آخر الأخبارأخبار دولية

لماذا تصر بريطانيا على ترحيل مهاجرين إلى رواندا ضمن صفقة مع كيغالي رغم الانتقادات الكثيرة؟


نشرت في: 15/06/2022 – 16:35

يمكن لأي مهاجر وصل إلى بريطانيا عبر بحر المانش بطريقة غير شرعية أن يجد نفسه يوما ما في رواندا. إنها السياسة الجديدة للحكومة البريطانية المحافظة في معالجة قضية الهجرة غير الشرعية. وعلى إثر قرار للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، ألغيت مساء الثلاثاء في آخر لحظة رحلة كان من المقرر أن يغادر بموجبها سبعة أشخاص إلى هذا البلد الأفريقي. لكن تصر بريطانيا على المضي قدما في سياستها، ورغم الانتقادات الكثيرة التي تواجهها. فلماذا اختارت لندن هكذا سياسة متشددة تجاه ملف الهجرة؟ 

اختارت حكومة المحافظين البريطانية سياسة مثيرة للجدل في مواجهة تدفق المهاجرين إلى أراضيها عبر بحر المانش، بطردهم إلى رواندا في صفقة بين لندن وكيغالي، انتقدت بشدة من الأمم المتحدة ومعها المنظمات الحقوقية المدافعة عن المهاجرين. 

وارتفع عدد المهاجرين العابرين لبحر المانش باتجاه بريطانيا بشكل كبير منذ مطلع العام، حيث عبر أكثر من عشرة آلاف مهاجر القناة بشكل غير شرعي انطلاقا من الأراضي الفرنسية، مستخدمين زوارق صغيرة، وهو ما شكل موضوع خلاف متواصل بين لندن وباريس بعد البريكسيت. 

وألغيت مساء الثلاثاء أول رحلة جوية كان يفترض أن ترحل من بريطانيا إلى رواندا مهاجرين في إطار هذه الصفقة، بعد مراجعات قضائية جرت في اللحظات الأخيرة. وبهذا الشأن، قالت منظمة “كير فور كاليه” المتخصصة في الدفاع عن طالبي اللجوء، في تغريدة على تويتر، إن “آخر تذكرة طيران ألغيت. لا أحد سيغادر إلى رواندا”. 

ومن جابنها، ذكرت وكالة الأنباء البريطانية “بي إيه”، نقلا عن مصادر حكومية في لندن، الثلاثاء أن الرحلة الجوية ألغيت بسبب قرارات أصدرتها في اللحظات الأخيرة المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. لكن يبدو أن الحكومة البريطانية مصرة على المضي قدما في سياستها، حيث أكدت وزيرة الداخلية بريتي باتيل أنه “لن تثبط عزيمتنا عن فعل الشيء الصحيح وتنفيذ خططنا للسيطرة على حدود بلادنا”. 

مهاجرون من إيران والعراق وألبانيا وسوريا .. أمام “سابقة خطيرة”

قبل تدخل المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان على خط القضية، كانت الحكومة البريطانية حققت وطنيا مكسبا قضائيا في مواجهة الطعن الذي قدمته منظمات مدافعة عن المهاجرين ضد قرار ترحيلهم إلى رواندا بينها “كير فور كالي” و”ديثنسيون أكسيون”. 

وكانت الرحلة التي ألغيت في آخر لحظة شبه فارغة، حيث لم يتجاوز عدد الذين كانت الحكومة تستعد لترحيلهم السبعة أشخاص فقط، حسب ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية عن منظمة “كير فور كالي”، بعد إلغاء بطاقات سفر 24 شخص من أصل 31 بموجب عدة طعون. ويوجد ضمن هؤلاء المهاجرين إيرانيون وعراقيون وألبان وسوري، بحسب المنظمة. 

ويستهدف من هذه السياسة كل المهاجرين بمن فيهم القادمون من الشرق الأوسط. رولا أمين المتحدثة باسم المفوضية الأممية لشؤون اللاجئين في المنطقة تعتبر أن “موقف المفوضية واضح ومبدئي. وتجد هذا التطور أمر خطير جدا قد يكون له عواقب كارثية على طالبي اللجوء واللاجئين، وسابقة خطيرة ستضر وتقوض نظام حمايتهم”. 

وندد مفوض الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين فيليبو غراندي بخطة المملكة المتحدة، معتبرا أنها “كلّها خطأ”. كما لم تلاق هذه الخطة في التعاطي مع ملف الهجرة غير الشرعية ترحيبا من أطراف مختلفة في الداخل البريطاني أيضا على رأسها الأسرة المالكة والكنيسة الأنغليكانية. 

وكتب الزعماء الروحيون للكنيسة الأنغليكانية وبينها رئيس أساقفة كانتربري جاستن ويلبي ويورك ستيفن كوتريل و23 أسقفا، في رسالة نشرتها صحيفة التايمز الثلاثاء أن “هذه السياسة غير الأخلاقية تغطي بريطانيا بالعار”. من جانبه، وصف الأمير تشارلز خطة الحكومة البريطانية لإرسال طالبي لجوء إلى رواندا بأنها “مروعة”.   

لكن هذا المشروع يحظى بشعبية كبيرة لدى الكتلة الناخبة المحافظة، ما يشجع الحكومة في الإصرار على تنفيذ هذه السياسة، إذ أكد رئيس الوزراء بوريس جونسون أنه “لن يتم ردعنا بأي شكل من الأشكال أو ثنينا من خلال بعض الانتقادات”. 

أهداف الحكومة البريطانية 

التجأت حكومة المحافظين البريطانية إلى سياسة متشددة في مواجهة الهجرة غير الشرعية، في محاولة منها، لا تلاقي ترحيبا من عدة جهات داخل المملكة وخارجها، لتوجيه رسالة إلى المهاجرين الذين يحاولون دخول أراضيها عبر بحر المانش بطريقة غير شرعية. 

وأكدت لندن أنها تريد طرد أي شخص، مهما كانت جنسيته، يتم توقيفه وهو يحاول دخول البلاد بشكل غير قانوني، إلى رواندا رغم تكلفة هذه السياسة “أخلاقيا وماليا”، حسب منتقديها. ومن المتوقع أن تجبر الحروب والكوارث المناخية هذا العام عددا قياسيا من الأشخاص على الفرار من بلدانهم، وفق تقارير عديدة. 

وتدافع الحكومة البريطانية عن خطتها بكونها موجهة ضد شبكات تهريب البشر التي تجني أموالا طائلة من العملية. إن “المجموعات الإجرامية التي تعرض حياة أشخاص للخطر في المانش يجب أن تفهم أن نموذجها الاقتصادي سينهار في ظل هذه الحكومة”، يقول بوريس جونسون في تصريح لإذاعة “إل بي سي”. 

ومن جانبها، تعتبر وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس أن هذه السياسة “حيوية لوقف النموذج التجاري لعصابات تهريب البشر الذين يستغلون ضعف المهاجرين”. 

وتستفيد كيغالي من هذه الصفقة ماليا التي يعتبر منتقدوها أنها أبرمت على حساب حقوق المهاجرين. وتجني منها هذه الدولة الأفريقية، بموجب اتفاق مع لندن مبلغ 120 مليون جنيه إسترليني (144 مليون يورو) كتمويل أولي للخطة.  

وخلال مؤتمر صحفي في كيغالي، قالت المتحدثة باسم الحكومة يولاند ماكولو إن هذا الاتفاق يشكل “حلا لنظام اللجوء العالمي الفاشل”. وأضافت “لا نرى أن من غير الأخلاقي أن نمنح الناس منزلا”، مشيرة إلى أن رواندا ستكون “سعيدة” باستقبال “آلاف المهاجرين”. 

ومن المفترض أن يوضع المهاجرون المرحلون من بريطانيا في “فندق الأمل” Hope Hostel في كيغالي، “وهو ليس سجنا”، بحسب مديره، إنما فندق يملك فيه النزلاء حرية الخروج والدخول. وتتهم منظمات غير حكومية بانتظام الحكومة الرواندية بقمع حرية التعبير والمعارضة السياسية. 

وهذه ليست هي المرة الأولى التي تستقبل فيها رواندا طالبي لجوء من دولة أخرى، إذ اتفقت كيغالي والاتحاد الأفريقي والمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في عام 2019 على أنه يمكن إجلاء المهاجرين في مراكز الاحتجاز الليبية المزرية طواعية إلى رواندا على متن رحلات جوية تديرها الأمم المتحدة. 

“الحكومة البريطانية في ورطة كبيرة من الناحية القانونية والأخلاقية”، بحسب أحمد سعدون الخبير في شؤون الهجرة، باعتبار أن “الكثير من المهاجرين المرحلين قد يعرضون أنفسهم للأذى الجسدي كالانتحار”، رفضا للقرار “التعسفي” الذي لم تجن منه لندن إلا “السمعة السيئة”، علما أن، يشير سعدون، “بريطانيا لها تاريخ مشرف في مجال حقوق الإنسان وطالبي اللجوء”. 

بوعلام غبشي


مصدر الخبر

للمزيد Facebook

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى