“كانوا يتقصدون قتل الناس… لن يتوقفوا عن الضرب قبل أن يفقد المهاجر وعيه”
عقب الأحداث الدامية التي شهدها السياج الفاصل بين المغرب وجيب مليلية الإسباني يوم الجمعة، مهاجر نيوز تواصل مع أحد الأشخاص الذين تمكنوا من العبور، حيث روى جزءا من مشاهداته للمواجهات وتحدث عن تجربة إقامته في المغرب.
شهدت المنطقة الحدودية الفاصلة بين المغرب وجيب مليلية الإسباني يوم الجمعة الماضي محاولة عبور جديدة لمهاجرين، سعوا لتسلق السياج المعدني للوصول إلى المنطقة الأوروبية.
المحاولة نفسها، الأضخم منذ أكثر من عام بقليل، شابها أعمال عنف غير مسبوقة، حيث وقع الكثير من المهاجرين جرحى خلال محاولة قوات الأمن المغربية منعهم من عبور الحدود. الأحداث الدرامية في تلك المنطقة تطورت بشكل مأساوي بعد أن بدأت الأخبار حول سقوط قتلى في صفوف المهاجرين بالتوارد.
للمزيد>>> أكثر من 2000 مهاجر حاولوا عبور السياج الفاصل بين مليلية والمغرب
مهاجر نيوز كان قد تواصل مع مهاجرين متواجدين على الجانب الإسباني، الذين أفادوا حينها بمشاهدتهم للطريقة العنيفة التي كان الأمن المغربي والإسباني، يتعاملان بها مع المهاجرين. الشهود تحدثوا عن سماعهم لإطلاق نار على الجهة المغربية، كما تحدثوا عن قيام عناصر من الأمن المغربي برمي العصي والحجارة على المهاجرين.
منظمات إنسانية وحقوقية عدة دانت تلك الأحداث. الجمعية المغربية لحقوق الإنسان دعت لتحقيق سريع وشفاف بتلك الأحداث، معربة عن تضامنها مع الضحايا الذين سقطوا خلالها.
سيّد*، مهاجر سوداني يبلغ من العمر 30 عاما، كان حاضرا خلال تلك المواجهات وكان من القلة التي تمكنت من عبور السياج. سيّد تواصل مع مهاجر نيوز ليدلي بشهادته حول ما حصل، مؤكدا أن قرار عبور السياج كان “حصرا بيد المهاجرين. ما من مهربين أو مافيات أو عصابات ساعدتنا أو حرضتنا على ذلك”.
“الأحداث بدأت مساء الخميس”
الأحداث، وفقا للمهاجر الثلاثيني، كانت “دامية وقاسية وتتعدى كل خيال. لم نكن لنتوقع أن تقوم قوات معنية بحفظ الأمن والاستقرار بتلك الممارسات غير الإنساني، كنت أراهم كيف يلاحقون المهاجرين خلفي، الطريقة التي كانوا يتعاملون بها معهم، العنف الذي لا يوصف. أعتقد أنهم كانوا يستقصدون قتل الناس، وإلا ما الذي يعنيه أن يقوم أحد (عناصر من الأمن المغربي) بضرب شخص آخر (المهاجرين) بحجر كبير على رأسه، بشكل مباشر ودون أي رحمة”.
سيّد تحدث عن سلسلة من الأحداث سبقت تلك المواجهات، بدأت مساء الخميس “مع تجمع عدد منا قبالة السياج. جاءت الشرطة المغربية، وقعت بعض المناوشات انتهت بحضور الدرك الملكي الذين أمرونا بمغادرة المنطقة. في طريق عودتنا للجبل (غابة غورغو)، استقر رأي الأغلبية، يضاف إليهم أعداد كبيرة لاقتنا في منتصف الطريق، على العودة للمحاولة مجددا”.
يستطرد الشاب أثناء حديثه ويعود للظروف المعيشية السيئة للغاية التي كان وغيره من المهاجرين مضطرين للقبول بها في المغرب، يقول “غادرت بلادي في 2021، عبرت إلى ليبيا حيث أمضيت بضعة أشهر لأصل لاحقا إلى المغرب. منذ وصولي وأنا أسكن الجبل. لا يمكن لأحد أن يتصور الحياة هناك، نبيت بالعراء صيفا شتاء على أرض مائلة، لا طعام ولا مياه ولا حتى مرافق للاغتسال. كل هذا يضاف إلى الخوف والرعب من دوريات الشرطة المغربية التي تتربص بنا من الأسفل. الحياة هناك غير محتملة، لا إنسانية، ما يمثل سببا أساسيا يدفعنا للهرب إلى أوروبا”.
“بعد السقوط ينهالون علينا بالضرب…”
بالعودة للأحداث التي وقعت الجمعة، أسهب سيّد بشرح الوسائل التي اعتمدتها قوات الأمن المغربية لقمع المهاجرين ومنعهم من العبور. “فجر الجمعة وصلنا إلى السياج، طبعا كانت قوات الأمن هناك. بدأنا محاولتنا العبور كالمعتاد، لكن رد الفعل العنيف الذي واجهناه كان صادما. بعضنا حاول الدفاع عن نفسه بما تيسّر، لكن بمواجهة رجال أمن يهاجمون باستخدام الحجارة والعصي والغاز المسيل للدموع والرصاص المطاطي، فضلا عن الإهانات والسباب والشتائم، تشعر وكأنك في خضم عاصفة بحرية على قارب بدون محرك، سلمت نفسك لعنف الأمواج آملا بأن لا تلفظ أنفاسك الأخيرة قبل رؤية اليابسة”.
ويضيف “كانوا يدفعون الناس عن السياج، غير آبهين بالجروح أو الكسور التي قد تصيب من يقع. بعد السقوط ينهالون علينا بالضرب. لن يتوقفوا قبل أن يتحول جسد المهاجر المضروب إلى قطعة عجين ميتة، ينتقلون بعدها لآخر. في خضم فورة العنف تلك، الأغلبية العظمى من المهاجرين أصيبوا، أنا أصبت بكسر في يدي، لكني تمكنت من العبور والدموع تغرق عيناي وأنا أفكر بمن خلفي ومصيرهم”.
تلقى سيّد العلاج في مليلية لحظة وصوله، كما خضع والآخرين لفحوص كورونا ويخضعون حاليا للحجر الصحي، “أنا الآن مرتاح نسبيا، فبعد أكثر من عام من المبيت في العراء نمت تحت سقف وأتيحت لي فرصة الاغتسال براحتي. لكن في المقابل الحزن يعتصرني قلقا على مصير أصدقاء لي بقوا في المغرب. بعضهم تمكن من العودة للجبل وتواصلت معهم، محبطون للغاية وباتوا أكثر من قلقين. آخرون علمنا أنه تم نقلهم للحدود الموريتانية. ما من شيء مريح للمهاجرين في المغرب، حياتنا هناك كانت عبارة عن ترقب وانتظار وقلق، من الصباح حتى المساء”.
“عبور السياج يتم بقرار من المهاجرين”
أما حول تصريحات رئيس الوزراء الإسباني بيدرو سانشيز حول مسؤولية عصابات تهريب البشر عن تلك الأحداث، قال سيّد “عادة من يسكنون الجبل يقررون فيما بينهم آلية وزمن العبور. استمعت لكلام رئيس الوزراء الإسباني حول المافيات وعصابات التهريب، بصراحة استغربت كثيرا أن يطلق مسؤول أوروبي بهذا الحجم مثل تلك التصريحات. الجميع يعرف ظروفنا، نحن الذين نسكن في الجبل، في الغالب لا نملك المال لشراء الطعام، من أين لنا أن ندفع للمهربين؟ هذا الكلام غير صحيح، عمليات عبور السياج تتم بقرار من المهاجرين أنفسهم”.
وختم قائلا “لا عيب في أن يكون المرء مهاجرا، جميعنا مهاجرون، معظم البشرية تأتي من أصول مهاجرة، حتى أن المواثيق والاتفاقات الدولية كفلت لنا ذلك الحق، لماذا يريدون حرماننا منه؟ وإذا كانوا لا يريدوننا أن نهاجر، فليوفروا لنا الظروف الإنسانية والاقتصادية والاجتماعية والسياسية للبقاء حيث نحن، في بلادنا أو في المغرب لا فرق، ولكن بالظروف التي مررنا بها لا مجال للبقاء هناك”.
*اسم مستعار
//platform.twitter.com/widgets.js
مصدر الخبر
للمزيد Facebook