آخر الأخبارأخبار دولية

مآسي الهجرة وهموم اليوميات والقلق من المستقبل.. مهاجر سوداني يحاول الانتحار في مليلية

بعد قضية الاعتداء على المهاجر السوداني نهاية الشهر الماضي، أقدم مهاجر سوداني آخر في مركز سيتي لاستقبال المهاجرين في جيب مليلية الإسباني شمال المغرب على محاولة الانتحار. المهاجر حاول شنق نفسه في غرفته، قبل أن يتدخل زملاؤه لإنقاذه وإرساله للمستشفى حيث حالته مستقرة حاليا. المهاجرون هناك وصفوا حياة يومية مزرية للغاية، من انعدام النظافة إلى الحشرات إلى الطعام السيء، والجديد في ذلك انتشار وباء جلدي في أوساطهم يخشون أن يكون جدري القردة.

محاولة انتحار جديدة سجلت مساء أمس الثلاثاء 14 حزيران/يونيو في مركز سيتي لاستقبال المهاجرين في جيب مليلية الإسباني.

المحاولة التي قام بها مهاجر سوداني في العشرينات من عمره، قال رفاقه إنها جاءت بعد أن تعرض للكثير من الضغوط النفسية التي ما عاد يتحملها. حسب وصفهم، وصل الشاب في الثالث من شهر آذار/مارس الماضي إلى مليلية من المغرب، كان وضعه الصحي والنفسي طبيعيا للغاية. لكن الأمور بدأت بالتغير بعد شهر رمضان.

للمزيد>>> العلاقات الجزائرية الإسبانية ومصير “الحراقة” وسط الخلافات السياسية

تحدث المهاجرون السودانيون المقيمين في نفس المركز عن مشاكل الإقامة وعدم قدرتهم على الوصول للمعلومات المتعلقة بطلبات لجوئهم، فضلا عن الظروف المعيشية السيئة داخل المركز والمعاملة غير الإنسانية التي يلقونها من الحراس.

خوف من الشرطة المغربية

كما ذكّروا بظروف الهجرة القاسية التي مروا بها انطلاقا من السودان إلى المغرب إلى مليلية. ففي المغرب، كان التشرد مصيرهم، أحدهم ويدعى عبد الرحمن، قال إن القمل كان يغزو أجسادهم لعدم قدرتهم على الوصول لأماكن محددة للاغتسال. كما أنهم كانوا هناك يعيشون بخوف دائم من الشرطة، يتنقلون بين الشوارع والمدن تلافيا لأن يتم إلقاء القبض عليهم. ويضيف أن من يقع في قبضة الشرطة المغربية، يتم ترحيله إلى مناطق بعيدة جدا عن الحدود، حيث عليه خوض المعاناة نفسها من جديد للعودة إلى الحدود.

بالنسبة للمهاجرين في مركز سيتي، فإن الخدمات المفترض أن المركز مزود بها غير كافية، فضلا عن أن معظم محتويات الغرف تحتاج للصيانة. الحقوق محفوظة

إضافة إلى ذلك، هناك فرصة كبيرة أن يتم رميهم على الحدود مع الجزائر، حيث المعاملة ليست أفضل بكثير، وغالبا ما يضطرون للاختباء بعيدا عن أعين الشرطة، كي لا يتم نقلهم إلى الحدود مع النيجر مثلا، حيث يطلب منهم مغادرة البلاد.

للمزيد>>> عنف وعمليات طرد جماعية من ليبيا والجزائر إلى صحراء النيجر.. ألفي مهاجر شهريا

ما سبق كان جزءا من الهم اليومي الذي كان على هؤلاء المهاجرين، ومن ضمنهم الشاب الذي حاول الانتحار، مواجهته بشكل يومي.

بعد عبوره في الثالث من من آذار/مارس إلى مليلية، اعتقد أن الأمور ستتحول لصالحه الآن، لكن هذا ما لم يحصل.

تدهور ملحوظ

حسب أصدقائه، ساءت حالته النفسية جدا بعد شهر رمضان، وبدأ بالتدخين بكثرة. لم يكن يملك المال، كان يطلب من أصدقائه تزويده بالسجائر.

حالته النفسية استمرت بالتدهور، لم يعد يقوى على تحمل الانتظار في المركز. كان يتوجه يوميا للإدارة يرجوهم أن يعطوه ورقة الخروج ليتمكن من إكمال طريقه إلى البر الإسباني ومن هناك إلى أوروبا. اقتنع الشاب بضرورة أن يراجع طبيبا نفسيا، طلب من إدارة المركز توفير لقاء بطبيب متخصص. بعد الجلسة الأولى، وصف له الطبيب مجموعة من الأدوية المهدئة للأعصاب، وهنا دخل الشاب في مرحلة متطورة من الإحباط.

بات حديثه نادرا، حسب أصدقائه، وما عاد يحتك بالناس كثيرا. أمس الثلاثاء، قبل محاولته الانتحار، كان قد جلس مع ممثل مفوضية اللاجئين ومع إحدى الجمعيات التي تزور المركز. حدثهم عن وضعه ومشاعره. غادر الغرفة إلى الساحة ومنها عاد إلى غرفته. لم يحضر إلى طابور الطعام للحصول على العشاء، بدلا من ذلك، توجه لغرفته وأوصد الباب جيدا، كما أوصد الشباك. بواسطة حبل صغير لفه على جانب السرير الأعلى في الغرفة، ولف الطرف الآخر على رقبته وقفز.

تحتوي الغرف في مركز سيتي على أسرّة معدنية، يشكو المهاجرون من أنها مهترئة وغير صالحة للاستخدام. الحقوق المحفوظة
تحتوي الغرف في مركز سيتي على أسرّة معدنية، يشكو المهاجرون من أنها مهترئة وغير صالحة للاستخدام. الحقوق المحفوظة

أحد المهاجرين الأفارقة شهد على الحادث، ركض وأخبر مهاجرين سودانيين آخرين، تمكنوا من اقتحام الغرفة وفكه عن الحبل قبل فوات الأوان، لكنه كان فاقدا للوعي. مرت لحظات، تم إبلاغ الإدارة، ثم حضرت مجموعة من المركز الطبي في سيتي، أعطوه الإسعافات الأولية قبل أن ينقل إلى أحد مستشفيات المنطقة، حيث وضعه مستقر الآن.

المهاجرون تحدثوا عن الكثير من التفاصيل اليومية التي يمرون بها في سيتي، لكن المشترك بين كل تلك التفاصيل كان إهمال إدارة المركز لمطالبهم وعدم حصولهم على المعلومات الخاصة بهم. كما أنهم تحدثوا عن الخوف وسوء المعاملة.

عنف وإساءة معاملة

فنهاية الشهر الماضي، كان مهاجر نيوز قد تابع قضية مهاجر سوداني أيضا تعرض للضرب “المبرح” على أيدي حراس مركز سيتي. المهاجر حينها اشتكى من سوء المعاملة والإهمال، وقام لاحقا برفع شكوى ضد الحراس الذين أوسعوه ضربا.

للمزيد>>> بعد ما عانوه على طريق الهجرة.. مهاجرون في مليلية يتحدثون عن معاملة عنيفة وبعضهم يفكر بالانتحار

تلك الحادثة تضاف إلى مشاعر الخوف لدى المهاجرين في المركز عموما، من الترحيل إلى المغرب. رفيق، أحد السودانيين في سيتي ممن تحدثوا مع مهاجر نيوز، أورد أن هناك إيحاءات دائمة من قبل المسؤولين هنا بإمكانية طردنا إلى المغرب. “طبعا هذا مستحيل ولا يمكن تطبيقه، لكن الغالبية العظمى هنا، وبسبب جهلها بحقوقها، لا تعرف ذلك وتعكس واقعها المعيشي الحالي على ما مرت به في بلادها أو على طريق الهجرة.

ويضيف المهاجر الثلاثيني “الشاب الذي حاول الانتحار وصل إلى طريق مسدود حول تصوره لحياته المستقبلية. أي شخص يأتي لزيارة المركز سيرى بعينه الحالة المزرية التي نعيش فيها. فالباطنيات متسخة تماما والسرائر مهترئة والفرش ممزقة، الحمامات في غاية السوء والحشرات هي المسيطر الفعلي على المكان”.

يشكو المهاجرون في مركز سيتي من انعدام النظافة وانتشار الحشرات، فضلا عن انتشار أوبئ جلدية في صفوفهم، يخشون أن تكون
يشكو المهاجرون في مركز سيتي من انعدام النظافة وانتشار الحشرات، فضلا عن انتشار أوبئ جلدية في صفوفهم، يخشون أن تكون “جدري القردة”. الحقوق محفوظة

مهاجرون آخرون تدخلوا في لحظة معينة وتحدثوا عن خوفهم على صحتهم الجسدية. أحدهم قال إن هناك حاليا تفش لمرض جلدي بين المهاجرين في المركز، يعتقد أنه داء “جدري القردة”، “وفقا لوصف منظمة الصحة العالمية، جميع المصابين هنا بهذا الداء يعانون من عوارضه. ما زاد من خوفنا هو قيام إدارة المركز بعزل بعضهم. هذا الموضوع يضاف إلى الإهمال الذي نتعرض له هنا، فحتى أسئلتنا عن ذلك المرض لا نجد من يجيبنا عليها هنا”.

ويختم رفيق قائلا “نحن المهاجرون بشر، لنا احتياجات ومشاعر وأحلام. عندما اخترنا الذهاب لأوروبا لم يكن بسبب الدعاية المبالغة على أنها جنة وما إلى شابه، بل لأنها أرض الحقوق والقانون. ما كنت أتوقع أن أعيش بهذه الظروف هنا، في أوروبا. ما كنت أتوقع في يوم أن تراودني الشكوك بشأن مؤسسات هذه القارة وقيمها، فوفقا لما أراه، نحن بالنسبة لهم وسائل لاستجلاب الأموال فقط لا غير. لو كان هذا غير صحيح ليثبتوا ذلك”.


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى