آخر الأخبارأخبار محلية

بين جنبلاط و “الوطني الحر”.. هل بدأت “التسوية”؟

بين الإنتخابات النيابيّة وانتخابات رئاسة الجمهوريّة، شاءَ رئيس الحزب “التقدّمي الإشتراكي” وليد جنبلاط إعطاء هامشٍ جديدٍ من “النقاش” مع “التيار الوطني الحر”، على الرّغم من المعركة الشرسة التي خاضها الطرفان خلال الإنتخابات البرلمانية في أيار الماضي.

 

في تلكَ الفترة، كان جنبلاطُ متمسكاً بحربِه الانتخابيّة على قاعدة تحصين نفسِه سياسياً، لكنّه لم يرتضِ فتح حوارٍ مُباشر مع “الوطني الحر” مهما كانت الأسباب. إضافة إلى ذلك، لم يضع جنبلاط نفسه في موقع “المواجهة” مع التيّار فحسب، بل وسّع حربه لتشمل حلفاء الأخير الأساسيين في الجبل، مثل الوزيرين السابقين وئام وهاب وطلال أرسلان، فتمكّن عبر استحقاق الانتخابات من إقصاء الأخيرين من المشهدية السياسية والنيابيّة، وأرسى توزانات جديدة لنفسه أقله على السّاحة الدرزية.


مع هذه المشهديّة التي برزت بقوّة، برزَت الزيارة التي قام بها عضو تكتل “لبنان القوي” النائب غسان عطالله إلى جنبلاط قبل أيام، في خطوةٍ حملت الكثير من الدلالات، سواء على الصعيد السياسي الحالي او على صعيد الاستحقاقات القادمة، وفي طليعتها انتخابات رئاسة الجمهوريّة.

 

ورغم أن الحزب “الإشتراكي” و عطالله رفضا الإفصاح عن المضمون الكامل لتلك الزيارة، إلا أنّها فتحت الباب أمام مسألتين أساسيتين: مستقبل علاقة جنبلاط مع “الوطني الحر” و علاقته بحلفائه الذين يعتبرون “التيار” خصماً أساسياً لهم.

 

فعلياً، لم يكن هذا التواصلُ بين جنبلاط و”الوطني الحر” هو الأول من نوعه في ظلّ “الصراع” السياسي المتنامي بين الجبهتين. فبعد الانتخابات النيابية عام 2018، فتح “الإشتراكي” باب التواصل مع “الوطني الحر” على قاعدة تحصين الجبل، وقد تكرّر ذلك مراراً خلال السنوات الـ3 الأخيرة عبر عقد اجتماعاتٍ عديدة بين الطرفين. كذلك، كانت جولات الاتصالات بين الحزبين قائمة بكثافة أواخر العام الماضي، إذ كانت هناك مساعٍ لإمكانية تقريبِ وجهات النظر السياسية بغية تكوين تحالف سياسي وانتخابي عريض. حينها، لم يكن “الإشتراكي” على تحالفٍ مُعلن مع “القوات اللبنانية”، لكن الأزمة التي تفجّرت مع دول الخليج إبان تصريحات وزير الإعلام السابق جورج قرداحي بشأن اليمن، كانت محطة أساسية يُمكن البناء عليها لمقاربة المسار الجنبلاطي بشأن التحالفات الإنتخابية، وقد كان إعلان التقارب النهائي مع “القوات اللبنانية” بعد ذلك أكبر دلالة على أنّ التقارب الذي كان مدروساً مع “التيار”، قد جرى تأجيله.


بعد مرور الانتخابات بسلام، وجد جنبلاط نفسَه أمام دورٍ يحتاجُ لـ”برغماتية” أكثر، فلم يُمانع التواصل مع “الوطني الحر” باعتبار أن هذا الأمر ليس خطيئة، في حين أن هذه الخطوة مطلوبة لتمكين الوضع السياسي في الجبل في ظلّ الأوضاع القائمة. إلا أنه في المقابل، فإن جنبلاط بتواصله مع “الوطني الحر” عبر عطالله، لم يفتح الباب أمام أيّ تسويات، وتقول مصادر مقرّبة من “الإشتراكي” إن جنبلاط كان واضحاً تماماً في علاقته مع “التيار” في حين أن مواقفه ما زالت ثابتة وواضحة بشأن مختلف الملفات المرتبطة بالأخير.


كذلك، تلفت المصادر إلى أن “التواصل مع التيار لا يعني قبولاً بنهجه ومساره، إلا أن وضع الجبل يستوجب تواصلاً بين مختلف الأطراف مهما كانت الاختلافات”، وتضيف: “اجتماع عطالله مع جنبلاط ليس إلا مُقدمة لنقاشٍ ينحصرُ في إطارٍ مناطقي أكثر من تجاوزه النطاق السياسي العام، في حين أن منطقة المختارة هي التي تجمع الطرفين باعتبار أنهما منها، وبالتالي التعاون يجب أن يكون قائماً بين الأطراف الناشطة هناك”.

 

إنطلاقاً من ذلك، لا يُمكن التعويل كثيراً على التواصل بين “التيار” وجنبلاط خصوصاً عندما يتم الحديث عن انتخابات لرئاسة الجمهوريّة بعد 3 أشهر من الآن. فمن جهة، قبول جنبلاط بطروحات “الوطني الحر” يعدّ بمثابة “انتحار سياسي وانتخابي”، في حين أنّ الذي لم يقبل بميشال عون رئيساً للجمهورية، لا يمكنه القبول بجبران باسيل للوصول إلى نفس الموقع.

 

في المقابل، لم يكُن تواصل جنبلاط مع “التيار” بمثابة ضربٍ لعلاقته بالقوات اللبنانية على الرغم من محاولات الطرفين “الإقتراب” أكثر في الطروحات بعد الانتخابات النيابيّة. فبالنسبة لجنبلاط، “القوات” هي حليفٌ انتخابي فحسب، وهناك تلاقٍ بطروحات مرتبطة بالسيادة، في حين أن الالتقاء كبيرٌ بشأن مواجهة “الوطني الحر”. هنا، يُمكن أن يتحقق التشابك السياسي، لكن اقتراب جنبلاط من “الوطني الحر” في هذه المرحلة قد يثيرُ شكوكاً لدى “القوات”، كما أنه قد يُرسي نوعاً من البلبلة بشأن تسوياتٍ تلوح في الأفق.


الأمر هذا دفع ببعض الأوساط السياسية المُراقبة لطرح تساؤلات عن موقف “القوات” الواضح بشأن حراك جنبلاط. أما الأمر الأهم والأكثر إثارة هو أن موقف الأخير بشأن “مسيّرات حزب الله” التي أطلقت باتجاه حقل كاريش المتنازع عليه بين لبنان والعدو الإسرائيلي لم يكن صدامياً.


كل هذه المعطيات استدعت وقوفاً من أوساط سياسية مقربة من “القوات” عند المساعي الجنبلاطية، إذ جرى اعتبار أن الأخير يتحرّك بناء لرؤية سياسية بعيدة عن الصدامية في هذه المرحلة، وما ينكشف بشكل واضح هو أن جنبلاط أراد إرساء “هُدنة” في الوضع الراهن، وتأجيل جولات المواجهة السياسية إلى ما بعد انتهاء عهد الرئيس عون في تشرين الأول المقبل.


مع كل ذلك، فإنّ ما بدأه جنبلاط بتواصله مع “الوطني الحر” قد يكون يُستكمل بلقاءات أخرى تشمل شخصيات أخرى، وهذا الأمر لا تستبعده مصادر سياسية متابعة على تماسٍ بـ”الإشتراكي” و “الوطني الحر” من جهة أخرى. أضف إلى ذلك، فإن فتح جنبلاط خطوط تواصل مع “الوطني الحر” لا يمنعُ في المقابل إعادة فتح تواصل بين جنبلاط و”حزب الله”، باعتبار أن مصلحة الجبل تقتضي ذلك.


إذاً، ما يتبين بشكل واضح هو أنّ جنبلاط قرر إعادة وصل ما انقطع مع الأطراف الأخرى، وما يظهر تماماً أن “مبادرة” جنبلاط باتجاه “الوطني الحر” لم يلغها الإستحقاق الانتخابي، في حين أنّ حلفاءه لا يجدون في ذلك “انقلاباً” عليهم. لكن التساؤلات التي تُطرح هنا هي التالية: هل يمكن للإنفتاح الجنبلاطي أن يتطوّر أكثر ويجعله منخرطاً أكثر في تسوية كبرى وشاملة على ملف رئاسة الجمهورية؟ هل يسعى “الوطني الحر” عبر التقرب من جنبلاط، لجعل الأخير أكثر قبولاً بخيار باسيل رئيساً من خلال تقديم تنازلاتٍ هنا ووعود من هناك؟


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى