى هدمها بهذه الطريقة.
وتأمل السلطات من جهتها في تحويل ضفاف النيل الغربية والشرقية وسط القاهرة إلى كورنيش سياحي كبير يضم مماشي للفسحة ومحالا تجارية ومقاهي ومطاعم. وتم بالفعل تنفيذ الجزء الأول من هذا المشروع على الضفة الشرقية للنهر قرب جسر قصر النيل.
مصدر الخبر
للمزيد Facebook